}

الفنون والثقافة جسر الفلسطينيين في المهجر نحو هوية الأنسنة

ناصر السهلي ناصر السهلي 26 أبريل 2016
اجتماع الفنون والثقافة جسر الفلسطينيين في المهجر نحو هوية الأنسنة
تصوير العربي الجديد
أن تسأل فلسطينيا/ فلسطينية في المهجر عما يجعلهما متمسكين، في أقصى شمال الكرة الأرضية أو في غربها، بثقافة فلسطينية في الغربة، حتى من فترة ما قبل النكبة؟ فإنك أمام جواب غير مبهم: "هويتنا".
جيل كامل ممن هاجر من مخيمات خارج فلسطين، تجده متمسكًا بتقاليد وثقافة شعبية حتى في أكثر الدول رفاهية، فلا يخلو عرس فلسطيني من إعادة مسار ما توارثه هؤلاء في مخيماتهم إلى غربتهم. فالدبكة لازمة من لزوم الفرح، وفيها ومن خلالها تستعاد قرى ومدن فلسطين تردد على ألسنة المتواجدين صغارا وكبارا. زغاريد تحول العرس الفلسطيني في المهجر إلى ما يشبه مظاهرة وتحديا تروي سيرة فلسطين.

الثقافة بالنسبة لهؤلاء ليست مجرد أغان في الأعراس، بل هي ببساطة "كل ما يعبر عن جذور شعبنا. فالفولكلور الفلسطيني من حكايات وأساطير ومأكولات وموسيقى وتاريخ وأمثال شعبية ورقص، تطغى عليه الدبكة وأفلام وحوارات، كلّها جزء من ثقافتنا التي نسعى في الشتات أن نحافظ عليها"، كما يروي الدكتور عماد كعوش في الدنمارك.
أسس كعوش "بيت الثقافة الدنماركي العربي"، الذي يهتم بإبراز الثقافة الفلسطينية: "ليس فقط من أجل جمهور غربي، بل أيضا لكي تبقى ثقافة فلسطين تنتقل إلى الأجيال، فمثلما لا يخلو بيت من زعتر وزيت، لن تجد بيتًا فلسطينيًا اليوم في هذه الغربة لا يعرف قيمة هذه الثقافة والفولكلور كحجر زاوية في هوية هذا الشعب منذ نكبته".


حين يستذكر فلسطينيو الشتات يوم الأرض، أو ذكرى الأسير، فسيكون الإعلان على سبيل المثال: "يدعوكم البيت الفلسطيني في كوبنهاغن إلى احتفالية ثقافية بذكرى يوم الأرض. وفي الأمسية ستعرض منتوجات فنية وتراثية ومأكولات فلسطينية". لكن لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي الدعوة نفسها يمكن للعربي والدنماركي أن يقرآ: "مسرح المدينة القادم من فلسطين سيعرض مسرحية رجال في الشمس المنقولة عن الأديب المناضل غسان كنفاني".

يحمل يوسف عزام العود أمام جمهور خليط من الغربيين والعرب، يستعيد قصائد محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، وشعراء آخرين، ويؤلف موسيقاه وشعره أيضًا، فتسأله عن أهمية إبراز هذه الثقافة، فيجيب: "الموسيقى والثقافة عمومًا ذائقة فنية تفهمها كل شعوب الأرض. حين تغني وتعزف لحنًا، في أية مناسبة، فأنت بذلك تروي تاريخك، قصتك، وحكايتك كشعب من دون أن تكون بحاجة لكثير من الشروح. الفن جسر أنسنة يصل بنا إلى حيث نريد من دون تكلّف. هؤلاء الذين تراهم يصفقون ويتحمسون على خلفية لوحة "أناديكم"، سيفهمون رويدًا رويدًا ما تعنيه الأرض. أن ترى في أيام الثقافة الفلسطينية التي أقيمت قبل فترة، شاعرًا فلسطينيًا يلقي شعرًا تتم ترجمته للجمهور، وتراقب وجوهًا تدمع، فأنت بالتأكيد أوصلت رسالة بلا سياسة لجمهور غربي يفهم معنى اقتلاعك من جذورك".

سليم عاصي، فنان تشكيلي فلسطيني، وتحت عنوان "الفن المقاوم"، يرى في الجداريات واللوحات التي ينجزها "حالة تحد وتذكير، بعد أكثر من 20 سنة اغتراب تقول لمتذوق الفن، العربي والغربي، لا أناقشك في السياسة. حدّق في اللوحة وستفهم معنى الحرية التي نبحث عنها. الحرية واسعة، لكننا نعيش تمردًا ضد محتل غاصب وضد خنوع أرادوا من خلاله تذويبنا". يشارك عاصي في لوحاته، التي يرسمها في مهرجانات وفعاليات فلسطينية مباشرة، ويعود ريعها لدعم أطفال فلسطينيين في الداخل أو في مخيمات الشتات.

يرى كثيرون من هؤلاء الفلسطينيين المهتمين بثقافة بلدهم وتراثه، مثل مالك البطران، المهاجر من غزة منذ 30 سنة، بأن "كل ما له علاقة بهذا التراث يخدم تعزيز الهوية. أنت تندمج وتنسجم في المجتمعات، لكنك تُبقي في تناغم معيّن حقك في هويتك الثقافية. وجبة فلسطينية، ولو كانت مقلوبة أو فلافل وحمص من خلال نادي الطعام الفلسطيني الذي ينضم له غربيون، وخصوصا ممن زاروا فلسطين، هي وجبة تسلب المحتل سرقة حتى مأكولاتنا، فما بالك بنزعهِ صورتنا الإنسانية؟".

ويضيف عماد كعوش بأنه حين يقيم الفلسطينيون "مهرجان السينما الفلسطينية" في بلد مثل الدنمارك للعام الثالث، ويدعون فنانين فلسطينيين ليتناقشوا مع جمهور غربي، فذلك بالنسبة لي يعتبر نافذة أخرى، ليس لكي نبدو بطريقة معينة، بل لنكون كما نحن بشر عاديون، نقاوم ونحب، نبكي ونضحك. صورتنا تشبه صورة أي بشر، بفارق وحيد أن الاحتلال أراد لتلك الصورة أن تبدو همجية كما فعل طيلة عقود. لكن من خلال سرد تاريخ السينما الفلسطينية والمخرجين المؤسسين منذ ما قبل النكبة، فإنه سرد يكسر الرواية الصهيونية النمطية ويفتح عقل المتلقي على المغيّب".

لم تكن البدايات سهلة بالنسبة لهؤلاء الذين رأوا في الثقافة والفنون معبرًا وسياجًا للحفاظ على الذاكرة وانفتاح على العقل الغربي، فحين حضر محمود درويش إلى كوبنهاغن سرت صدمة عند مؤيدي الاحتلال. هي الصدمة التي بقيت حتى منتصف التسعينات حين بقي الفلسطينيون مصرين على ألا ينتزع أحد حقهم في إبراز ثقافتهم وعمقهم الإنساني.
ذلك التحدي أثمر أيضًا عن انتشار بيني للتمسك بثقافة الانتماء، كملاذ أسهل لجيل ولد في الغربة، فتجد شعراءً وكتابًا وموسيقيين وفنانين ينافسون ويصلون إلى مستويات رفيعة. وحين تتحدث مع بعض المؤسسين الأوائل لهذا النهج، فهم لا يخفون تحديا آخر، إذ كان التأثير الديني في البداية يرفض حتى علم فلسطين. بل واعتبر بعضهم في بداية الهجرة بأنه "لا يجوز الاختلاط بالغربيين ولا التوجه إليهم، لأنه سيبدو كتسول للعطف"، كما يقول أحد المهتمين بهذا المشهد الثقافي. أما اليوم، ورغم بقاء رواسب "ذهنية التحريم"، فإن كثيرين من الجيل الجديد لم يعد يأبه، فتجد اليوم فتيات من كل الأعمار يشاركن وبفعالية في نشر الثقافة الفلسطينية فنًا وشعرًا وموسيقى ورقصًا.

يقول الشاب محمد الشافعي، وهو مدرب لفرقة العودة للدبكة الفلسطينية: "كما كان أجدادنا في المخيمات عبر المواويل والزجل يستعيدون في ليالي الغربة عن الوطن ذكرى فلسطين لتنتقل إلينا ولو شفهيًا، فإن ثقافة وفنون المهجر أنتجت جيلًا يعي أيضًا أهمية الثقافة والفنون الهادفة. يتنافس شعراء شباب من الجيل المولود هنا على تقديم أفضل ما في الفلسطيني. الثقافة والفنون ستبقى ملاذا للفلسطينيين في المهاجر الغربية حتى يتحقق حلم العودة".




الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.