Skip to main content
ويفترقون في دول اللجوء
لبنى سالم
إلى حياة جديدة (الأناضول)

بعد وصولها إلى الدول الأوروبيّة وتقديمها طلبات اللجوء، تبدأ العائلات السوريّة حياة جديدة، وفق قيم اجتماعيّة وقوانين تختلف تماماً عمّا خبرته في سورية. هذه البيئة الجديدة ربما تجعل خيار الانفصال بين بعض الأزواج أسهل.
كان قد مضى على زواج أمل وحسن وهما من إحدى قرى ريف إدلب (شمال سورية)، 11 عاماً أنجبا، خلالها، ثلاثة أطفال. وصلت هذه العائلة إلى ألمانيا قبل نحو ستة أشهر. في البداية، سكنت في مخيّم للاجئين في برلين، مدة أربعة أشهر. وحين سُمح لها بالانتقال إلى بيت مستقل، فوجئ حسن بقرار زوجته بالانفصال عنه.

تقول أمل (34 عاماً): "لم أتخذ قراري فجأة. انتظرت الفرصة المناسبة لأحصل على الطلاق. لم أبلغه بالأمر خشية أن يؤذيني أو يؤذي الأطفال. في وقت لاحق، أبلغت المساعدة الاجتماعية برغبتي هذه، وطلبت مني ألا أخاف من شيء. وكانت هذه المرة الأولى التي لا أخاف فيها من أحد". وعن الأسباب، تقول: "لم أكن سعيدة أبداً. لم أشعر طوال سنين زواجي بأنني زوجة بل مجرّد خادمة. لم يسمح لي بالعمل مع أنني أحمل شهادة جامعية". تضيف أن زوجها كان ابن عمّها أيضاً، "وحين يقع أي خلاف بيننا، كانت العائلة تسانده وتطلب مني الصبر من أجل الأطفال. تحملت العنف والخيانة عشر سنوات من أجل أطفالي. لكن هنا، الدولة تقدّم للأطفال جميع احتياجاتهم. اليوم، أريد بدء حياة طبيعية كأي إنسان. أرغب في تعلم اللغة الألمانية والعمل وتربية أطفالي".

بالنسبة إلى حسن، كان قرار زوجته "صاعقاً". ويؤكّد: "لم أتوقع هذا. لم تقل يوماً، إنها تريد الطلاق، كان يجب أن تخبرني بالأمر قبل الانتقال إلى ألمانيا"، مضيفاً "لم نتزوج وفق القانون الألماني لننفصل على أساسه". ويوضح أن "المرأة ليست وحدها ضحية زواج الأقارب. لم أخترها بكامل إرادتي، بل هي العادات والتقاليد. وهذه مكافأتي في النهاية".

الحكايات كثيرة وأسبابها مختلفة، وإن كانت النتيجة واحدة وهي الطلاق. يقول باسل وهو لاجئ سوري يساعد في الترجمة في أحد مراكز اللجوء في ألمانيا، إن في المركز كثيراً من حالات الطلاق. ويلفت إلى أن عدد النساء اللواتي يطلبن الطلاق يفوق عدد الرجال، موضحاً أن الرجل في سورية يمكنه تطليق زوجته بكلمة واحدة، فيما تعاني النساء كثيراً قبل اتخاذ هذا القرار لأسباب دينية واجتماعية وقانونية.
ويوضح أنه في مراكز اللجوء، يعرّف القسم الاجتماعي جميع اللاجئات من المجتمعات الشرقية على الحقوق التي يضمنها لهنّ القانون الألماني، والتي تتساوى المرأة بحسبها تماماً مع الرجل في العلاقات والعمل، بالإضافة إلى طريقة تقديم الشكاوى. وعن حياة ما بعد الطلاق، تجد المرأة في دول اللجوء فرصة لعيش حياة طبيعية من دون أن تثقل كاهلها صفة "مطلقة".

من جهتها، تروي هبة الهلالي، أنها تعرّفت إلى زوجها السابق أحمد الذي يعيش في ألمانيا منذ سبع سنوات عن طريق الإنترنت. بعد أشهر عدة، تزوجا وانتقلت إلى ألمانيا، من دون أن يدوم زواجهما. تقول: "لم أعرفه جيداً قبل الزواج، لكنني قررت الانفصال حين عرفت أنه متزوج من امرأة سورية تعيش في تركيا، من دون أن يبلغ السلطات الألمانية الأمر". تضيف أن فترة ما بعد الطلاق لم تكن سهلة على الإطلاق، لكنني تقدمت بطلب لجوء وباشرت بدراسة اللغة الألمانية، وحصلت أخيراً على عمل في متجر. لدي مسكن، الآن، وصرت مستقلة مادياً. والأهم أنه في ألمانيا، لا يعيّرني أحد لأنني مطلقة".

ما زالت حقوق المرأة موضوع جدال بين اللاجئين السوريين في أوروبا. وترى هالة التي تعيش في السويد، أن "هذه البلاد تعد فرصة لنا كلاجئات للحصول على حقوق لم نكن لنحلم بها، قبل عشرات السنين، في بلداننا العربية". أما خالد أبو عبدالله الذي لجأ إلى السويد، أيضاً، فيأسف لنسبة حالات الطلاق بين اللاجئين. ويلفت إلى أن "نساء كثيرات انتظرن لمّ الشمل قبل الإفصاح عن رغبتهن في الطلاق، وهذا استغلال. الحرية لا تناسب بعض النساء. كثيرات لسن معتادات عليها وسيستعملنها لإهانة الرجل والتخلي عنه وعن الأطفال".

في هذا السياق، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة، دارين حسن، إنه في الوقت الذي يعطي فيه المجتمع الحق للرجل في الزواج مرة ثانية وثالثة لأبسط الأسباب، يلوم المرأة على طلب الطلاق، على الرغم من أنه حق إنساني وشرعي. تضيف أن "الاستغلال هو أن تبقى معه من أجل المال أو غير ذلك"، لافتة إلى أنه "في القانون السوري، المرأة التي تطلب الطلاق تخسر كل شيء، عدا عن الضغط الاجتماعي الذي يمارس عليها. وفي مفهومنا الاجتماعي الشرقي، فإن سعادة المرأة ليست مهمة". وتشدد على أن "نسبة الطلاق العالية هنا، هي أكبر دليل على حجم الخلافات المستترة في مجتمعنا".

وتتابع حسن أن "القانون في الدول الأوروبيّة ينصف الطرفين. في هولندا، تسأل المرشدة الاجتماعية كل لاجئة إن كان أحد يتعرض لها أو يزعجها، وتهتم السلطات بكل ما تقوله النساء، خصوصاً في حال كانت حقوقها تُمَس". تضيف أنه في إحدى المرات، هدد زوج زوجته، فنقل إلى مركز آخر، وأعلم أن أي فعل آخر قد يؤدي إلى رفض طلب لجوئه.

اقرأ أيضاً: "حماتي سبب طلاقي"