وول سوينكا.. من يقتني الفن الأفريقي ولماذا؟
قلّما يجري الحديث عن أفريقيا بمعزل عما كانت عليه بالنسبة إلى أوروبا، فهي بالنسبة إلى كثيرين ذلك المصدر الكبير للموارد الطبيعية والاقتصادية المستغلّة أو التي تنتظر من يستغلّها، أو أنها تلك الكتلة من الدول التي تعيش حالة لا منتهية من التنمية، وفي السنوات الأخيرة زاد صيت أفريقيا كمنبع للمهاجرين الباحثين عن الديمقراطية وحقوق العيش والعمل في بلاد الشمال.
لكن أفريقيا تحتضن اثنتين وخمسين دولة قومية، وفيها عدد يفوق ذلك من الشعوب واللغات، فلنا أن نتخيّل حجم وغنى ما نتفق على تسميته بـ الفن الأفريقي، كما لو كان شيئاً واحداً أو كتلة بسمات مشتركة، والواقع أن هذا غير حقيقي، فالفن الأفريقي متعدّد تعدّد الشعوب الأفريقية والتقاليد فيها.
ربما يكون المسرحي والروائي النيجيري وول سوينكا (1934)، أحد أبرز الأصوات التي خرجت من أفريقيا وتحدّثت باسم هذه الثقافات، وأفرد في كتاباته جانباً كبيراً للحديث عن الفن الأفريقي، وألقى عدّة محاضرات حوله في جامعات مختلفة من العالم، ومنها ما قدّمه ضمن برنامج "محاضرات ريتشارد دي. كوهين"، التي تنظّمها "جامعة هارفارد"، وشارك صاحب "المفسرون" فيها عام 2017. وقد جمعت محاضراته ضمن كتاب صدر مؤخراً تحت عنوان "ما وراء الجماليات: الاستخدام، والإساءة والتنافر في الفن الأفريقي" (منشورات جامعة يال).
يرى سوينكا أن الفنان لطالما كان فاعلاً وشريكاً حقيقياً في المجتمعات الأفريقية؛ سواء أكان ذلك في الثقافات التقليدية التي ظلّت الفنون من نحت ونسيج ورقص وموسيقى مكوّنات يومية من نمط عيشها، أم حتى خلال الاستعمار وما بعده، حيث ناضل كثيرون ضدّ الدكتاتوريات الصاعدة، وكان الفنانون على رأسهم، واعتقل كثير من الفنانين المعارضين للفساد والقمع في مختلف الأنظمة الأفريقية، وكان سوينكا واحداً منهم.
الكتاب هو مناقشة لدور الهوية والتقاليد والأصالة في صنع وجمع وعرض الفن الأفريقي اليوم، مناقشة تشجب الدوغمائية، سواء أكانت استعمارية أم دينية، والتي سعت إلى قمع تقاليد أفريقيا الفنية. وبالتناوب يتعدّد أسلوب سوينكا، فتارة تغلب التأملات واللغة الشعرية وتارة يصبح ناقداً استفزازياً، ولا يخلو الكتاب من روح الدعابة أيضاً.