Skip to main content
هللوا... حلّ عيد "البورصجية"
عصام شعبان
التحالف الحاكم يحمي مصالح السلطة والمال (أرشيف)
أصدرت الحكومة المصرية قرارها بتأجيل العمل بضريبة الأرباح في البورصة. لقي القرار، طبعاً، ترحيباً واسعاً من المستثمرين والمتعاملين في سوق المال، خصوصاً أن الضغوط التي مارسوها لإلغاء هذه الضريبة نجحت. فقد خفض المستثمرون في البورصة تعاملاتهم إلى النصف تقريباً في الأشهر الثلاثة الماضية، وذلك حتى لا يتم تحصيل الضريبة السنوية المستحقة، والتي كان مقرّراً تحصيلها في يوليو/تموز 2015.

ما يعني أن "البورصجية" وسماسرتهم نجحوا في فرض سطوتهم، كاشفين عن مدى عمق علاقات التحالف السياسي والاقتصادي الحاكم، إذ رفعوا شعار "رجعت أرباح البورصة كاملة لينا... والبورصة اليوم في عيد".

إلى ذلك، لم يكتف رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، بإصدار بيان، بل ذهب يدق "أجراس العودة"، مفتتحاً جلسة البورصة، ليحفظ ويكرّس بهذا القرار المصالح المقدّسة ما بين السلطة ورجال الأعمال، إذ اتخذ القرار بعد اجتماع مع رئيس البورصة ووزير الاستثمار والمجموعة الاقتصادية التي تدير اقتصاد البلاد، وتقترح كل قوانين النهب الاقتصادي التي أقرت خلال عام.

كانت وزارة المالية تسعى بشتّى الطرق إلى حل أزمة الموازنة، وبالرغم من أن مجمل ما طرح من سياسات تقشف وتوسيع للوعاء الضريبي لم تمس الأغنياء ورجال الأعمال، وبرغم أن الإجراء الوحيد الذي يمس هؤلاء هو فرض ضرائب الأرباح الرأسمالية على البورصة بنسبة 10% سنوياً، إلا أن هذا القرار لم يصمد حتى تطبيقه، وحين هاجم وزير المالية هاني دميان مستثمري البورصة وأعلن أن الاقتصاد ليس "غرفة وصالة"، في إشارة منه إلى البورصة، بدأ المستثمرون بخفض التعاملات المالية لفرض سطوتهم ومصالحهم. وفيما كان وزير المالية يريد تحقيق زيادة محصلات الضريبة، بدا أنه تجاوز قواعد اللعبة التي وضعها هو ووزير الاستثمار والصناعة.

كان من المفترض أن تصل عائدات الضريبة، التي قيل إنها تأجلت لعامين، إلى ما يقرب 10 مليارات جنيه (1.3 مليار دولار). وهذه ليست المرة الأولى التي تلغي فيها السلطة الضريبة على الأغنياء، حيث ألغت من قبل الضريبة المؤقتة على من يزيد دخله عن مليون جنيه (131.3 ألف دولار)، والتي أقرت بشكل مؤقت لمدة عامين.

اقرأ أيضا:النظام المصري "يدلّع" أباطرة الحديد ويثبّت احتكاراتهم 

كما ألغت وزارة المالية أيضاً ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة، والتي لم تتجاوز نسبتها الواحد في الألف. وبرغم ضآلة النسبة، إلا أنها حقّقت حصيلة ضريبية بلغت 4 مليارات جنيه. وبإلغاء ضريبة الدمغة والأرباح الرأسمالية، تعود البورصة إلى وضعها السابق قبل الثورة، أي بلا ضرائب. وهو وضع ليس له مثيل في أي نظام اقتصادي.

هذه الممارسات الاقتصادية تدل، بما لا يدع مجال للشك، على انحياز السلطة التام لمصالح رجال الأعمال والمستثمرين، كما تشير المنظومة الضريبية المطبقة اليوم في مصر إلى إهدار قيم العدالة الاجتماعية والشفافية والمحاسبة وإقرار التمييز. حيث يدفع الفقراء وعموم الشعب وطبقاته الشعبية الضرائب، ويعدّون وحدهم المصدر الأساسي للعائدات الضريبية التي يُعفى منها الأغنياء ورجال الأعمال.

ولعل إجراءات رفع أسعار الطاقة وخفض الدعم عن الكثير من السلع والخدمات، وفرض ضرائب قابلة للتكرار، تدفعنا إلى القول إن المصريين الفقراء مازالوا يدفعون فاتورة ممارسات الحكم من دمائهم وأعمارهم، في شكل شقاء وبؤس ناتجين عن تجاور الاستبداد والفقر.

أخيراً، ليس افتراء القول إن الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، وضمنها وزراء المالية المتعاقبون، سخّروا السياسات الاقتصادية والنقدية لتعظيم أرباح المستثمرين ورجال الأعمال، حيث لم تؤدّ السياسات المطبقة منذ 2011 إلى توفير فرص عمل، أو إلى توسيع القطاعين الصناعي أو الزراعي، بل توسعت الأنشطة العقارية والاستثمار المالي وحركة المضاربات، وكل ما لا يمت بصلة إلى الاقتصاد الحقيقي. وهي أنشطة لا يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إنعاش الاقتصاد، ولا يمكن لها أيضاً أن توفّر حلولاً لأزمات المجتمع، الذي يحتاج أكثر ما يحتاج إلى فرص عمل وشروط عيش لائقة وخدمات وسلع جديرة بالبشر.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)