Skip to main content
نهر السين مستقر لكنّ الخوف مستمر
محمد المزديوي ــ باريس
تحوّلت الشوارع إلى أنهار (ستيفان دو ساكوتين/ فرانس برس)
بشّرت السلطات الفرنسية المواطنين الذين يعيشون على ضفتي نهر السين أنّ تراجع مستوى المياه، سيبدأ، اليوم الثلاثاء، بعدما وصل تصاعد مياه نهر السين إلى ذروته، في العاصمة باريس، بارتفاع خمسة أمتار و84 سنتمتراً، في الصباح الباكر من يوم أمس الإثنين. وبذلك، لم يصل الفيضان هذه المرة إلى تحطيم رقم قياسي توقَّعه كثيرون وخشي منه كثيرون ممن تضرروا من هذا الصعود المخيف لمستوى المياه، والذي ستستمرّ نتائجه السلبية أياماً عدة. من هذه النتائج استمرار إغلاق قطار الضاحية "سي" السريع، حتى يوم الإثنين، الخامس من شهر فبراير/ شباط المقبل.

محطة "أوستيرليتز" للقطارات وقطارات الضواحي التي تحمل اسم جسر أوستيرليتز، تعتبر مرجعاً في هذا الصدد، إذ جرى فيها تسجيل معدل تصاعد المياه، الذي وصل إلى خمسة أمتار و84 سنتمتراً، وهو دون مستوى يونيو/ حزيران من سنة 2016 التي شهدت، هي الأخرى، صعوداً كبيراً للمياه بلغ مستوى ستة أمتار و10 سنتمترات، بحسب مركز المراقبة "فيجيكرو" (Vigicrues).

تبشر السلطات الفرنسية المختصة، ولا سيما جهاز مراقبة مياه نهر السين والأنهار الفرنسية الأخرى، المواطنين أنّ هذا المستوى وصل إلى ذروته التصاعدية، ابتداء من مساء أول من أمس الأحد عند الساعة الحادية عشرة و21 دقيقة، واستمر حتى يوم أمس الإثنين عند الساعة الثالثة و51 دقيقة صباحاً، وبقي على هذه الحال تقريباً، قبل أن يبدأ بالهبوط بشكل أكبر ابتداء من اليوم الثلاثاء.

تميّز الوضع ببقاء سفن ومراكب نهر السين في أماكنها ولو أنّ بعضها غمرته المياه. أما في ما يتعلق بوسائل النقل، فقد اضطرت السلطات إلى إغلاق سبع من محطات قطار الضواحي السريع "سي"، على ضفتي نهر السين، وسيستمر الإغلاق حتى الإثنين المقبل، من أجل حماية المنشآت من التلف الذي يمكن أن تسببه المياه.


وإذا كان مستوى تصاعد مياه نهر السين، هذه المرة، أدنى من المستوى الذي وصلته سنة 2016، فإنّ المستويات أسفل مدينة باريس، أكثر ارتفاعاً مما عرفته سنة 2016. وقد أكّد مركز المراقبة "فيجيكرو" أنّ ارتفاع المياه في المناطق المنخفضة من العاصمة سيستمر حتى بداية الأسبوع المقبل، بمستويات أعلى من مستويات 2016 بسبب الروافد الإضافية لنهر "واز" وهو ما تطلب من الدولة اهتماماً خاصاً تركز حول منطقة إلبوف غير البعيدة من مدينة روان.

وقد أثّر تصاعد مياه نهر السين على مناطق وبلدات كثيرة يمر بمحاذاتها، كما هي حال منطقة ليزيفلين حيث اعتمد السكان على المراكب وحدها في تنقلاتهم، وهي عادة ارتبطت بهم منذ بدأت منطقتهم تشهد في الأعوام العشرين الأخيرة فيضانات متكررة وصلت مع الفيضان الأخير إلى أكثر من ثمانية. أما في بلدة كاريي- سي- بواسي، فقد أخرجت 1400 سيارة من مرآب تحت الأرض لوضعها في شوارع مجاورة، خوفاً من غمرها بالمياه.

لا يعوّل المواطنون على سرعة انحسار المياه، لأنّ تراجعها بطيء، وهو ما يتطلب انتظار عدة أيام، ما أكدته بالفعل السلطات الفرنسية. وفي التفاصيل التي يوردها جهاز مراقبة الأنهار الفرنسية، فإن موجات فيضان آتية من نهر لامارن بالإضافة إلى أمطار منتظرة وسط هذا الأسبوع، تفرض على المواطنين "انتظار أكثر من أسبوع حتى تعود الأمور إلى المستويات العادية للموسم".

إلى ذلك، وخشية من حدوث فيضانات في باريس، تحدثت مصادر في محافظة باريس عن اضطرار أكثر من 1500 شخص إلى مغادرة منازلهم في باريس وضواحيها، خصوصاً في الشرق، بالإضافة إلى حرمان 1500 بيت من الكهرباء.

وأمام تذمّر المواطنين من تكرار هذه الظواهر الطبيعية والخسائر التي تكلفها، من دون أن تستطيع السلطات إيجاد حلول ناجحة. يتساءل مفوض شرطة باريس، ميشال ديلبويش، عمن يمنح الإذن بالبناء في هذه المناطق، خصوصاً أنّ الجميع على علم بحدوث هذه الظواهر، وفي منطق الوقاية، يجب تجنب هذا النوع من تعريض أرض الوطن وما عليها من مبانٍ للخطر.

من المعروف أنّ الفيضانات التي تضرب العديد من المناطق في فرنسا ناتجةٌ عن متساقطات فوق مناطق تعجّ بالمياه، وقد شهد شهرا ديسمبر/ كانون الأول الماضي ويناير/ كانون الثاني الجاري أعلى معدلات التساقط منذ سنة 1900.

باريس وضواحيها على موعد مع توقعات متفائلة، وستنتظر تحقق ذلك الأسبوع المقبل، لكنّ هناك مخاطر تحوم حول مناطق أخرى من فرنسا، خصوصاً سين- ماريتيم ومنطقة أوب. كذلك هناك أمطار منتظرة هذا الأسبوع، وهو ما يعيد القلق لولا وجود تطمينات رسمية من أنّ الأسوأ، من الآن فصاعداً، بات خلف ظهور القاطنين حول ضفتي نهر السين.