Skip to main content
من جبهة النصرة إلى فتح الشام
يمان دابقي (سورية)
بعد مناشداتٍ أكثر من ثلاثة أعوام من تاريخ الثورة السورية لجبهة النصرة بفك ارتباطها عن تنظيم القاعدة، استجابت أخيراً لنداء أهل الشام، حيث أعلن أميرها أبو محمد الجولاني أنّ "فتح الشام" لن يكون له أي علاقة بجهة خارجية، منوهاً أنّ تشكيل الكيان الجديد جاء بناءً على رغبة أهل الشام لسد ذرائع المجتمع الدولي، والذي استهدف معظم الفصائل المعتدلة بذريعة العلاقة مع تنظيم القاعدة.
طرح قرار فك الارتباط في هذا التوقيت، تساؤلاتٍ عديدة حول جدية القرار، فيما إذا كان متعلقاً فقط بفك الارتباط بالتسميات، يفضي إلى إعفاء التنظيم من أن يكون هدفاً للتحالف، وسد الذرائع بشكل نهائي، أم أنّه مرتبط بتغير الأيدولوجيا، المتعلقة بفكر التنظيم، وهذا ما يبدو في الوقت الحالي مبكراً التكهّن به، وقد تكون الأيام المقبلة كفيلةً لإظهار النتائج، بحسب ما ستتخذه "فتح الشام" من نهج جديد عبر أفعالها.
على صعيد آخر، اعتبر متخصصون بالتنظيمات الجهادية أنّ قرار فك الارتباط سيكون رسالةً للفصائل المعتدلة، والتي كانت ترفض سابقاً أن تندمج مع جبهة النصرة، بحكم ارتباطها بالقاعدة، وما إن يتم إعلان فك الارتباط، حتى يتم إيصال الرسالة لبقية الفصائل، مفادها: أن لا حجة لكم بعد اليوم من الاندماج بالكيان الجديد، بقيادة أمراء فتح الشام، فيما إذا تحققت سياسة الجذب لبقية الفصائل، فذلك يعني إعطاء "فتح الشام" مشروعية جديدة تضمن من خلالها تجنب أي اصطدام مستقبلي مع تلك الفصائل.
رأى بعضهم أنّ قرار فك الارتباط جاء بتوقيت متأخر، بعد أن فقد التنظيم معظم حاضنته الشعبية، في الأشهر الأخيرة من العام الجاري، جاء ذلك بعد استهداف الفصائل المعتدلة في حلب وإدلب من روسيا ونظام الأسد، وقتل المدنيين بذريعة وجود مراكز للنصرة، مع العلم أنّ هذه الذريعة آتت أُكلها، فالجميع يعرف أنّ أماكن وجود النصرة في سورية متداخلة بشكل مباشر مع أماكن الفصائل المعتدلة، ولا يمكن الفصل بينها، كما أنّ القرار جاء في الوقت الذي استطاع فيه نظام الأسد ومليشياته فرض طوق الحصار على الأحياء الشرقية لمدينة حلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة، إضافة إلى اجتياح مدينة إدلب وحلب بقصفٍ ممنهج بشتى أنواع الأسلحة، وتهجير السكان قسراً، تمهيداً للقضاء بشكل كامل على كل الفصائل المعتدلة في تلك المناطق، مرجحين، في الوقت نفسه، أنّ القرار جاء لصالح الكيان نفسه، وليس تلبية لصالح الشعب السوري، وإيقاف آلة القتل والتدمير.
اعتبر بعضهم أيضاً، أنّ قرار فك الارتباط ربما يكون خطوةً أولى لفتح الشام لإعلان إمارة في سورية. ولكن، على المدى البعيد، بعد أن يحرج التنظيم بقية الفصائل، ويقنعها بالاندماج معه تحت رايته لإعادة الحاضنة الشعبية لديه، إلا أنّ بعضهم رأى أنّ هذا الأمر مستبعد، حتى على المدى البعيد، لأنه لا يناسب مطالب الشعب السوري، وبقية الفصائل، فإعلان الإمارة الإسلامية وتطبيق شرع الله، على حد تعبير الجولاني، سيصطدم مباشرة مع المشروع الوطني السوري، في تحقيق دولة مدنية تعددية تحترم الجميع.
قوبل قرار فك الارتباط بشكل فوري، عقب إعلانه، بتعليق من الخارجية الأميركية، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية إنّ جبهة النصرة مازالت هدفا للطائرات الأميركية والروسية في سورية، على الرغم من قرارها قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة، وتغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام. وقال المتحدث باسم الخارجية "جون كيربي"، إنّ إعلان جبهة النصرة يمكن أن يكون ببساطة مجرد تغيير للمسميات، وإنّ الولايات المتحدة ستحكم عليها من تصرفاتها وأهدافها وعقيدتها.
فيما لم تستغرب أطراف وشخصيات سياسية معارضة تصريح الخارجية الأميركية، بل على العكس، كان متوقعاً رفض القرار بشكل غير مباشر، واعتباره لعباً على المسميات، بهدف استمرار تطبيق الاتفاق الروسي الأميركي سياسة التنسيق العسكري، واستهداف ما تبقى من الفصائل المعتدلة والسكان المدنيين في الشمال السوري، ولا سيما أنّ حلب مقبلة على معركة مصيرية، وقد تكون فاصلة بحسب الخطة الروسية الأميركية، والتي ستظهر نتائجها مطلع أغسطس/ آب.