Skip to main content
ما قاله سفير أوروبا
صلاح الدين الجورشي
الغنوشي مستقبلا سفير الاتحاد الأوروبي في تونس (25/4/2016/فيسبوك)
هل كان وصف سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، باتريس برغاميني، حركة النهضة بأنها إخوان مسلمون في تونس مجرد "زلة لسان"، كما جاء في تعليق رئيس مجلس الشورى للحركة، عبد الكريم الهاروني؟
لن نخوض في النوايا، وإنما سنحاول وضع تصريح السفير ضمن السياقات الراهنة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرجل شخصية مطلعة، وهو ما تكشف عنه مسيرته المهنية التي أهلته ليكون على رأس ثمانية عشر سفيرا من مختلف دول الاتحاد، بعد أن عمل دبلوماسيا ملحقا بالسفارة الفرنسية في تونس. وبالتالي هو خبير بالمؤسسات والأحزاب والتحديات التي تواجهها هذه البلاد خلال انتقالها الديمقراطي.
كما أن من أولويات مهمته، كما ذكر ذلك في بعض تصريحاته، توحيد مواقف مختلف السفراء الأوروبيين، من أجل جعل تونس الشريك الأول للاتحاد. وهو يعلم جيدا أن حركة النهضة لاعب أساسي في المسرح السياسي، بحكم أنها جزء رئيسي في الائتلاف الحاكم. كما أنه يدرك جيدا أن وصف هذه الحركة بأنها جزء من الإخوان المسلمين في هذا الظرف بالذات هو بمثابة اتهام للحركة، أكثر من أنه وصف لكيان حزبي. هذا على الأقل ما شعرت به الحركة، وما فهمه جزء واسع من السياسيين والمراقبين. لأن هذا الوصف يتضمن تشكيكا في صدقية ما أعلن عنه سابقا الشيخ راشد الغنوشي من أنه لم تعد لدى حركته علاقة بدائرة الإسلام السياسي، وهو يعني بذلك تحديدا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
كما يتضمن هذا الوصف تشكيكا في جدية التحولات التي عاشتها الحركة خلال السنوات الأخيرة، سواء على صعيد الخطاب السياسي، أو في ممارساتها اليومية التي جعلتها تبني تحالفاتٍ مع خصومها بالأمس القريب.
كما يمكن أن يفهم من تلك العبارة قبول سفير الاتحاد الأوروبي ما يؤكده خصومها في الداخل، والذين يتهمونها بأنها تمارس ازدواجية الخطاب، وأنها لم تقطع، بشكل جدي وحاسم، مع مرجعياتها القديمة.
كل هذه التأويلات التي ربما لم يكن في نية السفير الإفصاح أو التعبير عنها بهذا الشكل المباشر، إلا أن كلماته جاءت بمثابة من حرّك عش الدبابير. ولهذا السبب بالذات، انزعجت حركة النهضة كثيرا من تصريح السفير، وتخوّفت من أن يخفي موقفا عدائيا من الأوروبيين في هذا الظرف بالذات، على الرغم من محاولاتها المكثفة والمستمرة معهم، من أجل طمأنتهم وإقناعهم بأن حركة النهضة "يمكن أن تكون شريكا حقيقيا وجادا ودائما".
كان لتصريح السفير وقع سيئ على قيادة الحركة. ولهذا عملت على احتوائه بشكل سريع، حين وصفته بأنه "زلة لسان"، وأكدت أنه لا يعبر عن موقف الاتحاد، ودعت إلى إصدار السفير توضيحا، أو تصحيحا للموقف. والأهم أن الحركة، من دون أن يصل إليها أي اعتذار، سارعت بمفردها إلى تأكيد أنها تجاوزت الإشكال، وعملت على التقليل من أهميته، بالقول إن علاقتها بالاتحاد الأوروبي جيدة.
كان ما فعلته "النهضة" متوقعا ومنسجما مع منهجها التصالحي الذي اعتمدته منذ المواجهة مع نظام بن علي، من أجل التوصل إلى بناء علاقات وثيقة مع الحكومات الغربية. وإذا كانت بعض التيارات السياسية قد حاولت توظيف هذا التصريح، بغرض إضعاف "النهضة" وعزلها، الا أن رئاسة الجمهورية وشركاء الحركة في الحكومة تجنبوا السير في هذا الطريق، ولم يضخموا ما جاء على لسان الدبلوماسي الأوروبي، ولم يروا فيه مؤشرا حقيقيا إلى وجود تغيير في سياسة الاتحاد تجاه "النهضة".
يمكن القول إن الطرفين "تجاوزا" هذا التصريح، لكنه خلف بقعة رمادية توحي بأن حركة النهضة لا تزال تحت المجهر الغربي، وأنها لم تنجح حتى الآن في كسب ثقة الأوروبيين بشكل نهائي وقطعي. يقول أصحاب القرار في الغرب إن الغنوشي ومن معه قد قطعوا شوطا في "الاتجاه الصحيح"، لكن عليهم أن يواصلوا السير حثيثا، حتى يجتازوا بقية الاختبارات الواردة بنجاح، ليصبحوا بعد ذلك مهيئين لمنحهم الثقة!