Skip to main content
مآلات الأزمة في الخليج
بدر شافعي
مع غياب أي أفق للحل، ومع عمومية وعدم منطقية المطالب الـ 13 التي قدّمتها الدول التي تحاصر قطر، والذي ظهر بوضوح في مؤتمر وزراء خارجيتها في الخامس من يوليو/ تموز الجاري في القاهرة، والذي بدا منه مدى الارتباك والحيرة، لاسيما بعد اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمصري عبد الفتاح السيسي، ثم حديثها بعد ذلك عن ستة مبادئ، تتضمن هذه المطالب من وجهة نظرها، فإن ما يبدو واضحا أن الهدف الأساسي لهذه الدول هو إخضاع قطر بكل ما تحمله من ملفات، حمساوية وإخوانية وملفات أخرى، تتعلق بتأييدها للربيع العربي، وحق المقاومة للشعوب المقهورة، سواء بما تمتلكه من أموال، أو ما تفعله "الجزيرة" في العقل العربي، وهو الأهم.
لكن، يبقى السؤال: هل ستنجح في ذلك، لاسيما بعد فشلها في الجولة الأولى في ظل ثبات الموقف القطري المتمسّك بثوابت السيادة ورفع الحصار قبل أي حوار. وهو ما أكّده أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في خطابه، في 21 يوليو/ تموز الجاري، من التركيز على مبدأي السيادة ورفض الإملاءات. وما الذي يمكن أن يتخذه هؤلاء لاحقا؟
مع انتهاء ما سموها المهلة الممنوحة لقطر، من دون أن يصل الجانبان إلى حل، وهذا التخبط الذي شهده المؤتمر الصحافي لاجتماع القاهرة وما تلاه، فإن المسرح مفتوحٌ على احتمالين، يشملان إجراءات سياسية واقتصادية، مع استبعاد الخيار العسكري، وهو ما أكد عليه تقرير أخير صادر عن مركز المعلومات واتخاذ القرار التابع للحكومة المصرية.
الاحتمال الأول، تشديد الحصار الاقتصادي والسياسي على قطر، ويدعم هذا الاتجاه أنه أقلّ
كلفة سياسيا وعسكريا، وربما لا يلاقي معارضة دولية كبيرة. وخلال الفترة الماضية، سربت بعض وسائل الإعلام القريبة من دول الحصار بعض هذه الإجراءات التي يبدو أنها لاتزال في إطار التفكير والجدال النظري الشديد، على اعتبار تداعياتها السلبية على هذه الدول ابتداء. ومنها الضغط على شركات النفط والغاز العالمية، وتخييرها بين التعاون مع قطر أو دول الحصار. وثانيها إمكانية طرد "أو تجميد" عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. إذ تحدث عن هذا الخيار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي قال إن "الطلاق" وشيك، كما تحدّث عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، إذ لوّح بخيار الفراق، إذا لم تستجب قطر لمطالب دول الحصار. ولكن، تبقى هناك إشكالية ترتبط بميثاق مجلس التعاون الخليجي نفسه، والذي تنص مادته التاسعة على أن تصدر قرارات المجلس الأعلى (الهيئة العليا على مستوى القادة) في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت. ومعنى هذا أن حضور الكويت واعتراضها يجعل أمر التجميد غير ذي جدوى، أما في حالة عدم حضورها، هي وسلطنة عُمان، فإن اتخاذ قرار مهم كهذا بإجماع نصف الدول الأعضاء (دول الحصار) فقط يطعن في قانونيته. وإن كان أثره الفعلي لن يكون كبيرا لأن المجلس انتهى فعليا وإن ظل قانونا. أما ثالث هذه الإجراءات، فيتمثل في مقاطعة قطر اقتصادياً، وتخيير الشركات الدولية بين التعامل معها أو مع دول الحصار، وسحب الودائع الإماراتية والسعودية من البنوك القطرية البالغة تقريباً 18 مليار دولار وتجميد ودائع قطر في الدول الأربع. وكذلك سحب وإلغاء تراخيص فروع البنوك القطرية في هذه الدول، وحظر امتلاك المستثمرين أصولاً قطرية. وإن كان هذا الأمر لا يخلو من أضرار اقتصادية، تصيب هذه الدول أصلا، اللهم إلا إذا تم ذلك في إطار المكايدة السياسية غير محسوبة العواقب. أما الإجراء الرابع فيتمثل في إلغاء (وحجب) اشتراك قناة الجزيرة وقنوات أخرى محسوبة على دولة قطر في القمر الصناعي "عرب سات" ومقرّه الرياض، و"النايل سات" ومقره القاهرة. ثم يأتي الإجراء الخامس، إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في البحرين، خلال 72 ساعة من انتهاء المهلة، في حال لم تستجب قطر لمطالبها، وهو ما يمثل أول وجود عسكري مصري ثابت ومتقدّم في دول الخليج. ولكن هذا الاقتراح تكتنفه صعوبات عدة تتعلق بالتكلفة الاقتصادية من ناحية، لاسيما مع وجود قوات درع الخليج والقوات السعودية في البحرين، ناهيك عن ضرورة موافقة البرلمان المصري عليه (هذا أمر سهل)، فضلا عن ضرورة الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة.
الاحتمال الثاني هو الوصول إلى تسوية سياسية عبر الوساطة الكويتية، وبضوء أخضر من
الولايات المتحدة تحديدا، وقد يتضمن هذا الحل تخفيض سقف المطالب، بحيث تقتصر على تغيير سياسة قناة الجزيرة، وتعهد الدوحة بطرد أي عناصر غير مرغوب فيها ومصنفة إرهابية في أيٍّ من دول الحصار أو القائمة الأميركية (الإخوان المسلمون و"حماس" تحديدا)، وتقليص الدوحة تعاونها مع إيران في أي مجال من المجالات، ولو من باب الإعلان الشكلي. وربما يدعم اتجاه التسوية التحرّكات الدولية الحالية، سواء الأميركية أو الفرنسية أو البريطانية أو حتى التركية.. وعلى الرغم من قبول طرفي الأزمة فكرة التسوية مبدأ، إلا أن التباين بينهما بشأن أجوائها وإجراءات بناء الثقة السابقة لعملية التفاوض، مثل اشتراط قطر رفع الحصار وعدم المساس بالسيادة وسياسة الإملاءات، في مقابل مطالب هلامية للطرف الآخر، تتحدث عن وقف دعم الإرهاب من دون تحديد دقيق له، والحديث كذلك عن عدم التدخل في شؤونهما! ويبدو أن هذه الدول تراهن على عامل الوقت وطول أمد الأزمة، كما عبر عن ذلك الوزير الإماراتي أنور قرقاش. وفي المقابل، تسعى الدوحة إلى تعزيز موقفها التفاوضي، عبر مختلف وسائل القوة الناعمة، لأنها لا ترغب في تكرار سيناريو 2014 ، وبفرض حدوث تسوية، فأغلب الظن أنها ستكون تسوية سياسية فقط، أشبه بحالة البينونة الصغرى في عملية الطلاق، لأن جراحاتها الاجتماعية، ربما لا تندمل سريعا.