Skip to main content
قرية الرمية... قصة بلدة تحولت لـ "غيتو" بأعالي الجليل
ناهد درباس ــ الرمية
أثناء موسم جني الزيتون في قرية الرمية
عاش أهل قرية الرمية كباقي أهل البلاد في ظل الحكم العسكري ومختلف صنوف التمييز العنصري، ومصادرة الأراضي، وتضييق الحياة عليهم، لكنها صمدت حتى عندما استيقظت بين ليلة وضحاها عام 1964 لتجد نفسها تتحول إلى شبه حي على أطراف مدينة يهودية بدأت ترتفع عماراتها ضمن مشروع تهويد الجليل وسرقة ما تبقى من حيز عربي فيه.
منذ العام 64 وقرية الرمية الفلسطينية، بأهلها من قبيلة عرب السواعد تلاطم وحيدة مخرز الحكومات الإسرائيلية، تتمدد المدينة اليهودية كرميئيل فتنكمش القرية، أو ما تبقى منها على أهلها، تصارع بالقانون، قانون المحتل كي تبقى لكن عبثا.
واليوم تقف القرية على مسافة أسابيع من هدم ما تبقى منها، غيتو الرمية في قلب مدينة كرميئيل... والأصح قرية تحولت إلى حي تحول إلى غيتو، بعد أن أقامت إسرائيل على أرضها وأرض البعنية ومجد الكروم ودير الأسد. مدينة التفت حول القرية كما يلتف الثعبان على ضحيته ليخنقه قبل أن يبتلعه. فقد أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا، قرارها النهائي بوجوب إخلاء الحي (الغيتو) وهدم بيوته حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري، لتسدل الستار على 20 عاما من التلاعب بأهل القرية وتشتيت قواهم واستنزافها في دهاليز القضاء الإسرائيلي.

تقع قرية الرمية في الشمال الشرقي لمدينة عكا بالجليل الأعلى بين مدينة عكا ومدينة صفد، وتعتبر قرية غير معترف بها، مسلوبة الاعتراف من سلطات دولة قامت على أراضيها. يسكن القرية 45 عائلة من حمولة السواعد يحملون صكوك ملكية "طابو" باسمهم.
تفتقر الرمية بشكل مقصود ونتاج سياسة مرسومة الى الخدمات الأساسية فلا يوجد فيها كهرباء وجميع بيوتها من الصفيح. تعتمد العائلات على مولدات الكهرباء للإضاءة تعمل 6 حتى 8 ساعات يوميا فقط ، فيما تشع أضواء مدينة كرميئيل على مرمى حجر، أو قل عند ناصية الشارع الأقرب، يتمتع فيها 60 ألف نسمة 10 بالمائة منهم عرب.
تنتظر الرمية قرار الهدم وتنفيذه في الموعد الأخير حتى تتم إزالة بيوتها وفق مخطط الدولة لإقامة مجمع سكني للمستوطنين اليهود من مختلف أصقاع الأرض تمت المصادقة عليه سنة 1991. اقترحت الدولة على أهالي الرمية مقابل ترحيلهم عن أراضيهم واختفائهم من مشهد المدينة العام قسائم بناء تكفي لعشرة بالمائة من عائلات القرية اليوم.

صامدون لا يريدون خدمات
يقول صلاح سواعد الناطق بلسان قرية الرمية (49 عاما) لـ "العربي الجديد": جميع بيوت أهالي رمية اليوم تقع على مساحة 70 دونماً من أصل 700 دونم في السابق. الدولة تريد أن تعطينا قسائم وبديلا لا يكفي حتى لـ10 بالمائة من العائلات وتريد نقلنا الى الحي الغربي من المدينة. خلال المفاوضات معهم على مدار السنين، قلنا لهم أعطونا قسائم أكثر لأن ما يقترحونه لا يكفي عشرة بالمائة من العائلات رغم أنه توجد أرض خالية بجانب القسائم المقترحة إلا أنهم ادعوا أن هذه أراضي محمية طبيعية. فهم لم يأخذوا بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية للسكان، ويريدون البقاء بحسب الاتفاق الذي وقِّع عام 1995 وتجاهلته "دائرة أراضي إسرائيل"، بينما تمت إقامة حي "رمات رابين" على أراضي الرمية.
ويضيف صلاح السواعد: "نحن لا نريد منهم خدمات. نحن صامدون على هذه الأرض. نريد منهم أن يتركونا وشأننا مستحيل أن نخرج من أرضنا، يوم 28 الشهر سيكون هناك تصعيد ومظاهرة قطرية كبيرة. مستحيل أن نخرج، سنبقى شوكة في حلقهم، نحن شعب أعزل وضعيف ولكننا أصحاب حق ولن نرضى بالذل ولا نريد خدماتهم. فنحن صمدنا 24 سنة منذ إصدار أمر الإخلاء الأول الذي صدر بحقنا سنة 1991. فأنا أسير اليوم في الشارع وأرى الدنيا سوداء أمام عيني".

القضاء ستار للترحيل والطرد
أما المحامي سلم واكيم الذي ترافع عن أهالي قرية الرمية في العقد الأخير، فيقول لـ "العربي الجديد": المسار القضائي استنفذ وقرار العليا، يلزم كل عائلة ترفض التوقيع على الاتفاق مع "دائرة أراضي إسرائيل"، بهدم بيتها على نفقتها الخاصة وإخلاء الأرض خلال شهر، دون تلقّي أي تعويض. في المقابل ستعطى العائلات التي تلتزم بقرار العليا وتوقّع على الاتفاق، مهلة زمنية لمدّة عام، ويتاح لها البقاء على أرضها إلى أن تنتهي من بناء بيوتها الجديدة في المكان المخصص لذلك بموجب الاتفاق الذي أبرم بين الأطراف".
وفي لقاء مع فاطمة سواعد 73 عاما، من موالد قرية رمية، قالت: ولدت هنا ولدي أربع بنات وسبعة أولاد فجميع أبنائي يسكنون معنا في الرمية. أنا وإخوتي ولدنا هنا وأيضا أمي وأبي، يوم احتلها اليهود كنت صغيرة ولكن أذكر ان أبي أخذنا إلى قرية الرامة لنختبئ وجلسنا تحت شجرة خروب حتى هدأت الأوضاع وبعدها رجعنا الى أرضنا مباشرة، وكان أخ لي كان قد وصل الحدود أراد الخروج من البلاد ولكن استطاع أبي أن يرجعه بعد أن هدأت الحالة. فجميع عائلتي لم تترك البلاد، كلنا بقينا على أرضنا في الرمية.
وتابعت: في الماضي أيام زمان كنا نزرع أراضي الرمية قمحا وعدسا وفولا ودخانا عربيا. ونجلب المياه من عين "بير خشب" والتي تقع بين الرمية وقرية الحسينية للسقي. وأذكر أننا عندما كنا صغارا كنا نغني ونردد، إشتي يا دنيا وزيدي وفي بيتنا حديدي أبونا حسين العبدالله ورزقنا على الله".
وبعد أن هدأت الأحوال رجعنا جميعنا إلى الرمية وزرعنا الأرض مجددا. أنا لم أتعلم ولا ذهبت إلى المدرسة ولم أعرف القراءة، كان أبي يقول عيب البنات تختلط بالرجال وبقينا دون تعليم. اليوم الوضع أفضل، الجميع يدرس ويقرأ ويتعلم. وما زلت أزرع وأفلح الأرض وأخبز الخبز. وبعد هذا العمر اين استطيع أن اذهب الآن تربيت هنا وحصدت وزرعت وأكلنا من ثمار هذه الأرض الى أين سنذهب.
يملك أهالي الرمية إلى اليوم، سندات ملكيتهم لأرضهم، وبعضها يعود إلى فترة الانتداب البريطاني، قبل النكبة بحسب ما يقول محمد سواعد (وهو من مواليد سنة 1943): أنا أملك كواشين أرض من أيام الانتداب البريطاني تثبت ملكيتي من قبل النكبة. وأصلا قبل سنة 1964 عندما أنشئت مدينة كرميئيل كنا نتبع إلى مجلس قرية البعنة. ففي السابق كنا نسكن في بيوت شعر نقالة ونعيش على المواشي. وفي فترة الانتداب البريطاني الرمية كانت منطقة عسكرية ولكن لم يأذونا في حينها بقينا على أرضنا وكنا نزرعها ونفلحها".