عمّال في ليل موريتانيا
خديجة الطيب ــ نواكشوط
اضطرّته الظروف إلى العمل ليلاً (العربي الجديد)
حين يخلد الجميع إلى النوم، يبدأ عبد الله ولد سعدنا عمله كحارس ليلي. يجوب الشوارع المحيطة بالحي السكني الذي يحرسه، ويراقب كلّ التفاصيل ليتأكّد من عدم وجود حركة غريبة. يتفقّد بوّابات المرافق في الحي ومواقف السيارات، حتى خلال العواصف. لا يخشى العصابات التي تسعى إلى إيذاء الحراس لتكون قادرة على السرقة.

يساعد عبد الله حارسان. ففي الحي مصرف ومبان سكنية وموقفين للسيارات. يقول إن "العاصمة نواكشوط تغيّرت بسبب انتشار العصابات المنظمة التي تأتي من دول غرب أفريقيا، وتنشر الرعب بين السكان، ما يجعل الحاجة إلى حراس ليليّين أمراً ملحاً".

يشير عبد الله إلى أنّه اعتاد السهر طوال الليل منذ 15 عاماً، حين اضطرّ إلى العمل كحارس ليلي بسبب قلة فرص العمل. يقول إن "العمل في الليل أمر لا مفر منه"، لافتاً إلى أنّ العديد من الأشخاص يضطرون إلى ذلك بسبب طبيعة عملهم. هؤلاء يسهرون ليلاً وينامون نهاراً. ومع مرور الوقت، يصبح الأمر عاديّاً، وإن كان "يؤثّر على حياتنا". ويشير إلى أنّ أكثر ما يزعجه في عمل الليل هو حاجته إلى النوم نهاراً، خصوصاً أنه يصعب عليه أداء الصلوات في وقتها. كذلك، يعجز عن النوم أحياناً بسبب الضوضاء في الحي الشعبي الذي يقطنه، حتى أنّه يضطر إلى وضع سدادات للأذن.

عبد الله هو أحد الذين اضطرّتهم الظروف إلى العمل ليلاً، حاله حال غيره من عمال وموظفين في المستشفيات والمحال التجارية ومحطات البنزين والصيدليات والمصالح الأمنية وغيرها. وفي ظل التغيرات في المجتمع، باتت هناك حاجة ملحة إلى عمال بدوام ليلي، لينقلب ليلهم نهاراً ونهارهم ليلاً. وما من خيار إلّا التكيّف مع الحياة الجديدة.

وإذا كانت بعض المهن تتطلّب العمل ليلاً مرة أو مرتين في الأسبوع وفق نظام المناوبات، فإنّ العديد من الأشخاص يختارون العمل ليلاً بسبب حاجتهم إلى العمل، أو رغبة في الحصول على راتب أكبر، وإن كانت لهذا أضرار على صحّتهم.
تشير بعض الدراسات إلى أن العمل ليلاً يؤدّي إلى اضطرابات في الجهاز العصبي والهضمي، ويؤثر على القلب ويرفع خطر الإصابة بالسرطان، ويسبّب الإجهاد والتوتّر، فضلاً عن تأثيره على الحياة الاجتماعية.



وفي ظلّ ضغوط الحياة وكثرة المهام الأسرية، بات التكيّف مع نظام المناوبات أكثر صعوبة، وخصوصاً أن البعض يعجز عن النوم نهاراً، فإما أن يكتفي هؤلاء بساعات نوم قليلة، أو يصلون ليلهم بنهارهم. وعادة ما يحرم عمّال الليل من قضاء أوقات ممتعة مع أطفالهم وأقاربهم، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية أو النشاطات الترفيهية.

من جهة أخرى، يشكو البعض من المشاكل التي قد تواجههم خلال عملهم ليلاً. علي ولد الرحال، الذي يعمل في محطّة للوقود، هو أحد هؤلاء. يقول إن أكثر ما يزعجه خلال الدوام الليلي هو فرار الزبائن من دون أن يدفعوا المبالغ المستحقّة عليهم، مستغلّين قلّة عدد العاملين وخلوّ الشوارع من السيارات وضعف الرؤية. ويلفت إلى أنّ هؤلاء ينطلقون بسرعة كبيرة بعدما يملأون خزانات سياراتهم. يضيف: "في إحدى المرات، تعرّضت للضرب والتهديد بالقتل لأنّني وقفت أمام سيّارة فيها أربعة شبان حاولوا الفرار. وبعد مشادة كلامية، أزاحوني عن الطريق وانطلقوا بسرعة كبيرة من دون أن يدفعوا المال. هذه ضريبة العمل في الليل".

أما سعيد ولد سيد أحمد، وهو مهندس، فيقول إنّ أكثر ما يزعجه في الدوام الليلي هو غيابه عن عائلته. يضيف: "أعمل ست ليال في الأسبوع، وهو ما يؤثر على أسرتي التي تحتاج إلى وجود رجل في البيت، خصوصاً في الليل". ويلفت إلى أنه في إحدى الليالي "دخل لصوص إلى البيت وهددوا والدتي وزوجتي وأطفالي، وسلبونا كل ما نملك". وما زالت آثار هذه الحادثة مستمرة حتى اليوم، ويشعر الأطفال بخوف شديد في الليل. يتابع: "في إحدى المرات، أصيب طفلي بحمى شديدة، فاتصلت زوجتي بشقيقها لأنني لم أكن قادراً على ترك عملي لاصطحابه إلى المستشفى". وبعيداً عن المشاكل العائلية التي يسببها العمل الليلي، يشكو سعيد من آلام في العضلات والمفاصل وضعف البصر والاكتئاب.

أما يحيى ولد الرشيد، الذي يعمل في خدمة الاستقبال في المستشفى، فيقول: "يبدأ دوامي في الساعة 11 ليلاً، وينتهي الساعة الثامنة صباحاً. وحين أعود إلى البيت، يكون الأطفال قد ذهبوا إلى مدارسهم. وبعدما أتناول طعامي، أغط في نوم عميق بسبب الإجهاد والسهر، وأصحو في السادسة مساءً. خلال هذه الفترة القصيرة، بالكاد أتحدث إلى الأطفال أو أشتري حاجيات البيت".