طارق راضي في "كناري ميشين"
ابتسام عازم ــ نيويورك
تظاهرة داعمة للقضيّة الفلسطينيّة (روبن بيك/ فرانس برس)

تلاحق الولايات المتحدة بعض الناشطين المناصرين للقضية الفلسطينية. هذا في العام، أما في التفاصيل، فتسعى مدونة "كناري ميشين" إلى تشويه صورتهم، ما قد يؤثر على مستقبلهم في البلاد.

لم يُفاجأ طارق راضي حين رأى صورته ضمن مئات الأسماء التي نشرتها مدونة "كناري ميشين" اليمينية الصهيونية على الإنترنت. كأنه كان يتوقع الأمر. مع ذلك، ذهل، كما يقول لـ"العربي الجديد"، حين ضغط على اسمه ليجد صفحة تتضمن صوراً عدة له ومقاطع فيديو واقتباسات من محاضرات أو كلمات ألقاها خلال تظاهرات أو تجمعات طلابية مناهضة للاستيطان في فلسطين، وأخرى تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة، ودعم حركات نضالية.

للوهلة الأولى، لا يبدو استهداف داعمي القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان، أو هؤلاء الذين ينتقدون السياسات الأميركية الداعمة لإسرائيل، جديداً. إلا أنّه يذكّر بأسلوب عمل أجهزة الاستخبارات، التي كانت تجمع كمّاً هائلاً من المعلومات حول الأشخاص، وتعمد إلى التشهير بهم من خلال وصفهم بـ"كارهي أميركا"، وإطلاق اتهامات بحقّهم لا بد أن تؤثّر بشكل سلبي جداً على مستقبلهم المهني. وتعمد المنظمة إلى استهداف عدد من قادة المستقبل والطلاب الجامعيّين الذين يمكن أن يكون لهم تأثير على زملائهم الأميركيين في المستقبل.

ولد طارق راضي في الولايات المتحدة لأبوين فلسطينيين يتحدّران من دير ياسين، قرب القدس، وهجّر أجداده من بلدتهم بعد المجزرة الشهيرة التي تعرّضت لها منطقتهم خلال النكبة. درس في جامعة "جورج ميسن"، قرب واشنطن. وفي الوقت الحالي، يتابع دراسة الماجستير في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة "سواس" (كلية الدراسات الشرقية والأفريقية) في لندن. المنظّمة لم تكتف بنشر اسمه وصوره ومعلومات عنه، بل نشرت أسماء جميع الجمعيات والمنظمات الطلابية التي عمل معها أو ساعد في تأسيسها، بالإضافة إلى قائمة مع روابط بأسماء أصدقائه أو المقربين منه، الذين يعملون كناشطين وداعمين للقضية الفلسطينية.

يوضح لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر قد يؤثر على احتمال حصوله على منحة لمتابعة الدكتوراه في إحدى الجامعات الأميركية، أو الحصول على وظيفة بعد التخرج في وقت لاحق. ويلفت إلى أن الحملة تستهدف الجامعات بشكل خاص، وتضع الدفاع عن القضية الفلسطينية في خانة دعم الإرهاب. يضيف راضي أن سوق العمل في الجامعات بات صعباً ومعقّداً في الولايات المتحدة من دون اتّهامات من هذا القبيل، "فما بالك إذا ما وجهت اتهامات بالعداء لأميركا ومعاداة اليهود لشخص معيّن؟". صفحةٌ من هذا النوع تجعل أي شخص يميني صهيوني في إحدى اللجان التي تقدّم المنح للطلاب أو توظّف، يستطيع الدخول إلى الصفحة والبحث خلال دقائق عدة عما إذا كان اسم المتقدم موجوداً ضمن قائمة المنظمة، ويمكن لأي شخص الدخول إلى الصفحة من دون معرفة آخرين بذلك.




ويشير راضي إلى أمر إضافي يتعلّق بمضاعفة احتمالات منعه من الدخول إلى فلسطين المحتلة. في هذا السياق، يقول إنه كباحث عن تاريخ فلسطين، قد يحتاج إلى زيارتها بطبيعة الحال، ناهيك عن كونه فلسطينياً، ويوضح أن قائمة من هذا النوع ستسهّل على السلطات الإسرائيلية منعه من الدخول إلى فلسطين، ما قد يجعله عاجزاً عن إنجاز أبحاثه الأكاديمية. ولا تكتفي تلك المنظمة بنشر القوائم والمعلومات على صفحتها، بل تتصل بالجامعات أو أرباب العمل للتحريض ضد هؤلاء الموجودين على قوائمها. وفي حال تجاوب هؤلاء معهم، ستغلق الأبواب في وجههم.

ليست الملاحقات بحق الفلسطينيّين أو داعمي القضية الفلسطينية جديدة. فقد عرفت الولايات المتحدة تاريخاً طويلاً من الملاحقات ضد ناشطين فلسطينيين وعرب وأميركيّين دافعوا عن حقوق الفلسطينيين. في هذا السياق، يقول راضي إن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالقوائم السوداء التي تضم أسماء لمجرّد إيمانهم ودفاعهم عن قضية ما. وفي ما يتعلق بفلسطين، يقول إن ما يحصل ليس جديداً. ففي عام 1987، عمدت السلطات الأميركية إلى ملاحقة ثمانية ناشطين فلسطينيين في لوس أنجليس، واتهامهم بالتخابر لصالح منظمات شيوعية. أكثر من ذلك، كانت هناك محاولات لترحيلهم من الولايات المتحدة.

في الوقت الحالي، ما زالت قضية الناشطة رسمية عودة، التي تعيش في الولايات المتحدة منذ 16 عاماً، عالقة، إذ تتعرض لاتهامات وحملات تحريض في شيكاغو، عدا عن احتمال ترحيلها وتجريدها من الجنسية الأميركية. يتابع أن استهداف رسمية يعود إلى نشاطها وعملها في منطقة شيكاغو، ومساعدة عائلات عربية ومسلمة مهاجرة إلى الولايات المتحدة للتأقلم في البلد الجديد، وتمكين النساء والشباب.

تجدر الإشارة إلى مساهمتها في ربط الجاليات بمجموعات أخرى مهمشة، كالأميركيين من أصول أفريقية، أو المهاجرين المتحدرين من أميركا اللاتينية، من أجل توحيد النضال والحصول على حقوق مدنية أفضل في الولايات المتحدة.

يدرك راضي جيّداً أنّ مستقبله المهني قد يكون مهدّداً، ولا يمكن الاستهانة بما يحدث. في الوقت نفسه، يشير إلى أنّ كلّ ما يتعرّض له لن يردعه عن الاستمرار في العمل من أجل ضمان حقوق الفلسطينيّين. ويصف ما يحصل في الولايات المتّحدة بـ"الأوقات الصعبة في تاريخنا"، وقد أثّرت الملاحقات على حياة عائلات كثيرة، لافتاً إلى أنه "لن يثنينا ذلك عن العمل من أجل تحرير فلسطين".