Skip to main content
ضريح زبيدة
عثمان المختار
على جانب الكرخ من بغداد القديمة يصارع بناء مرتفع موغل في القدم، المباني الجديدة رافضا التنحي عن مكانه رغم هجرة أغلب السكان من حوله للمكان؛ إنه ضريح الست زبيدة أو زمردة خاتون زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد وحفيدة مؤسس الدولة العباسية أبو جعفر المنصور ووالدة الخليفة الأمين وأسمها الحقيقي أمة العزيز بنت جعفر بن أبي المنصور.
 
وأسميت بالست زبيدة نسبة الى كنيتها آنذاك حيث تذكر كتب التاريخ والسيرة أنها أسميت زبيدة لبياض وجهها وأخرى أن جدها أبو جعفر المنصور كان يجعلها ترقص في طفولتها فتسعده ويقول لها انت زبيدة كناية عن جمالها فسرى الاسم عليها وأهم أعمالها بناء أحواض مياه للحجاج وحفر آبار بالطريق بين بغداد ومكة وما زال هناك طريق يربط المدينتين ويطلق عليه في كلا الشطرين العراقي والسعودي درب زبيدة فيما اكتسب المكان او الضريح اسم زمردة خاتون وهو اللفظ العثماني الذي كان يطلق على المكان خلال حقبة القرنين السابع عشر والثامن عشر حيث كانت بغداد من اهم حواضر العثمانيين، وشهد المكان بعصرهم اهتماما كبيرا. 
ويقع الضريح في الجانب الأيمن من مدينة الكرخ غربي بغداد القديمة المطلة على نهر دجلة وتحيط به قبور لعلماء من العصر العباسي وما بعده، ورمم وطور بناء الضريح عدة مرات من بينها وفقا لما دون في إحدى زواياه بالعام 288 و599 للهجرة فيما كتب على باب الضريح عبارة: "الوزير غياث الدين رشيد الدين قد جدد عمارة الضريح المبارك في سنة(735ه ـ1334م) وهو ما جعل الباحثين يستنتجون أن المكان تم ترميمه أكثر من 20 مرة منذ العباسيين ولغاية العام 2000 من قبل الرئيس السابق صدام حسين.
ويتألف الضريح من قبة شاهقة تقوم على ثمانية اضلاع على الطراز السلجوقي في العمارة ظاهرها على هيئة ثمر الصنوبر وباطنها تحفة فنية لم تسلم من الحرب الدائرة في العراق اليوم حيث تعرضت للتخريب والقصف في بعض الأحيان مقام الست زبيدة عبارة عن قاعة مركزية مثمنة الاضلاع ذات قطر يبلغ 7,5 أمتار ويبلغ طول الضلع المثمن من الخارج 5,5 امتار، ومن الداخل 3 أمتار اي ان سمك جدار القاعة يبلغ حوالي 2,5 متر، ويدخل الى القاعة من مدخل وحيد عرضه 1,8 متر يقع في منتصف الضلع الشمالي الشرقي وثمة درج يقود الى سطح البناء على يسار الداخل الى الضريح ويبلغ ارتفاع قاعة الضريح المثمنة 4,8 أمتار هذه القاعة تسند قبة مخروطية ذات مقرنصات يبلغ ارتفاعها حوالي 9,5 أمتار وبالتالي فإن الارتفاع الإجمالي لمبنى مقام زمرد خاتون يبلغ 14,3 مترا. استخدم الآجر كمادة انشائية اساسية في القوام الانشائي، سواء للقاعة المثمنة السفلية، ام للقبة المخروطية في الأعلى، واذ كسيت جدران القاعة بالجص من الداخل فقد تركت الجدران الخارجية من الطلاء ذات زخارف، غلبت عليها الاشكال الهندسية، وثمة طاقتان غير نافذتين في سطح كل جهة من اوجه القاعة المثمنة تنتهي بأعلاها نجمة ذات ستة عشر رأسا ومقرنصات إسلامية. 

وكانت النسوة في بغداد يعتبرن المقام أو الضريح مكاناً مباركاً يفدن إليه من كل مكان للتبرك والدعاء وكثير منهن يفدن لطلب الذكور إذا كن حوامل فيما نسجت حوله القصص التراثية والفلكلورية وحوله أقيمت حلقات الذكر.
 
المكان بصورة عامة ذو طبيعة صوفية حيث تجد عبارات كبار متصوفة بغداد تحيط بالمكان بينما تغطي مداخل وجدران الضريح عبارات اختص بها المتصوفة دون غيرهم من المذاهب الإسلامية.

وعن السيدة زبيدة قال ابن بردي في كتابه تاريخ بغداد "هي أعظم نساء عصرها ديناً وأصلاً وجمالاً وصيانة ومعروفا لقد كانت زبيدة سيدة جليلة سخية لها فضل في الحضارة والعمران والعطف على الأدباء والأطباء والشعراء.

وقد كان لها الدور الكبير في تطور الأزياء النسائية في العصر العباسي. فقد كانت النساء من مختلف الطبقات ينتظرن ظهورها على أحر من الجمر ويسعين إلى تقليدها فيما ترتديه من ثياب. وقد عرف عنها أنها استوردت من الهند والصين أفخر أنواع الحرير الطبيعي الموشى بالذهب والفضة والحجارة الكريمة. وكانت كثيراً ما تختار ألواناً باهرة لم يسبق لأحد من النساء أن ارتدتها من قبل.

اصبح ضريح زبيدة بعد الغزو الاميركي في العام ٢٠٠٣ مكانا مهجورا، وعلى ما يبدو فإن المكان يفتخر بأنه عاصر كل غزوات الغرب والشرق على بغداد دون أن يتمكنوا من تنحيته حيث بدأ من غزو التتار وانتهاء بغزو الاميركيين.