رمضان الدنمارك: صيام طويل ومجتمع متفهّم
ناصر السهلي ــ كوبنهاغن

ليس رمضان في الدنمارك سهلاً على الإطلاق، إذ تصل ساعات الصوم إلى 21 ساعة متواصلة. لكن ليس هذا فحسب، فهم يفتقدون أيضاً الطقوس الرمضانية في بلادهم.

تقول أم محمد السورية، إن "تحضيرات ما قبل رمضان لا تختلف عن سورية". اشترت المواد الغذائية الخاصة بهذا الشهر "لإعداد الكثير من الأكلات. فهي تحرص على أن تكون وجبة الإفطار شهية". وتضيف أنها "ألفت الصوم في هذا البلد، رغم أنه متعب للغاية".

أما إبراهيم اليوسف، وهو سوري أيضاً، فيتمنى أن "تصدر فتوى من العلماء في السعودية لتقليل ساعات الصيام في الدول الإسكندنافية".

وفي السياق، يشرح أستاذ الفقه في مدرسة "السعادة العربية"، الشيخ أبو بلال، إنه "ليس هناك عسر في الدين. ولا يحتاج الأمر إلى نقاش كبير. فمن صام ووجد نفسه مرهقاً، وأدى الأمر إلى أذية لنفسه، فليفطر ويقضي صيامه في يوم آخر. فالله أجاز للإنسان ألا يضر ذاته التي خلقها".  


حنين

يحنُّ الكثير من العرب إلى رمضان في بلادهم، وخصوصاً تناول الإفطار مع الأقارب والأصدقاء. وقد زاد من صعوبة الأمر بالنسبة إليهم الظروف السيئة التي يمر بها العالم العربي، وخصوصاً في سورية. يقول إسماعيل شنطة، وهو من حلب: "هناك فرق كبير بين رمضان في سورية والدنمارك. وأكثر ما يفتقده الألفة بين الناس إضافة إلى حركة الشارع بعد الإفطار".

أما الصومالي عبد الرشيد محمد شروة، فيقول بحسرة: "لم أعش رمضان في الصومال منذ نحو 20 عاماً. أفتقد اللقاءات في المنازل والمقاهي بعد صلاة التراويح. ففي الدنمارك، تقفل المحال التجارية أبوابها باكراً. كما أن الناس بعيدة عن بعضها". 

من جهته، يشير محمد حميد، وهو صاحب مطعم عربي، إلى "أننا نسعى منذ 16 عاماً إلى التخفيف من حدة غربة العرب والمسلمين، وخصوصاً في شهر رمضان، من خلال خلق جو رمضاني وعائلي لا يختلف كثيراً عن أجواء الخيم وسهراتها في بلادنا. حتى إننا نحاول أحياناً نقل الجو الدمشقي إلى الجالية العربية". ويلفت إلى أن "بعض الدنماركيين يحضرون إلى المطعم للتعرف أكثر إلى ثقافتنا".

مجتمع "متفهّم"

يرى يونس الياس، الذي يعمل في المركز الإسلامي في كوبنهاجن، أن "المجتمع الدنماركي بات أكثر تفهماً لحاجات المسلمين. حتى أن بعض أرباب العمل يبدون تسامحاً مع الموظفين المسلمين لناحية تقليل ساعات العمل على أن يتم تعويض هذا النقص بعد رمضان"، فيما يختار موظفون آخرون طلب الحصول على إجازاتهم السنوية في هذا الشهر، الأمر الذي يلقى تجاوباً من قبل عدد لا بأس به المؤسسات.

ويلفت الياس إلى أن "افتتاح مسجد كوبنهاجن سيشكل فرصة للقاء المسلمين الدنماركيين بالعرب، وخصوصاً أن الصلوات الجماعية غالباً ما كانت تتم في أندية".

وفي السياق، يرى الباحث في "لقاء الأديان والثقافات"، موينز موينزن، أنه "على أصحاب العمل الأخذ في الاعتبار حاجات المسلمين في رمضان، وخصوصاً لناحية دوام العمل". لكن المشكلة برأيه تكمن في "تسييس بعضهم لهذه المسألة". يشاركه الرأي الباحث في الشؤون الإسلامية توماس هوفمان، الذي يشير إلى أنه "على القطاعات الحكومية العامة مراعاة الحاجات الدينية للمجموعات التي تكون المجتمع الدنماركي، علماً أن المجتمع لم يعتد بعد على التقاليد والعادات الوافدة إليه".

ولتحقيق التقارب بين العرب والدنماركيين، يسعى الإمام عبد الواحد بيدرسن، الذي أعلن إسلامه منذ أكثر من 30 عاماً، إلى نشر معاني الصوم في هذا البلد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "المركز الإسلامي يوزع المواد الغذائية للمحتاجين بشكل عام".