Skip to main content
خالد مشعل والبعد الثالث
عماد عفانة (فلسطين)
في محاولة منه، لإعادة إحياء البعد الثالث للقضية الفلسطينية، تساءل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، وأجاب على نفسه لتصل الإجابة إلى أقطاب الأرض الأربعة، مؤكداً أنّ لدى الحركة خطة تكتيكية واستراتيجية لتحرير فلسطين! داعياً في الوقت عينه في كلمة له في المؤتمر العاشر لروّاد بيت المقدس وفلسطين في إسطنبول قبل أيام، الأمة العربية والإسلامية لوضع خطة عربية وإسلامية لتجميع العقول في شتى المجالات، وعلى كل  المستويات لوضع خطة من أجل التحرير.
المؤتمر الذي يُعقد في دورته العاشرة، وحمل اسم رواد بيت المقدس وفلسطين، خطوة على طريق إعادة إحياء البعد الثالث للقضية الفلسطينية التي قزّمتها الأنظمة العربية المستبدة، عندما عزلتها عن بعدها الإسلامي، وحشرتها في أقبية جامعة الدول العربية، والتي هي أساساً صنيعة المستعمر الإنكليزي الذي صنع أيضا ما تسمّى إسرائيل، ثم عزلت بدورها القضية الفلسطينية عن بعدها العربي، عندما اخترعت منظمة التحرير، وخلعت عليه رداء الممثل الشرعي والوحيد، فعزلتها وقزمتها وتركتها في مواجهة القوى الاستعمارية وقاعدته المتقدمة، إسرائيل، إذ ليس من محض المصادفة أن يُعقد المؤتمر في إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية التي ضاعت فلسطين عندما كانت في عهدتها.
قوى الاستعمار القديم الذي حرص على تفتيت الأمة العربية عبر تقسميها ووضع الحدود بين أنظمتها على اعتبارات إثنية ومذهبية وطائفية متداخلة وملتبسة بهدف إدامة النزاع والصراع فيما بينها، هو ذاته الاستعمار الذي أوجد إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة في فلسطين، لإدامة هذا التفتيت، وتعميق هذا الصراع فيما بينها، فيما يتفرّغ هو لتصفية القضية وتذويبها في مستنقع القضايا الإنسانية والاحتياجات الحياتية، بعيداً عن أي بعد وطني أو قومي.
ومع تنامي الصحوة التي باتت تجتاح عالمنا العربي والإسلامي، بفعل التطور التقني والإعلامي، استيقظت أجيالنا الصاعدة على هذا الواقع الذي بات يقع على عاتق النخب العربية فيه، إعادة صياغة معادلات التوازن لجهة الجمع بين الاحتياج المحلي القُطري وواجب الأمة تجاه القضية الفلسطينية، كأحد أهم شروط تحقيق الوحدة والنهضة على الصعيدين، القُطري والكياني للأمة العربية.
وعلى طريق دعم القضية الفلسطينية وإسنادها، وكخطوات تكتيكية لا تغني ألبتة عن الخطط الاستراتيجية للتحرير، طالب مشعل بضرورة استعادة مشاريع كسر الحصار عن قطاع غزة ودعم المقاومة من دون خجل، ومواجهة التطبيع وتشكيل معارضة لأيّة سياسات رسمية تزيد منه، وأنّ يكون الشعب الفلسطيني هو الضمانة لإفشال صفقة القرن.
لم يتوقع أحد حتى إسرائيل أن يسطّر الشعب الفلسطيني كلّ هذا الصمود في مواجهتها على الرغم من الحرب المستعرة والضغوط التي فاقت في ثقلها الجبال، ما تركها في حيرة من عدم استسلامه، على الرغم من شلال الدم النازف، وحملة التجويع التي تشنّها على غزة التي تفوّقت على نفسها، وأبدعت مسيرات العودة، لتكون بوابة أمل ومحرّك قوة لشعوب الأمتين، العربية والإسلامية، ليس لكسر الحصار عنها فقط، بل لإعداد العدة للتحرير أيضا، فهذا الكيان الذي يترنح أمام غزة المحاصرة والمجوّعة يمكن هزيمته وسحقه إذا توّحدت الجهود وتوّفرت الإرادة.
ومن هنا، وتثنية على دعوة مشعل، أنصح الفلسطينيين، وفي مقدمتهم حركة حماس، بما بات لهم من خبرة واسعة في التنظير والتخطيط والتأطير، بالاستفادة من تجارب الماضي، لجهة أخذ زمام المبادرة، ليس عبر دعوة نخب الأمة وروادها إلى إعادة صياغة الأولويات وترتيبها لجهة الموازنة بين الهموم الداخلية والقطرية وبين هم الأمة تجاه القضية الفلسطينية، بل عبر جمع روّاد الأمة وصفوتها المخلصة في شتى أصقاع الأرض في صعيد واحد، ليس عبر تظاهرة خطابية تحت عدسات الإعلام، بل عبر مؤتمر حقيقي جامع بعيداً عن الأضواء على أن يستمر أياماً أو أسابيع، لا يهم، ثم الخروج، ليس بتوصيات بل بقرارات وإجراءات وخطط عملياتية لتوزيع جهد التحرير على الجميع، ففلسطين التي احتلت عبر خطط ماكرة لعشرات السنوات، اشترك في تنفيذها إمبراطوريات، لن تتحرر بجهد من تنظيم هنا أو حركة هناك مهما بلغت قوتها، بل عبر توحيد جهود المخلصين والصفوة والرواد في هذه الأمة لأخذ زمام المبادرة، فهذا وقت العمل، ولم يعد في القوس منزع للانتظار.