Skip to main content
جولة تظاهرات جديدة للحراك الجزائري: ضدّ الانتخابات وهيمنة الجيش
عثمان لحياني ــ الجزائر
ما زال الحراك الشعبي في الجزائر مصرًّا على استمرار المظاهرات، برغم إطلاق السلطة والجيش للمسار الانتخابي، وإقرار تنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ووجود أكثر من مؤشر على توجه تدريجي واضح للسلطة لمنع المظاهرات بغرض إفساح المجال للحملة الانتخابية.

وجدد الآلاف من المتظاهرين الموعد مع الشارع، في مظاهرات الجمعة الـ33 منذ بدء الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي. وقبيل صلاة الجمعة تجمع المئات من المتظاهرين في ساحة أودان وشارع ديدوش مراد، رافعين شعارات تندد بالمسار الانتخابي، وتهاجم مواقف قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وحالة الإغلاق التي تفرضها السلطة على وسائل الإعلام العمومية والمستقلة، والتضييق على مداخل العاصمة، وكذا استمرار حملة الاعتقالات ضد الناشطين.

والتحق الآلاف من المتظاهرين بالشارع للتظاهر عقب الانتهاء من صلاة الجمعة، ورددوا هتافات من قبيل "باي يا قايد صالح، هذا العام ماكانش الفوط (إلى اللقاء قايد صالح، هذه السنة لن تكون هناك انتخابات)"، ردا على تصريحات متتالية أدلى بها قائد الجيش حول إجراء الانتخابات في موعدها، وتهديده بتسليط عقوبات ضد كل الأفراد والمجموعات التي تعترض سبيل إجراء الاقتراع.

ورفض المتظاهرون تدخل الجيش في الشأن السياسي وإجباره الجزائريين ومجموع القوى السياسية على الذهاب إلى انتخابات متعثرة، ورفعوا شعارات "دولة مدنية وليست عسكرية"، و"الجنرالات في الثكنات".
وشدد المتظاهرون، في ثالث جمعة منذ إقرار تاريخ الانتخابات الرئاسية، على استبعاد رموز نظام بوتفليقة من الواجهة، وتحديدا رئيس الحكومة نور الدين بدوي ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح، قبل الذهاب إلى الاقتراع، وهتفوا مطولا "لا انتخابات مع العصابات". وقال الناشط البارز في الحراك الشعبي حسين بزينة إن الحراك مصر على موقفه، مضيفا: "لا يمكن أن نقبل بإجراء الانتخابات تحت وصاية رموز بوتفليقة، حتى ولو كانت هناك هيئة مستقلة. ليست لدينا ثقة في هذه الهيئة وفي إمكانية إنجازها لانتخابات نزيهة. بقاء رئيس الحكومة بدوي يمثل استفزازا حقيقيا للحراكيين وللشعب"، مشيرا إلى أن "تمسك الجيش بهذه الحكومة هو أكثر ما يثير الشكوك في النوايا الحقيقية للسلطة".


وقال الناشط يحياوي صديق إن "مظاهرات اليوم هي الثالثة من حيث الحجم، منذ مظاهرات مارس/آذار وإبريل/نيسان الماضيين، وتظهر عودة كبيرة لزخم شعبي لافت، وهو ما يؤشر إلى تحفز لافت للحراك الشعبي ضد عودة عدد من رموز ووزراء بوتفليقة إلى المشهد السياسي عبر الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد إعلان رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون ووزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي ترشحهما للرئاسة، وهو ما يصفه المتظاهرون بالاستفزاز السياسي ومؤشر غير طيب على نوايا السلطة".

وحضرت في مظاهرات اليوم، الجمعة، صور الناشطين الموقوفين، إذ شاركت عائلاتهم وأطفالهم رافعين صورهم وشعارات تطالب بالإفراج عنهم. ورفعت ابنة أحد النشطاء صورة والدها وقد كتبت عليها: "أبي ليس بمجرم، أطلقوا سراح أبي". كما رفعت صور كريم طابو وسمير بلعربي وفوضي بومالة ولخضر بورقعة وآخرين ممن تم توقيفهم من قبل السلطات بسبب مشاركتهم في الحراك الشعبي، وحثهم في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي على استمرار المظاهرات الشعبية ورفض الانتخابات.

إحدى اللافتات المرفوعة اليوم (العربي الجديد) 


وردا على منع السلطات ووسائل الإعلام، وخاصة القنوات التلفزيونية العمومية والمستقلة والأجنبية من تغطية مظاهرات الحراك الشعبي، هتف المتظاهرون بشعار "المغاربية قناة الشعب"، في إشارة إلى قناة جزائرية تبث من فرنسا ولندن، وتتبنى بالكامل مطالب الحراك الشعبي وتبث المظاهرات مباشرة، بالتعاون مع ناشطين يقومون بالتصوير لصالحها عبر الهاتف.

وتلاحق مصالح الأمن الجزائرية كاميرات القنوات التلفزيونية، وتوقف الصحافيين والمصورين وتقتادهم إلى مراكز الأمن، حيت يتم إبقاؤهم حتى وقت متاخر، لضمان عدم بث أي شي مما تم تصويره، قبل أن يتم الإفراج عنهم دون أي توضيحات تقدم لهم، مثل منع فريق "التلفزيون العربي" من التغطية والعمل في الجزائر، إضافة إلى توقيف مراسلي عدد من القنوات وإغلاق مكتب خدمات بث كان يضمن البث المباشر لصالح عدد من القنوات، بينها "فرانس 24".
ونشرت السلطات الجزائرية أعدادا كبيرة من قوات الأمن ومركبات الشرطة في شوارع العاصمة، عدد منهم بالزي المدني لمراقبة المظاهرات، وقامت، صباح اليوم، باعتقال عدد من الناشطين، حيث أكد المتحدث باسم جبهة القوى الاشتراكية رشيد شايبي، لـ"العربي الجديد"، أن الشرطة أوقفت عددا من مناضلي الجبهة، بينهم نائبان في البرلمان هما جمال بالول وناصر عبدون، وتم نقلهم إلى مركز للشرطة، دون أي مبرر.

ولم يغب عن السلطة، اليوم أيضا، خنق مداخل العاصمة الجزائرية والتضييق على حركة المرور عبر نشر حواجز أمنية في المدخلين الجنوبي، والشرقي خاصة، لمنع وصول مزيد من المتظاهرين القادمين من ولايات منطقة القبائل. وقال برهوم محمد، لـ"العربي الجديد"، إنه كان قادما من ولاية برج بوعريريج، شرقي الجزائر، وأمضى أكثر من ساعتين على الحاجز الأمني للدرك في مدخل العاصمة، بسبب عمليات تفتيش عشوائية، خاصة للسيارات التي تحمل ترقيم ولايات منطقة القبائل، تيزي وزو وبجاية، مشيرا إلى أن "حالة من القلق باتت تنتاب الجزائريين القادمين إلى العاصمة كل يوم جمعة بسبب السلوك البوليسي للسلطة".

ودفعت التخوفات من وصول متظاهرين من خارج العاصمة السلطات الجزائرية إلى إلغاء مقابلتين في الدوري المحلي، كان مقررا أن يلعبهما ناديا شبيبة القبائل ووفاق سطيف ضد ناديين من العاصمة، اليوم الجمعة وغدا السبت، وقررت السلطات تأجيلهما حتى يوم الأحد القادم بطلب من الأجهزة الأمنية.

وفي مدينة بجاية، خرج الآلاف إلى وسط المدينة في مسيرة حاشدة رفعت فيها الإعلام والرايات الوطنية والأمازيغية، وصور الناشطين الموقوفين في السجون، الذين طالب المتظاهرون بالإفراج الفوري عنهم، كما توعدوا السلطات بمنع إجراء الانتخابات في بلديات الولاية التي تعد ثاني أكبر ولاية في منطقة القبائل ذات الغالبية الأمازيغية. وتزامنت المسيرة في مدينة بجاية مع مسيرة مماثلة للمتظاهرين وسط مدينة تيزي وزو، رفضا للانتخابات الرئاسية المقبلة، ومناوءَةً لقائد الجيش الفريق قايد صالح، بسبب مواقف الأخير ضد مطالب الحراك والناشطين، كما رفعت شعارات تدعو إلى بدء إضراب عام في الولاية.