Skip to main content
جزائريو فرنسا يواصلون التظاهر: قلقٌ من المرحلة الانتقالية ونوايا العسكر
محمد المزديوي ــ باريس
يدعم جزائريو فرنسا حراك الداخل (العربي الجديد)
بالرغم من إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقالته، وانسحابه من المشهد السياسي في بلاده، يواصل الجزائريون في فرنسا تظاهراتهم، دعماً لحراك الداخل، ولذلك جاء كثيرون منهم، اليوم الأحد، إلى لقاء جديد في ساحة الجمهورية في العاصمة الفرنسية باريس، رافعين هذه المرة سقف مطالبهم.

"كنا نتصور أن إزاحة الثعلب بوتفليقة ستكون صعبة، ولكن ظهر أنها لم تكن كذلك. رغم ذلك، يبقى الآتي هو الأصعب". هكذا يقول مُسّنٌ جزائري، لم يتوقع يوماً أن يرى بوتفليقة يتنازل عن الحكم، بالرغم من كُرسيّه المتحرك، وهو ما يخطر إلى الذهن والصورة الحاضرة لدى الحديث عن الرئيس الجزائري.

نساء ورجال، أطفال، شباب، وكبارٌ في السن، أصروا اليوم على الحضور إلى الساحة الباريسية، لأنه "لا شيء حُسم بعدُ في الجزائر، فأنصار بوتفليقة ورجاله لا يزالون في مواقع المسؤولية، ما يتناقض مع هدف الاحتجاجات، ألا وهو رحيل المسؤولين عن وضع الجزائر في هذه الحالة الصعبة"، بحسب أحد المتظاهرين. والحقيقة أنه لا يمكن رصد آراء جميع المتظاهرين، ففي كل ركنٍ، متحدّثٌ تتجمع حوله جماعةٌ من المتظاهرين. وقد كان حضور القبائليين، اليوم، أكبر من المرات السابقة، بأعلامهم وأناشيدهم.

لكن غالبية المتظاهرين كانوا متوشحين بالأعلام الوطنية من جميع الأحجام، أو يلوحون بها. وصدح النشيد الوطني الجزائري، من حين إلى آخر، ليبدو وكأنه الضامن لإيقاع الحضور، وكأنه "الوحيد، تقريباً، إلى جانب العَلَم، الذي يوحّدنا"، بحسب رأي سيدة جزائرية تحفظ كلمات نشيد وطنها عن ظهر قلب، وتنشده بكل صدق.

وليس سّراً أن القلق والترقب حلّا اليوم في التظاهرة مكان الفرحة برحيل بوتفليقة، وليس سرّاً، كذلك، أن كثيرين من جزائريي فرنسا يخشون التدخل الأجنبي، المتمثل بحسب بعضهم، في "السعودية والإمارات المتحدة وفرنسا". كما أن كثيرين أيضاً، يخشون أن يستفرد أحمد قايد صالح، قائد الجيش الجزائري، بالسلطة، وثمة من يرى في الأخير "فرداً من العصابة التي يجب أن ترحل"، و"بلقايد، الجزائر ليست طبقاً تمنَحه لنفسك".

"لا أحد يعرف ما الذي يدور في خلد هذا الجنرال، الذي كان من أوفياء الرئيس بوتفليقة إلى وقت قريب. ثم إنه يَدين بمنصبه إلى بوتفليقة، وكذلك ببقائه فيه"، يقول متحدث من المتظاهرين شارحاً لجماعة تحلقت حوله، وإن الرهان على العسكر خطيرٌ، مشيراً إلى تجربتي الجنرالَيْن، المصري عبد الفتاح السيسي والليبي خليفة حفتر.

ويبدو القلق من التدخلات الأجنبية، ومن مخططات قايد صالح، واضحاً في لافتات كبيرة ومتوسطة الحجم حملها متظاهرون تجولوا في الساحة، ومكتوب على بعضها: "لا صالح لا بنصالح/ النظام طايح طايح"، و"رانا نقولو تنحو كاع"، و"الاستقالة أمامكم والشعب وراءكم"، و"بلقايد أنت تاني تابع للعصابة" و"لا نريد بن صالح يا سي القايد" و"عاش من يعرف قدره".

وتعيش الجزائر اليوم في مرحلة انتقالية بعد انسحاب بوتفليقة، ويرى متظاهرو ساحة الجمهورية بباريس أن هذه المرحلة "يقودها الذين يختارهم الشعب". لكنها كذلك مرحلة تطرح كثيراً من المخاوف والتساؤلات، "فقد تطول كثيراً" كما يتخوف كثير من المتظاهرين.

وفي هذا الإطار، يقول أحمد، وهو أستاذ في مادة التاريخ بالضاحية الباريسية، إنه حينها "قد يُصاب الشعب بالتعب والوهن"، وهو تخوف يسري على الجميع، إذ إنه "في هذه الحالة، قد يستغلها أنصار الثورة المضادة، من أنصار النظام القديم، فيعود الأمر إلى ما كان عليه أو أسوأ، لأنهم قد ينتقمون"، كما يلخص المتكلم الجزائري.



من سيكون المستفيد من هذا الحراك؟ سؤال مطروح كذلك في التظاهرة الباريسية، إذ إن المتظاهرين في الداخل الجزائري غير منظَّمين، ولهذا "يُخشى أن يعود السياسيون المحترفون لقطف ثمار الثورة الثانية"، كما تتخوف ياسمينة، الطالبة الجزائرية في علم الآثار. 

ويلخص المسن الجزائري رشيد، وهو مهندسٌ متقاعد، الوضع في البلاد بأن "أنصار بوتفليقة من السياسيين خائفون، لكن الجيش يظل العقبَة، وإلى الآن يتحدث الجنرال قايد صالح بلغة ملتبسة، ولا أحد يعرف إلى أي درجة هو مستعد فيها لمحاسبة كل من خرَّب البلاد ونهبها، ولا إن كان سيتسع صدره لقبول نتائج انتخابات ديمقراطية حقيقية".

يؤكد الجميع الآن أن "مرحلة ما بعد بوتفليقة تبدو أصعب، لأنّه لا شيء يضمن حياد الجيش في الاستحقاقات المقبلة". هكذا يلخص أحد المتدخلين الوضع، متهماً قايد صالح بالتستر على نوايا غير ديمقراطية.