Skip to main content
جريمة المنشار في القنصلية
عامر السامرائي (العراق)
دول مارقة كثيرة، أو مَن هُم في موقع اتخاذ القرار، استغلوا، وما زالوا يستغلون ميثاق فيينا عام 1961 الذي منح الحصانة للدبلوماسيين العاملين في السفارات والقنصليات، ليتجسّسوا من خلال هذه المواقع على الدول المضيفة، فضلا عن تهريب كل ما هو نفيس، مستغلين حصانة دبلوماسييها، وغير ذلك من تجاوزات مختلفة. لكن أن تستغل هذه المواقع الدبلوماسية لارتكاب جرائم جنائية ضد مواطنين أو أصحاب رأي، بدل تقديم الخدمات اللازمة لرعاياها، فهذا يعني أنّ هناك تهوراً واستهتاراً بكل المقاييس للأعراف الدولية وبأرواح الناس، ومثل هذه الجرائم يمكن تغليفها بغطاء مناسب، وغالبا ما يسدل الستار على مثل هذا النوع من الجرائم بتقديم كبش فداء.
وهنا نتحدث عن جريمة القنصلية أو ما بات يعرف بجريمة المنشار التي راح ضحيتها الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، رحمه الله، في قنصلية بلاده في اسطنبول. كل التسريبات والمعطيات لهذه الجريمة الشنيعة وحيثياتها، تشير بما لا يقبل الشك إلى أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، استغل هذا الموقع لتنفيذ جريمته، عن سابق إصرار وترصد، بدءاً من رفض سفارة بلاده في واشنطن تزويد المغدور بوثيقة لإكمال معاملة زواجه وتحويله إلى القنصلية في إسطنبول، مروراً بتحديد الأخيرة موعدا محدّدا بغية استدراجه للتحضير للجريمة، إلى عدم إثباتها (القنصلية) خروج خاشقجي منها، ووجود فريق أمني من 15 رجلا، بينهم طبيب شرعي بالتزامن مع وجود المغدور في قنصلية بلاده، وعدم السماح بتفتيش القنصلية واستمرار المماطلة، والحديث عن أن الكاميرات معطلة، ومنح الموظفين الأتراك إجازة يوم وقوع الجريمة، وهروب القنصل السعودي، محمد العتيبي، من اسطنبول قبل تفتيش منزله والتحقيق معه، إلى التصريحات الرسمية المتضاربة، حتى جاء الاعتراف بالجريمة تدريجياً من الإنكار الجازم إلى الصمت إلى الاعتراف بوقوعها، زاعمين أن سبب الوفاة "شجار بالأيدي".
رواية سمجة كاذبة لا يصدقها عاقل، ومقزّزة إلى درجة أنها لا تشبه إلا منفذيها، رواية لم يصدقها إلا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حليف السعودية ومحب دولاراتها المليارية. ولم تمض ساعات، حتى تبدلت الرواية بأخرى لا تقل سماجة، في مسعى إلى تبرئة ولي العهد من الجريمة، حتى إن ترمب نفسه بات يشكك برواياتهم قائلا: "كان هناك خداع وأكاذيب".
وسبقت ذلك كله حملة تضليل وتدليس قادها الإعلام السعودي وبعض المطبلين له من الأبواق الرخيصة في تناول الموضوع، من خلال توجيه التهم تارة لدولة قطر وتارة أخرى لطرف ثالث بإخفاء جمال خاشقجي، حتى إن من بينهم من اتهم المخابرات التركية باختطافه لزعزعة "مكانة" السعودية.. أساليب رخيصة هوجاء لا تقل بشاعة عن الجريمة نفسها، أسقطت عنهم المصداقية وقبل ذلك نزعت عنهم روح الإنسانية.
أمام هول جريمة القنصلية التي تأنفها حتى الحيوانات، يثبت أنّ من يحكم السعودية ليس نظاماً، بل عصابة وقطاع طرق، لديهم من المال ما يكفي لتنفيذ جرائم قذرة ولفلفتها بالطريقة الغبية التي تمّ عرضها.