Skip to main content
بيغديمونت من بروكسل إلى كوبنهاغن... ومدريد تهدد بانتخابات جديدة
ناصر السهلي
أكدت مدريد أن بيغديمونت لن يكون زعيماً(جون ثيس/فرانس برس)
تستقبل كلية العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة كوبنهاغن غداً الإثنين، زعيم الانفصاليين في إقليم كتالونيا الإسباني، كارليس بيغديمونت. وهي المرة الأولى، منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي يغادر فيها "عدو إسبانيا الأول"، حسب وصف الإعلام الدنماركي، منفاه الاختياري في بروكسل.

وسيشارك بيغديمونت في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن بنقاش سياسي حول "الوضع في كتالونيا وتحديات الحكومة الإسبانية"، بعد أن توجه الإقليم الإسباني، بزعامة الرجل، نحو الدعوة أكثر إلى الاستقلال، إثر الاستفتاء الذي أجري مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واختيار زعيم المعارضة الكتالونية لكوبنهاغن كأول محطة أوروبية يصلها من منفاه البلجيكي هو "اختيار لتصور بأن الدنمارك ببساطة بلد ينشط في سبيل استقلال الشعوب"، وفقاً لما تقوله الخبيرة في الشأن الأوروبي، آنا غورسلوي، للقناة الدنماركية الأولى.

وبالنسبة إلى الباحث ورئيس كلية العلوم السياسية والاجتماعية، مايكل فيدبي راسموسن، فإن "دعوة بيغديمونت تتم لأنه شخصية مثيرة، ونود أن نستمع منه لما لديه من تصورات". ورأى راسموسن أيضاً أنه تتم دراسة زيارة زعيم الانفصاليين إلى كوبنهاغن "بشكل دقيق لنعرف الطريقة المثلى لاستقباله"، إذ يوجد معارضون للاستقلال أيضاً، سواء من المقيمين الإسبان أو الأحزاب الدنماركية، أو حتى عدم رضا مدريد عن الزيارة. لكن الجامعة تأمل أيضاً "بنقاش وحوار بعيداً عن الأحكام والمواقف المسبقة، فلا نية لدينا لاختلاق مشاكل بسبب الزيارة المثيرة للجدل"، بحسب وصف فيدبي راسموسن.

وينقل مقربون من أوساط زعيم الانفصاليين الكتالونيين في بروكسل، وفقاً لما يعرضه التلفزيون الدنماركي، أن كارليس بيغديمونت "لديه تصوراته باعتبار الدنمارك مجتمعاً مثالياً، فيما يتعلق بقضايا تقرير المصير وسير السياسة فيها، فهي دولة صغيرة، حسنة الإدارة وليس فيها فساد، ويوجد عقد جيد نسبياً بين الدولة ومواطنيها". وحاولت "العربي الجديد" في كوبنهاغن، من خلال التواصل مع نواب يساريين في البرلمان، معرفة ما إذا كان زعيم الانفصاليين سيستقبل رسمياً، على الأقل من قبل أحزابهم. الجواب كان غائماً، إذ "ربما نعم وربما لا. هذا يعتمد على أجواء الزيارة ومدتها". ولا يخفى أن مسألة الانفصال سببت جدلاً حتى بين التيارات السياسية في الدنمارك. فبالنسبة لليمين واليمين القومي، فإن "أي اعتراف أو دفاع عن حق كتالونيا بالانفصال سيعني أن غرينلاند (الجزيرة الكبرى في القطب الشمالي التي تتمتع بحكم ذاتي وتتبع الدنمارك) يمكن أن تندفع في هذا الاتجاه، بل الأمر يمكن أن يتسع إلى دول أوروبية أخرى، في الوقت الذي يعاني فيه الاتحاد الأوروبي من تحديات جمة"، بحسب ما قال لـ"العربي الجديد" مصدر برلماني من لجنة الأمن والعلاقات الخارجية، مفضلاً عدم ذكر اسمه.


وما تزال حكومة يمين الوسط، التي ستترأس الأسبوع المقبل الدورة المقبلة للمجلس الأوروبي بحسب معلومات خاصة بـ"العربي الجديد"، تتواصل مع مدريد لتبرير "عدم قدرتها على التأثير لمنع كارليس بيغديمونت من القدوم، باعتبارها دعوة أكاديمية". وقال برلماني يساري إن الحرج الذي تشعر به كوبنهاغن أمام مدريد "لا مبرر له، فالرجل يقيم أصلاً في عاصمة الاتحاد الأوروبي (بروكسل) وهو طالب بدعمه للعودة إلى برشلونة، من دون استجابة من مدريد". ووفقاً لما يرشح فإن "بيغديمونت يحاول أيضاً إيجاد وساطة ما، ربما في كوبنهاغن وغيرها في اسكندنافيا، لكي يستطيع الوصول إلى حل وسط في مسألة عودته" إلى إقليم كتالونيا.
وكان الزعيم الانفصالي تعرض لنكسة كبيرة، إثر قيام الأمن الإسباني بملاحقة فريقه العامل، ما أدى إلى هروبه مع أربعة وزراء، بعد أيام من صدور نتائج استفتاء الانفصال. وقد أصدرت مدريد مذكرة اعتقال دولية بحقه، ثم ما لبثت بعد شهرين، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن سحبتها، في حين تبقى الملاحقة القانونية مسلطة على رأس الرجل، وهو غير قادر على العودة خشية الزج به مع مساعديه في السجن بتهم كثيرة أقلها "التمرد".

تهديد بانتخابات جديدة

يشار في السياق إلى أن الحكومة المركزية في مدريد حلت الحكومة المحلية في برشلونة، ودعت إلى انتخابات مبكرة، بعد أن أيد البرلمان  السابق دعوة الاستقلال عن إسبانيا. وقاد كارليس بيغديمونت حملته الانتخابية في ديسمبر/كانون الأول الماضي من بروكسل. ودعا، بعد أن حقق الانفصاليون تقدماً في برلمان كتالونيا، إلى المطالبة بحكم الإقليم من المنفى. ومن ناحيته هدد رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، بأن "مثل هذه الخطوة (قيادة الإقليم بحكومة منفى) سيدفع مدريد إلى الإبقاء على حكمها بشكل مباشر ومركزي". وكانت مدريد أكدت بحزم، أول من أمس، أن "بيغديمونت لن يكون زعيماً مرة أخرى". وتشعر مدريد بمرارة في علاقتها بهذا السياسي الانفصالي إلى حد اعتباره منتهياً بالنسبة لأية حكومة مستقبلية في الإقليم. وأكد وزير التعليم والرياضة والثقافة الإسباني أنريكو مانديز دي فيغو، في حديث مع وكالة "رويترز"، يوم الجمعة الماضي، أن "الحكم المباشر للإقليم سيستمر طالما كان هناك ضرورة لذلك". واعتبر دي فيغو أن زعيم الانفصاليين، كارليس بيغديمونت منتهٍ في قضايا الحكم المستقبلي في الإقليم، قائلاً "لن يكون رئيساً (للإقليم) مرة أخرى". وهو رد واضح على محاولة بيغديمونت انتخابه رئيساً للإقليم، وأن يحكمه من بروكسل، فيما تحكمه مدريد مركزياً. تحدٍ دفع دي فيغو إلى التأكيد على أن "المادة 155 في الدستور هي الوحيدة السارية في حكم كتالونيا اليوم، خصوصاً إذا ما ارتبط الأمر بتقويض مصالح البلد". وأكد أنه إذا استمرت الأمور في التأزم "وأصر القوميون على مواقفهم وسياستهم المخالفة للقوانين فإن خيار انتخابات جديدة في كتالونيا يظل قائماً".