بورتوريكو منكوبة ومهددة بالإفلاس
أحمد الأمين ــ واشنطن
منكوبان في بورتوريكو (ماريو تاما/ Getty)
تراجع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن تهديده باللجوء إلى خيار سحب السلطات الفدرالية من جزيرة بورتوريكو المنكوبة، أو على الأقلّ حاول امتصاص الانتقادات الحادة لما اعتُبر نزعة متعالية طبعت التغريدات والتصريحات التي أدلى بها مذ ضرب إعصار "ماريا" بورتوريكو.

بعد أقلّ من 24 ساعة على تصريح ترامب بأنّ قوات المارينز وهيئات الإغاثة الفدرالية التي تقوم حالياً بمهمّات رفع الأنقاض التي خلفها الإعصار وتقدّم المساعدة في إعادة تشغيل المرافق العامة، لن تبقى في بورتوريكو إلى الأبد"، تراجع الرئيس الأميركي قائلاً، إنّه سوف يبقى دوماً إلى جانب الشعب في بورتوريكو وإنّه يحبّ شعب بورتوريكو.

وألقى ترامب اللوم على السلطات المحلية في الجزيرة التي سبق وأعلنت قبل الإعصار إفلاس خزينة الولاية وتجاوز الدين العام البالغ 70 مليار دولار أميركي، وحمّلها مسؤولية استمرار انقطاع الكهرباء والمياه وغياب شبكة الاتصالات على الرغم من مرور أكثر من أسبوعَين على الإعصار. وقد أثارت تغريداته القلق والذعر في نفوس أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون بورتوريكي يحملون الجنسية الأميركية منذ عام 1917.

وطُرِحت علامات استفهام حول خلفيات توقيت حملة ترامب على السلطات المحلية في بوتوريكو، خصوصاً أنّها جاءت في اليوم نفسه الذي أقرّ فيه مجلس النواب الأميركي دفع 36.5 مليار دولار في إطار المساعدات العاجلة للولايات الأميركية المتضررة من الكوارث الطبيعية، ومنها بوتوريكو التي أعلنت السلطات فيها قبل أيام أنّها لم تعد قادرة على دفع رواتب الموظفين في الدوائر الحكومية.

وعقب قول ترامب إنّ السلطات الفدرالية لن تبقى إلى الأبد في الجزيرة، سارع حاكم بورتوريكو إلى الاتصال بالبيت الأبيض، فطمأنه كبير الموظفين الجنرال، جون كيلي، أنّ الحكومة الفدرالية باقية في بورتوريكو وكذلك فعل وزير الإسكان والتنمية المدنية بن غارسن الذي عارض تلميحات الرئيس.

وجاء في تغريدة لترامب على موقع "تويتر"، يوم الخميس الماضي، أنّ "سكان بورتوريكو نجوا من الأعاصير لكنّ أزمتها المالية تتفاقم لأسباب تتعلّق بهم وبسبب عدم تحمل المسؤولية"، وذلك في استئناف مفاجئ لسجال سابق كان قد خاضه الرئيس الأميركي مع رئيسة بلدية سان خوان التي انتقدت أداء إدارة ترامب وردّ فعل الرئيس المتأخّرة على كارثة إعصار "ماريا" وانشغاله بحرب "الدفاع عن العلم الأميركي" والسجال مع لاعبي كرة القدم المحتجّين على العنصرية في الولايات المتحدة.

وكان ترامب قد هاجم في تغريدات عمدة عاصمة بورتوريكو، قائلاً، إنّها تريد الترشّح للانتخابات المقبلة والمنافسة على منصب حاكم الولاية، وإنّ الحزب الديمقراطي حرّضها لكي تهاجم الرئيس. بعدها، قام ترامب بزيارة تفقدية للجزيرة للاطلاع على معاناة سكانها، ولم يفوّت المناسبة فوجّه انتقادات مباشرة إلى المسؤولين المحليين الذين كانوا في استقباله بقوله لحاكم الولاية وعمدة العاصمة إنّ "بورتوريكو أثقلت كاهل الخزينة الأميركية".

وأثار التمييز الواضح في تعامل السلطات الفدرالية الأميركية مع المتضررين من الأعاصير في كلّ من ولاية تكساس ولويزيانا بعد إعصار "هارفي" وولاية فلوريدا بعد "إيرما" وبورتوريكو بعد "ماريا"، تساؤلات حول العلاقة التي تربط الولايات الأميركية بين بعضها بعضاً وتلك التي تربطها بالحكومة الفدرالية. فترامب سارع إلى زيارة ولايات تكساس ولويزيانا وفلوريدا، مرّات عدّة، فيما أظهرت هيئة الإغاثة الأميركية وقوات المارينز جهوزية عالية في عمليات الإغاثة والإنقاذ وتقديم المساعدات للمنكوبين هناك. وقد وافق الكونغرس كذلك على مساعدة عاجلة تخطّت 15 مليار دولار لضحايا "هارفي" و"إيرما" بطلب من البيت الأبيض. لكنّ ترامب لم يشر حينها إلى عجز الخزينة ولا إلى الأعباء المالية التي تتسبب فيها المساعدات الموجّهة إلى السلطات المحلية في تكساس وفلوريدا.

تجدر الإشارة إلى أنّه بعد مرور ثلاثة أسابيع على إعصار "ماريا"، ما زال 83 في المائة من الجزيرة من دون كهرباء و36 في المائة منها من دون مياه في حين تفتقر 45 في المائة من المناطق إلى خدمات الاتصال. وتحتاج البنية التحتية إلى إعادة إعمار شاملة بسبب الأضرار التي خلفها "ماريا"، وكذلك بسبب الإهمال وغياب الصيانة منذ سنوات، على خلفيّة سوء الأوضاع الاقتصادية وفقر ميزانية الولاية التي تعتمد بصورة أساسية على مداخيل قطاع السياحة الذي تعرّض لضربة قاسية بسبب الدمار الذي حلّ في الجزيرة.

وتتخوّف السلطات المحلية من موجات هجرة من الولاية إلى الولايات الأميركية الأخرى، في حال لم يُعمَل على إعادة خدمات المياه والكهرباء والاتصالات بأسرع وقت ممكن. يُذكر أنّ التوقعات لا تشير إلى احتمال حصول ذلك قبل أشهر عدّة.

وبورتوريكو مستعمرة إسبانية انتقلت "ملكيّتها" إلى السلطات الأميركية بعد الحرب الأميركية - الإسبانية. وسكان الجزيرة بغالبيّتهم من أصول إسبانية، فيما يحملون الجنسية الأميركية من دون أن يملكوا الحق في التصويت في الانتخابات. وقد أظهر استطلاع للرأي أنّ سكانها بغالبيتهم يرغبون في الانضمام بالكامل الى الولايات المتحدة الأميركية، علّهم يشعرون بأنّهم أميركيون مثلهم مثل أبناء الولايات الأميركية الأخرى.