Skip to main content
اندلاع أزمة مالية عالمية تتصدر القمة الصينية الأميركية
موسى مهدي ــ لندن
من لقاء أوباما مع الرئيس الصيني في قمة بكين(أرشيف/Getty)

يصل الرئيس الصيني شي جين بينغ، اليوم الثلاثاء، إلى واشنطن، في أول زيارة له للولايات المتحدة منذ توليه زمام السلطة في العام 2013، وسط ظروف اقتصادية حرجة تمر بها بلاده ومخاوف من تداعياتها على الاقتصاد العالمي الذي لايزال هشاً.

كما تأتي وسط اتهامات من واشنطن لبلاده بالتجسس والقرصنة لسرقة معلومات شخصية لأكثر من 14 مليون موظف في الحكومة الأميركية، وذلك إضافة إلى اتهامات واشنطن لبكين بزعزعة الأمن في منطقة جنوب شرقي آسيا التي تربطها اتفاقيات دفاعية مع واشنطن.
لكن خبراء يقولون إن المخاوف من حدوث أزمة مال عالمية جديدة ستطغى على قمة الرئيسين الأميركي والصيني التي ستبدأ اليوم في واشنطن.

وأعرب البيت الأبيض في تصريحات قبيل زيارة الرئيس الصيني "أن هنالك قلقاً كبيراً حيال هشاشة الاقتصاد الصيني"، وتريد واشنطن أن تؤكد التزامها "بناء علاقة بين البلدين تكون مثمرة في شكل أكبر".

ويقول خبراء "رغم أن النفوذ السياسي والعسكري الأميركي في آسيا يسيطر على العلاقات الصينية الأميركية، ويقلق بكين التي تريد إعادة رسم الخارطة الآسيوية التي رسمت في نهاية الحرب العالمية الثانية ولم تكن الصين جزءاً منها، إلا أن مسار إصلاح الاقتصاد الصيني الذي يمر حالياً بأسوأ أزمة من تحريره تعد الأهم في هذه الزيارة ".

لكن رغم ذلك، من المعتقد أن تواصل قضية النفوذ والتمدد الصيني في آسيا ومحاولات انتزاع جزر من دول آسيوية صغيرة ترتبط بمعاهدات دفاعية مع أميركا، تعكر صفو العلاقات بين البلدين رغم المصالح التجارية والاقتصادية الضخمة التي تربط بين البلدين.

وحسب الإحصائيات الرسمية الأميركية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 459.2 مليار دولار بنهاية العام 2014، مقارنة بتبادلات لا تفوق بضعة مليارات في العام 2000.
 
كما أن تدفق الاستثمارات الصينية، المباشرة وغير المباشرة، يتدفق بمعدلات كبيرة على السوق الأميركية، وفي المقابل فإن عدد الشركات الأميركية التي تستثمر في الصين وتملك مصانع ومنتجات في المدن الصينية يتزايد بشكل كبير هو الآخر. وبالتالي، فأصبح البلدان تربطهما علاقات اقتصادية وتجارية تفرض على الرئيسيين التفاهم حول الخلافات السياسية والأمنية في منطقة آسيا، مهما استفحل الأمر.

ويلاحظ في هذا الصدد، أن أميركا أجلت عقوبات على الصين تخص أمن الفضاء الالكتروني.
وأشار مسؤول أميركي قبل يومين لصحيفة "واشنطن بوست" إلى أن أميركا أجلت فرض عقوبات خوفاً من أن تلقي بظلالها على زيارة شي. وأضاف أن ذلك لا يعني وجود أي اتفاق بين الجانبين بشأن كيفية معالجة هذه المسألة.

وبالتالي، من المتوقع أن يناقش الرئيس أوباما قضية أمن الفضاء الإلكتروني مع الرئيس شي أثناء هذه القمة. وكانت صحيفة واشنطن بوست تحدثت عن القرار ونقلت عن مسؤول كبير في إدارة الرئيس باراك أوباما قوله إن القرار لا يزال على الطاولة.

ولكن يرى اقتصاديون أن أميركا مهتمة أكثر بتوجهات الاقتصاد الصيني الذي أصبح ذا أثر كبير على الاقتصاد الأميركي. يكفى القول في هذا الصدد أن الاضطرابات التي يشهدها حالياً الاقتصاد وسوق المال الصيني، كانت أحد أهم أسباب تأجيل رفع معدل الفائدة الأميركي.

فأميركا تتخوف على شركاتها وسوقها المالي من أن تتواصل اضطرابات الاقتصاد الصيني، كما تتخوف من تداعيات تباطؤ النمو الصيني على النمو الأميركي، حيث أصبحت الصين، من أهم ماكينات تحريك النمو في أميركا.

وحسب الإحصائيات الأميركية فإن قرابة مليون وظيفة في أميركا تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على معدل النمو الصيني.

وفي هذا الصدد يلاحظ، أن الصين أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأميركية، حيث بلغت ملكيتها في السندات الأميركية حوالى 1.240 ترليون دولار حتى نهاية يوليو/تموز الماضي. كما أن الشركات الأميركية تعد أكبر الشركات المستثمرة في الصين.

اقرأ أيضاً: بريطانيا تثق في اقتصاد الصين رغم التباطؤ

وأصبح المستثمرون الأفراد من أثرياء الصين من كبار محركي سوق العقارات الأميركية حيث نفذوا صفقات ضخمة في الولايات المتحدة، من بينها شراء أهم فندق في أميركا، وهو فندق "وولدروف ستوريا" في نيويورك.

من هذا المنطلق يمكن النظر إلى الخلافات السياسية والدفاعية بين بكين وواشنطن على أساس، أنها خلاف بين دولة عظمى مكينة ودولة أخرى صاعدة حديثة تبحث عن دور في المسرح السياسي العالمي بعد أن قويت شوكتها الاقتصادية. ولكن لايزال الاقتصاد الأميركي بناتجه المحلي البالغ أكثر من 18 ترليون دولار وأسواقه الاستهلاكية البالغة 11 ترليون دولار ومنتجاته المالية من أسهم وسندات البالغة 55 ترليون أعمق كثيراً من السوق الصيني.
 
فالصين كدولة صاعدة اقتصادياً وعسكرياً، أصبحت الدولة الثانية من حيث الحجم الاقتصادي والعسكري، حيث بلغ إجمالي الدخل المحلي الصيني قرابة 9.7 ترليونات دولار بنهاية العام الماضي، مقارنة بأجمالي الناتج المحلي الأميركي الضخم.

ولكن يقول اقتصاديون رغم التطلعات الصينية، إلا أنها لا تملك الأدوات التي تجعل منها قوة عظمى رغم ما حققته من معجزة اقتصادية خلال السنوات التي تلت أزمة المال العالمية.

وحسب خبراء في واشنطن، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيسعى خلال هذه القمة إلى الاستماع للرئيس الصيني حول قضايا اقتصادية ومالية جوهرية، أهمها مسار التحرير الاقتصادي والمالي في الصين. ويطالب المستثمرون الأميركيون والشركات المتعددة الجنسيات في الصين الرئيس أوباما بالضغط على الصين في قضايا تحرير الاقتصاد وإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر.

ويشير تقرير غرفة التجارة الأميركية في في شنغهاي الصادر أخيراً، أن حوالى 50% من الشركات متعددة الجنسيات واجهت تحقيقات من أجهزة الأمن الصينية خلال السنوات الماضية.

 ولكن في المقابل فإن مسألة التحرير الاقتصادي في الصين قضية معقدة وتتخوف الحكومة الصينية من اتخاذ خطوات جريئة تجاه التحرير الاقتصادي، حيث لا تزال البنية الرأسمالية في الصين هشة إلى درجة بعيدة.

كما أن هنالك شبه تحالف بين التجار وشركات الوساطة والمسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني، تعوق عمليات التحول الحقيقي نحو اقتصاد السوق.

ويلاحظ أن خفض قيمة العملة الصينية "اليوان" جاء في إطار التحرير المالي، ولكنه أدى إلى نتائج عكسية، حيث قاد إلى اضطراب كبير في سوق المال الصيني وهروب الرساميل من الصين. وهو ما أدى بدوره إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وربما يكون الرئيس الأميركي سيسعى خلال هذه القمة التعرف على الخطوات المقبلة التي ستتخذها الصين لتهدئة سوق المال الصيني وإحداث استقرار يسمح للاقتصاد الصيني بالنمو فوق 6.0%، خلال العام المقبل.

النقطة الجوهرية الأخرى التي سيناقشها الرئيس الأميركي مع نظيره الصيني، هي الجزء الخاص بتحرير اليوان، فأميركا تتخوف على نموها الاقتصادي الذي لايزال هشاً من قوة الدولار، وضعف اليوان. فهنالك مخاوف واسعة من أن يطلق خفض اليوان الصيني موجة من خفض العملات في باقي دول جنوب شرقي آسيا، التي تعتبر من أهم شركاء أميركا.

ويأتي التخوف من حرب العملات في وقت يشهد فيه الدولار ارتفاعاً كبيراً في سعر صرفه مقابل العملات الأخرى. ويطالب المصدرون الأميركيون الرئيس أوباما، بطرح مسار تحرير اليوان مع الرئيس الصيني. وهي من القضايا التي ظلت حاضرة في جميع القمم الصينية -الأميركية. فالشركات الأميركية تتخوف على مبيعاتها وأرباحها من البضائع الصينية الرخيصة، في حال استمرار هبوط العملة الصينية.

وتأتي هذه المخاوف رغم تأكيدات الصين أنها لا تسعى إلى إطلاق موجة تخفيضات في أسعار العملات العالمية. ونسب التلفزيون الحكومي في الصين عن رئيس الوزراء لي كه تشيانغ قوله أمس الإثنين إن بلاده تهدف إلى تطوير أسواق مالية مفتوحة وشفافة، وإنه لا أساس لاستمرار هبوط قيمة العملة الصينية اليوان.

كما نقلت رويترز عن لي قوله لوزير المالية البريطاني جورج أوزبورن الذي يزور الصين حالياً "سنطور بفاعلية أسواقاً مالية مفتوحة وشفافة ومستقرة على الأجل الطويل".

وتعتمد شركات الطاقة والسلع الأولية في وول ستريت وبورصة شيكاغو، على نمو الاقتصاد الصيني في تحديد أسعار أسهم العديد من الشركات الكبرى. ويلاحظ أن مؤشر أسعار شركات الطاقة والسلع الأولية كان له دور كبير في تدهور مؤشرات الأسهم الأميركية خلال الشهر الماضي. وبالتالي، ترغب الشركات الأميركية في معرفة مسار الاقتصاد الصيني خلال زيارة الرئيس الصيني الحالية.

وحسب مصادر أميركية، فإن 94 من رؤساء الشركات الأميركية الكبرى طالبوا أوباما بإثارة موضوع تحرير اليوان خلال القمة التي تجمعه اليوم بالرئيس الصيني.


اقرأ أيضاً: أميركا تثبت الفائدة للحد من قوة الدولار وتداعيات الصين