Skip to main content
المركز العربي في تونس يناقش الذاكرة الوطنية والعدالة الانتقالية
بسمة بركات ــ تونس
اهتم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، مساء اليوم الجمعة، بموضوع الذاكرة والتاريخ وكيفية مساهمة العدالة الانتقالية في توثيق الذاكرة والأحداث الوطنية، مؤكداً أن العدالة الانتقالية في تونس تعتبر من أهم مكاسب الثورة التونسية، ولها دور في "مراجعة التاريخ الوطني والتذكير بالأحداث المنسية بعيداً عن عقلية الثأر والتشفي".

وقال رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، المهدي مبروك، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ الثورة التونسية "كانت هادئة ولم تعمل على الانتقام من الجلادين والتشفي منهم، ولكن المفاجئ أنه بالرغم من أن الثورة متسامحة إلا أن الجلادين لم يقدموا أي اعتذار للضحايا وتعنتوا".

وأضاف مبروك أن "قانون المصالحة الإدارية ساهم في منح الحصانة لهؤلاء الجلادين، بل إن البعض منهم عادوا إلى الواجهة وإلى المواقع المهمة"، معتبراً أن "إطلاق سراح بعض الأمنيين ممن تورطوا في قتل الشهداء مؤخراً، بعد أن قضوا جزءاً من عقوبتهم، لا يخلو من رسائل سلبية لأهالي الضحايا".

وأضاف أنّ الأرشيف السياسي والأمني والعسكري لا يتم التعامل معه إلا وفق القانون، مبيناً أن "كتابة التاريخ لا تتم إلا بعد أن تنتهي زوبعة الأحداث وليس بصفة متسرعة"، معتبراً أن هامش الحريات في تونس بعد الثورة ساهم في الاطلاع على عديد من الحقائق وكشف الغموض عن جزء من التاريخ الوطني، ولكن المشكل لا يكمن في القوانين بل في الموضوعية الأخلاقية للبعض.

واعتبر رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس أن هناك اليوم جدلاً بين نشطاء المجتمع المدني وضحايا الانتهاكات، وكيف يمكن أن "تتم صياغة تاريخ موضوعي حتى لا يكون التاريخ مزوراً وطامساً لحقائق لم يكن الحديث عنها ممكناً قبل الثورة".

من جانبه، قال عضو "هيئة الحقيقة والكرامة"، صلاح الدين راشد، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية إن لم يتحدث الضحايا عما عاشوه من انتهاكات ومظالم"، معتبراً أنه "دون تلك الشهادات لا يمكن حتى فهم الأحداث التي حصلت في فترة ما"، مضيفاً أن الهيئة تقضي عدة ساعات في قراءة الأرشيف والبحث فيه واستنطاقه عبر كثير من القراءات لتطوير الذاكرة الجماعية.

وأوضح راشد أنّ "هيئة الحقيقة والكرامة هي جزء من مسار العدالة"، مبيناً أن تونس "نجحت في وضع دستور ديمقراطي، وأرست مؤسسات منتخبة وهيئات تعديلية ووضعت قانوناً للعدالة الانتقالية"، مشيراً إلى أن "الهيئة اشتغلت طيلة 3 أعوام ونصف العام، وتكون بذلك قد قطعت شوطاً مهماً في الكشف عن عديد الممارسات والتجاوزات، ولكن لا بد أن يتواصل المشوار رغم أن التجربة كانت جديدة وباجتهادات تونسية".

وقال عضو "هيئة الحقيقة والكرامة"، خلال مداخلته التي حملت عنوان "العدالة الانتقالية مقاربة الحقيقة بين الذاكرة والنسيان"، إن "اعتراف الدولة وإدانتها لانتهاكات حقوق الإنسان والاعتذار الرسمي للضحايا ورد الاعتبار إليهم هو جزء من الذاكرة وتخليد لها".

وأضاف أن الفصل الأول من قانون العدالة الانتقالية في تونس ينص على أن "مسار العدالة هو مسار متكامل الآليات لفهم انتهاكات حقوق الإنسان وكشف حقيقتها ومساءلة المسؤولين عنها وجبر الضرر للضحايا".

بدوره، اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر، محمد لطفي الشايبي، أنّه "لا يمكن فهم ما حدث في البلدان العربية ما لم يتم فهم طبيعة الأنظمة السياسية للدول الاستعمارية"، مبيناً أن "الكتابة عن الذاكرة الجماعية تتم عن طريق الأشخاص الذين عاشوا تلك الأحداث".

وأوضح أنه، ومن خلال دراسته التاريخية للأنظمة الاستعمارية، سواء كانت الفرنسية والإيطالية أم الإنجليزية، فإن ما يلفت الانتباه هو حضور "الماسونية" خلف الأنظمة الاستعمارية، التي كانت أهدافها تقوم على تغيير العالم.

واعتبر أن "الماسونية عملت على نبذ الروح القومية، وكانت تقر بوجوبية وإيجابية الاستعمار".

وشدّد المركز في اختتام أشغاله على ضرورة إصلاح البرامج التربوية التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات الحاصلة في المجتمع التونسي، ولكي لا تبقى خارج السياق التاريخي لتطور الشعب التونسي، وتتجاهل بذلك تطور وعيه بعد الثورة التي قام بها.

ودعا المشاركون اللجان المختصة بالإصلاح التربوي أن تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المرحلة ومبادئ العدالة الانتقالية حتى تساهم في تأكيد عقلية التسامح لدى الناشئة وتعيد بناء الذاكرة الوطنية على أسس تجمع مختلف القوى الوطنية، وتقوم على قبول الاختلاف.