Skip to main content
السعودية في رمال اليمن
بشير البكر
باتت السعودية وحيدة في حرب اليمن، بعدما تأكد تخلي الإمارات عنها، وبدأت الرياض في الآونة الأخيرة تبحث عن مخرجٍ يحفظ لها انسحابا من المستنقع اليمني بأقل التكاليف السياسية والمعنوية. وعلى هذا الأساس، جاءت معبرةً جدا التصريحات التي نقلتها يوم الثلاثاء الماضي صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول سعودي، لخص واقع الحال السعودي بقوله "لا تريد السعودية أن تنجر لفترة أطول في حرب اليمن، ولا تريد أن تظهر ضعيفة، أو أنها تضرّرت في خضم التوتر مع ايران". وهكذا، هي ترغب في الانسحاب من دون أن تقدّم كشف حساب عن خسائرها على مدى السنوات الماضية، سواء البشرية أو المادية أو السياسية، كما أنها لا تريد تحمّل المسؤولية عن نتائج الحرب التي تضرّر منها الإنسان اليمني قبل الجميع.
قرّرت السعودية الانسحاب، لأن الإمارات تركتها وحدها تخوض حربا عبثية في ظل الفشل في تحقيق إنجاز ميداني يمكنها البناء عليه. ولكن السبب الأهم هو إدراكها أن البقاء يعني أنها سوف تتورط وتغوص أكثر في الرمال اليمنية المتحرّكة، وهذا يعني أن فاتورة الحرب سوف تتضاعف كلما طال الوقت. ويظهر من العمليات العسكرية التي شنّها الحوثيون خلال الشهرين الأخيرين بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية أن الأضرار التي لحقت بالسعودية اقتصاديا وعسكريا ذات كلفة كبيرة ومتصاعدة، ولا سيما أن القصف طاول مؤسساتٍ اقتصاديةً وخدميةً كبيرة، مثل المنشآت البترولية والمطارات والقواعد العسكرية. ولكن المسألة الجديرة بالاهتمام، وتستحق التوقف أمامها، أن ميزان القوى بدأ يميل لصالح الحوثيين، على الرغم من التفوق الجوي السعودي، والدعم العسكري والسياسي الذي وفرته الولايات المتحدة وأطراف غربية للسعودية. وفي حين تتكتم السعودية على خسائرها داخل أراضيها، أصابت الضربات الحوثية داخل اليمن أهدافها وألحقت أضرارا كبيرة، ومنها قصف قوات الحزام الأمني في عدن الذي خلف 40 قتيلا، بينهم القائد العسكري للقوات "أبو اليمامة".
وعلى الرغم من المكابرة العلنية، هناك ما يؤكد أن السعودية أجرت محادثاتٍ سرية مع الحوثيين، منها ما هو مباشر، وما هو عن طريق الأمم المتحدة. ولعب المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، دورا في هذه المساعي. وبعد تقدم وجيز، تعثّرت الجولة الأخيرة بسبب شروط حوثية، وتدخلات إيرانية لجر الرياض إلى مباحثات علنية مع طهران، على غرار أبوظبي، وهو ما لم يعارضه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يبحث عن حوارٍ ينتهي إلى تسويةٍ بلا ضرر ولا ضرار، وهذا يعني إسقاط المسؤولية السعودية عن الحرب، وتحمل كلفة النتائج الكارثية التي ترتبت عليها، وهذا لا يروق الحوثيين وإيران، فالطرف الحوثي يطمح إلى تعويضاتٍ كبيرة عن الدمار الذي ألحقته الحرب بالبنى التحتية اليمنية والاقتصاد والعمران، وكذلك تعويض الضحايا عما أصاب الشعب اليمني مما يوصف بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وبدورها تضع إيران نصب عينيها إرغام السعودية على تحمل نتائج التصعيد ضدها طوال الأعوام الأخيرة، بما في ذلك العمليات التي تتهم طهران الرياض بالتخطيط لها. والملاحظ هنا أن السعودية باتت في وضعٍ حرج، بعدما قرّرت الإمارات سحب قواتها من اليمن، وبدأت خطوات تقارب مع طهران. ويبدو من تحرّكات الإمارات وكواليس الانفتاح على طهران أنها تنازلت عند شروط إيرانية من أجل فتح صفحة جديدة، وذلك بعدما بدأ اقتصاد دبي يعاني من الانهيار، بسبب اعتماد قطاعات واسعة منه على التبادل التجاري مع إيران منذ زمن طويل. وعلى الرغم من الخلاف في الدوافع السعودية والإماراتية لاستعجال الهروب من اليمن، فإن المحصلة العامة واحدة: الفشل.