Skip to main content
الحراك الجنوبي اليمني..
فوزي الحقب (اليمن)
فكرة الولاء للقضية العادلة تكون في العادة متماسكة، ونتاجها مثمرا وذاتها فاعلة، ويرتكز جهدها، في الغالب، على وضوح الهدف وسمو الإرادة ونُبل الغاية التي تؤمن بها، وتناضل من أجل تحقيقها في الواقع، خصوصا إذا كان اعتقاد أصحابها، بمختلف توجهاتهم، منطلقا من جوهر الحقوق المشروعة، وشعورهم نابعا من مصلحة عامة، وتفانيهم للقضية يتطابق مع الطريقة العملية المقبولة. بذلك، يمكن وصفها بالرؤية المشتركة التي تجّسد روح الإطمئنان للجميع، وتحمل لهم تباشير الأمل للمستقبل.
وحينما تحتاج كل حركة سياسية الدعم والمساندة، كما تقتضي تطلعات العمل الجماهيري، فإنها توّحد الحياة الشاملة ببعضها بعضا، وتنفتح على عموم العمل المشترك، وتوسع اهتمامها على المنطق الذي يدعوها إلى تشكيل صفوفها على صيغ عمل جامعه وتمثيل شامل، بحيث تطلق نشاطها العام على مهمات الإنجاز، وتعزّز من عناصر قوتها وتماسكها، وتواصل اجتراح وسائلها الفاعلة، بما يصب في عمق المصلحة الحقيقية، ويوافق الثبات والتقدم في إطار نهجها السليم.
أما أن تخلو حركة نضالية من استعادة الوحدة السياسية فيما بينها، وتقيم العداوة والبغضاء على خريطة القوى الداخلية، وتلجأ في مواقف كثيرة إلى تنفيذ مشاريع الغير، بذريعة حلم الانفصال، ناهيك عن استبعادها الأسس والمبادئ التي تحقق العيش المشترك بين فئات الشعب أنفسهم، وتجاهلها باستمرار لروابط المصير الواحد، فهذا يعتبر واحدا من مظاهر الفوضى الشاملة، وتمثيلاً هشاً لا يقوى على تحمّل المسؤولية الكاملة، بل وتركيبة مشحونة بالغباء المقامر، وفاقدة للتأثير الإيجابي، وستكون نتائجها كارثية على تأييد القضية ومطالبها المشروعة.
وإذا سمحنا لأنفسنا اجترار التوصيف النهائي للتدليل، فإننا نعتبر أصحاب هذا النهج بكل أبعاده وتداخلاته، بما يمكن تسميته المجلس الإنتقالي الجنوبي، والذي جرى تشكيله، أخيرا، برئاسة عيدروس الزبيدي، وعضوية شلال شائع وفريد بن بريك، حيث يتصرف مجلسهم الموقر على نحوٍ مجافٍ للتضامن الجنوبي، ويتحرّك تبعاً للحاجة التي تمليها رغبات المستعمر الجديد، ويطمح إلى شن الحرب على محتوى الوعي المدني الذي تشكل بفعل الأحزاب الوطنية، ويرى في بقائها تهديداً مباشراً لأطماعه الخاصة، وتبعيته السياسية، بل كثيراً ما يرتبط أداؤه في تقويض استعادة الدولة، ويرفض صراحةً المجال السياسي الذي يشد اهتمامنا نحو الوفاق الوطني والإصلاحات العامة.
وفي الإطار نفسه، يجرنا إلى افتعال معارك جانبية، أولها تعريض الهوية اليمنية للتمزيق، ومواجهة الكيان الوطني ككل، والافتئات على الحياة السياسية بحرق مقرّاتها واعتقال رموزها، والعبث بمنجزاتٍ تاريخيةٍ، تشكل في الواقع مكتسبات وطنية، ولاحقاً وقفوا خصماً معلناً ضد حدوث أي تغييرٍ يمكن أن ينتهي إليه مسار المشروع الوطني. وأخطر ما في الأمر أنهم كيان وحيد مزعزع للاستقرار ووجودهم على خلاف الأهداف المطروحة اليوم، وقوامهم الحالي أقرب إلى مستوى المليشيا في جميع التصرفات وأساليب الغوغاء.
كما أن النظرة قاصرة لِما بعد الاستقلال، إذا تصورنا حدوثه بالفعل، حيث لا تملك الرؤية الجامعة لإدارة المرحلة، ولا تتحمل تبعات التحديات الداخلية والخارجية. وعلاوة على ذلك، يظهر تباين عجيب في التوجّهات وقلق ملموس في حجم التمثيل، وعندما نستعرض تقديرات الحكم على هذه التجربة النقيضة، فإننا لا نراها حريصةً من أجل مستقبل القضية الجنوبية بقدر ما تمارس الانتهازية بأبشع صورها، كي تطال مطامحها الخاصة.
وعلى عكس متطلبات النزعة الإنفصالية، تبقى حركتها الصراعية بمعزل عن التأثير الإيجابي، ومجردة من هموم الشارع وحركات التحرّر، حيث أصبحت القضية من ضحايا هذا الاستغلال.