Skip to main content
أسماك السعودية.. أسعار مرتفعة وأزمة صيد
خالد الشايع ــ الدمام
لم يكن السعودي أحمد البريكي يتوقع - عند توجهه من الدمام شرق السعودية إلى سوق السمك المركزي بالقطيف (قرابة 30 كم) - أنه لن يتمكن من العودة لعائلته بكمية السمك التي وعدهم بها، المبلغ الذي كان يحمله كبيرا، ومع ذلك لم يستطع شراء نصف الكمية المعتادة، فوجئ كغيره من مرتادي سوق الجملة بارتفاع كبيرفي الأسعار، و"هو أمر بات مألوفاً" كما يقول، بينما يفحص كمية من سمك الشعري قبل أن يضيف: "بات السمك أغلى من اللحوم، هل يعقل أن يصل سعر كيلو سمك الهامور إلى 90 ريالا،ً بينما كنت أشتريه قبل عامين بأقل من 30 ريالاً؟".

البريكي كغيره من السعوديين الذين يفضلون الذهاب في الصباح الباكر إلى سوق السمك بحثا عن الأسماك الطازجة والسعر المناسب، لكنهم أخذوا مؤخرا "يعودون خالي الوفاض" كما يقول فهد الفهيد صديق البريكي الذي حضر معه بسيارة واحدة، مؤكدا أن الأسعار ترتفع عاما بعد عام.

بحسب ما رصدته "العربي الجديد" فإن سعر كيلو سمك "الكنعد" المحبب لأهالي المنطقة يبدأ من 40 ريالا للكيلوجرام الواحد (الدولار 3.75 ريال) في حين كان يباع العام الماضي بـ 25 ريالاً وفي العام قبل الماضي بـ 17 ريالاً فقط. كما أكد مرتادو السوق المركزي، أن في داخل المدينة تختلف الأسعار بين محلات السمك إذ يباع "الكنعد" بأكثر من 60 ريالا، ويصل في المناطق البعيدة مثل العاصمة الرياض والمدن المجاورة لها إلى أكثر من 75 ريالا، وهي أسعار باتت أعلى بكثير من اللحوم التي لا يتجاوز سعر الكيلو المحلي منها 55 ريالاً.

أسباب ارتفاع الأسعار

يعتبر سوق السمك في القطيف الأكبر في الخليج العربي، وهو يضج بالصيادين والمشترين أغلبهم من أصحاب محلات السمك والمطاعم "لكن حركة السوق لم تعد كالسابق" يقول حسين البناي - أحد كبار الصيادين - ويفسر الأمر بتراجع كمية الأسماك التي تعرض يوميا في السوق، إذ إنها لم تعد تكفي لتلبية الطلب المتزايد، وهو ما انعكس على الأسعار التي باتت أعلى من العام الماضي بأكثر من 40%.

يقول البناي لـ"العربي الجديد" وهو يتابع جلسة البيع اليومية لحصيلة صيد المراكب بطريقة المزايدة: "لم يعد المعروض من الأسماك يكفي الطلب، الكمية الحالية لا تقارن بما كان يباع بالسوق قبل عامين والسبب حرارة الجو وقلة الصيادين الذين تراجعت أعدادهم بسبب القرارات الحكومية التي لم تصب في صالحهم".
يواصل البناي تحديد أسباب ارتفاع الأسعار بأن الصيادين مجبرون على تسويق الكميات القليلة التي اصطادوها بأسعار تجعل من رحلتهم التي تمتد لأسبوع داخل البحر مجدية خاصة في مثل هذا الوقت (شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول) إذ تبدأ المراكب في صيد الروبيان (الجمبري) مما يقلل من كمية السمك". 

ويفند البناي أسباب تراجع المعروض من الروبيان مؤكدا أن دفن شواطئ البحر تسبب انقراض أشجار المانجروف التي يتغذى عليها الروبيان وهي أمور جعلت من "الغلة" قليلة وذات نوعية رديئة، ويضيف: "في السابق كان المركب الواحد يصيد أكثر من 100 صندوق كبير (الصندوق الواحد 32 كج) ولكن اليوم لو خرجنا بـ30 صندوقا نكون محظوظين".

يتابع :" مراكب الصيد الكبيرة والصغيرة تراجعت أعدادها بشدة، لأننا لا نستطيع البقاء في البحر أكثر من أسبوع ولا نستطيع تجاوز المياه الإقليمية وممنوع علينا الصيد في المياه الدولية حتى لا يسحب ترخيصنا"، يتداخل معنا في الحديث سامي البوعنين صاحب مركب صيد متوسط كان يسترق السمع على مقربة منا قائلا: "عندما لا نستطيع صيد الكمية الكافية نحاول البقاء في البحر مدة أطول، ولكن قوات حرس الحدود تجبرنا على العودة للشاطئ ولا تسمح لنا بتجاوز الأيام السبعة للمراكب الكبيرة واليومين للمراكب الصغيرة ولهذا نضطر لرفع السعرلنحقق بعض الربح".



تراجع كبير في الإنتاج

تمتلك السعودية 800 كم من الشواطئ المستغلة على الخليج العربي من أصل ألف، فيما تستغل 1300 كم من إجمالي 2400 كم من شواطئ البحر الأحمر، القليل منها يستغل في الصيد، في العام الماضي كان يدخل سوق القطيف يوميا أكثر من 120 طناً من الأسماك والروبيان، حاليا بالكاد يصل الرقم إلى 70 طناً مع تراجع أعداد المراكب العاملة على شاطئ الخليج من أكثر من 1600 مركب إلى أقل من 950 مركباً، كثير منها طرادات صغيرة بحسب شيخ سوق السمك عبدالله السليس والذي يلقي باللائمة على سلسلة القرارات الحكومية التي لم تراع مصالح الصيادين الذين تراجع عددهم من قرابة عشرين ألفاً إلى أقل من اثني عشر ألفاً فقط بسبب صعوبة التصاريح وتوقف المراكب.

يتابع السليس الذي قطع مزايدة له على عدد من صناديق الروبيان المتوسط الحجم ليتحدث إلى "العربي الجديد": "في الأعوام السابقة كان الصيد وفيراً، لكن الآن تراجعت الكمية لأقل من العام الماضي، وما قبله، بـنسبة 70% وصرنا نبيع صندوقاً أو صندوقين يوميا عبر المزايدة بينما كنا في السابق لا نبيع أقل من ستة أو ثمانية صناديق".
وينتقد شيخ سوق السمك الموعد المحدد من قبل وزارة الزراعة لصيد الروبيان في الأول من أغسطس قائلا "الوقت غير مناسب لأن الريح التي تساعد على خروجه من مكامنه البحرية ضعيفة، كما أن كثرة دفن الشواطئ قضى على أماكن عيشه" ويكشف أنهم حاولوا الحديث مع المسؤولين في وزارة الزراعة لتغيير الموعد ولكن من دون فائدة، ويضيف :"منذ ستة أعوام والصيد يتراجع عاما بعد عام، كما أن الأماكن التي يمنع فيها الصيد كثيرة، حتى شركة أرامكو السعودية تمنعنا من أماكن كثيرة بحجة وجود أنابيب نفط في تلك الأماكن".

المعوقات السابقة أدت إلى تراجع عدد مراكب الصيد القليل أصلا في المنطقة لأكثر من النصف، إذ يوجد 450 مركبا في القطيف و500 مركب في قرية دارين، بينما يوجد 650 مركبا في الجبيل بالمنطقة الشرقية في السعودية، ولكن قرابة نصف هذه المراكب معطلة والسبب كما يرى السليس "تحديد الوزارة لعدد العاملين من الجنسية الهندية الأكثر دراية بالصيد بثلاثة عمال لكل مركب، ما أوقع أصحاب المراكب فريسة لاستغلال العمالة التي لم تعد ترضى بالراتب الشهري وتشترط مشاركة صاحب المركب في الغلة".

ندرة الأسماك

غياب وجبة السمك عن المائدة السعودية ليس معتادا، لكن ارتفاع الأسعار جعل السمك صعب المنال وفق ما يقول الخبير الاقتصادي فضل البوعنين الذي حذر من مغبة الأمر، معتبرا أن عدم اهتمام وزارة الزراعة بقطاع الأسماك ساهم في ذلك، يضيف البوعنين لـ"العربي الجديد": "ما يحدث حاليا في سوق السمك يخنق اقتصاديات الأسرة السعودية"، وينتقد البوعنين الأنظمة والقوانين الخاصة بالصيد، لأنها تسببت في توقف جزء كبير من مراكب الصيد عن الإبحار"، ويقول : "وزارة العمل تطالب بأن تتحول مراكب الصيد الصغيرة إلى مشاريع لها سجلات تجارية، وهو ما يحمل الصيادين الكثير من الرسوم الإضافية كفتح سجل تجاري والزكاة".

ولا تقتصر المشكلة السابقة على أسماك الخليج العربي إذ تتكرر ذات الجوانب من الأزمة في البحر الأحمر، لكن مع تهديد أكبر يتمثل في تلوث مياه البحر بالمواد الكيماوية التي تسببت في نفوق آلاف الأطنان من الأسماك، كما يقول مدير عام جمعية الصيادين التعاونية في جدة خالد الشويكي لـ"العربي الجديد".

ويضيف: ''حجم إنتاج الأسماك في البحر الأحمر خلال السنوات العشرين الماضية انخفض نتيجة للتلوث البيئي الذي يعانيه البحر بنسب تصل إلى نحو 75%، على الرغم من جهود بعض الجهات الحكومية في الوقت الحالي لمنع تصريف مياه الصرف الصحي في البحر، إلا أن كميات الإنتاج استقرت نسبيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، لكن ليس بالشكل الذي يمكن معه تلبية حجم الطلب المرتفع".

ويستغرب الشويكي إهمال وزارة الزراعة لقطاع الصيد الذي بات يشبه الابن غير الشرعي للوزارة، قائلا: "كثير من القرارات ضد الصيادين مثل تحديد مواعيد صيد الروبيان، وهو ما يدل أن الوزارة لا تعي الروزنامة الحقيقية للصيادين".