Skip to main content
"هونغ كونغ" المركز المالي الأقوى
مازن إرشيد
تمتلك هونغ كونغ أعلى درجة من الحرية الاقتصادية (Getty)
لا تعتمد هونغ كونغ على نظام المصارف المركزية السائد في معظم دول العالم، فعندما يتأثر الاقتصاد بعوامل تزعزع استقرار الأسواق المالية في هونغ كونغ، فإن السلطة النقدية تعمل بمثابة المصرف المركزي الفعلي في هونغ كونغ، والتي تقع على عاتقها إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. في حين يتم إصدار الدولار المحلي، العملة الوطنية للبلاد التي جرى تثبيت سعر صرفها بالدولار الأميركي بدءاً من عام 1982، من خلال ثلاثة مصارف تجارية كبرى، وكل مصرف من مصارفها العاملة، يحدد أسعار الفائدة بهدف ضمان خضوعها لقوى السوق.

وفقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية، تمتلك هونغ كونغ أعلى درجة من الحرية الاقتصادية في العالم، وذلك منذ إنشاء المؤشر في عام 1995 وإلى يومنا هذا، حيث لا يخضع اقتصادها لأي تدخل من الدولة، ويعتمد بشكل كبير على التجارة والتمويل الدوليين. في الواقع، تمتلك هونغ كونغ نقاط قوة اقتصادية عديدة، منها نظام مصرفي سليم خال تقريباً من الديون، ونظام قانوني متين، واحتياطيات وفيرة من النقد الأجنبي، وتدابير صارمة لمكافحة الفساد، وعلاقات وثيقة مع جيرانها، لا سيما الصين. وعلى الرغم من انكماش اقتصادها، خلال العامين الأخيرين، إلا أن نقاط القوة، هذه، ساعدت الدولة في سرعة استجابتها للظروف المتغيرة، فبات لديها معايير توظيف على مستوى عال من الكفاءة والنزاهة، ومستويات ضريبية على الدخل والشركات تعتبر الأدنى عالمياً، فضلاً عن مالية عامة وفيرة ومستدامة.

إضافة إلى ذلك، تدعم هونغ كونغ باستمرار سياسة تشجيع وتمكين أعمال الشركات الخاصة، مثل مشروعي "الميناء الإلكتروني" و"هونغ كونغ ديزني لاند"، وذلك من خلال إزالة العوائق غير الضرورية لمؤسسات القطاع الخاص القائمة في المناطق الإدارية الخاصة، وما له من أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي الكلي.

وتعتبر سوق هونغ كونغ للأوراق المالية، وهي خامس أكبر سوق مالية في العالم من حيث القيمة السوقية التي تبلغ حوالي 2.8 تريليون دولار، مقصداً مفضلاً للشركات والمؤسسات الدولية الساعية إلى تأسيس شركاتها، وإدراج أسهمها في هذا السوق لما تتمتع به من حداثة، وارتباط وثيق مع أسواق رأس المال في العالم، وتطور الأنظمة التشريعية المعمول بها، إضافة إلى توفر العديد من الأدوات الاستثمارية المالية والمماثلة لنظيرتها في أسواق لندن ونيويورك.

وبحلول أواخر القرن المنصرم، أصبحت هونغ كونغ تمتلك سابع أكبر ميناء في العالم، والمرتبة الثانية بعد نيويورك وروتردام من حيث إجمالي مناولات الحاويات، إذ يعتبر مجمع حاويات "كواي تشونغ" الأكبر في آسيا؛ في حين أن شركات الشحن في هونغ كونغ تأتي في المرتبة الثانية في العالم، بعد اليونان، من حيث حجم حمولة الحاويات. علاوة على ذلك، استفادت هونغ كونغ من وفرة اليد العاملة الماهرة القادمة من المناطق القريبة والمقترنة بتكنولوجيا وأساليب تجارية بريطانية حديثة، في تعظيم فرص التجارة الخارجية والاستثمار وكفاءة التوظيف.

نتيجة لذلك، وقف الاقتصاد في هونغ كونغ، طيلة عقود من الزمن، على أرضية مالية صلبة أسهمت في نمو الناتج المحلي الإجمالي 180 مرة، خلال الفترة بين 1960 و2000، كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد حوالي 90 مرة خلال الإطار الزمني نفسه، ليصبح سادس أعلى معدل على الصعيد العالمي في عام 2014، وهو معدل أعلى من الذي تم تحقيقه في الولايات المتحدة وهولندا وأقل قليلاً من بروناي.

ونتيجة للسياسة الضريبية المنخفضة، تتحصل هونغ كونغ على أغلب عائداتها من خلال بيع وفرض الضرائب على الأراضي، وجذبها رؤوس أموال العديد من الشركات العالمية، والتي تستفيد منها في التمويل العام، ساعدها في ذلك امتلاكها بيئة أعمال تعتبر الأكثر جاذبية في شرق آسيا من حيث إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.

نتيجة لذلك، أصبحت هونغ كونغ ثالث أكبر مستقبل للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم التي، من خلال إيرادات الاستثمار الضخمة، تمكنت من شق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق وخدمات البنية التحتية العامة.

لكن أكثر ما يميز نجاح التجربة الاقتصادية في هونغ كونغ، هو القدرة على الاحتفاظ بمستويات إنفاق متدنية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ساعدها في ذلك عدم وجود إنفاق جوهري على قواتها المسلحة، ما سمح بتراكم احتياطيات مالية كبيرة مع حد أدنى من الاستدانة الخارجية.
(خبير اقتصادي أردني)