Skip to main content
"السلام عليك يا مريم" في سباق الأوسكار
آمنة النجار
لقطة من الفيلم الفلسطيني "السلام عليك يا مريم" (Youtube)
وصل الفيلم القصير "السلام عليك يا مريم" للمخرج الفلسطيني، باسل الخليل، إلى القائمة النهائية للأفلام المرشحة للفوز بجائزة الأوسكار، والمقرر الإعلان عن نتائجها في الثامن والعشرين من الشهر الحالي.

الفيلم مركز على المفارقات الناجمة من تعطّل سيارة مستوطنين إسرائيليين متطرفين (رجل وزوجته وحماته)، يوم السبت، قرب دير، راهبات فلسطينيات، منعزل في الضفة الغربية. الراهبات بدورهن نذرن أنفسهن للصمت والتبتل. إلا أن واحدة منهن وهي الأصغر سنًا: ماريا، لا تتبع القواعد الصارمة التي يلتزم بها المستوطنون من جهة، والراهبات الفلسطينيات من جهة أخرى. بيد أن الموقف، يفرض على الطرفين "إنشاء" ما يشبه التواصل، الذي يبدو بدوره حاملًا ومحمّلًا بكل معاني الاحتلال الإسرائيلي الثقيلة، وسلوكه الأدنى إلى التمييز العنصري.
لكن، قبل الوصول إلى الأوسكار، مرّ باسل في مدينة كان إبان أيّام مهرجانها الشهير، حيث عُرض فيلمه ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، والتقى به "ملحق الثقافة".

وإذا كان فيلم "السلام عليك يا مريم" واقعاً في منطقة ملتبسة، من حيث هو ينظر في علاقة غير متوقعة بين مستوطنين وراهبات فلسطينيات، فقد تعرّض لانتقاد، لم يزعج، على ما يبدو، باسل الذي قال "لا يضايقني أن ينتقد الناس فيلمي، لأنه يحمل وجهة نظري، وليس من الضروري أن يحبه الجميع. ما رويته في الفيلم من المعقول جدًا أن يحدث في الضفة الغربية وفي كل الأراضي المحتلة. القصة واضحة، ولا علاقة لها بـ "التقارب" مع إسرائيل: ثمة حالة إنسانية جعلت الراهبات والمستوطنين اليهود، مجبرين على التعاون نوعًا ما، حتى يتخلص كل منهم من الآخر. ليس الهدف أن يصبحوا أصدقاء.هناك احتلال وهناك محتل، وهما ليسا متساويين".

اقرأ أيضًا: السينما الصافية تاتي من تلقاء نفسها

وإذ تمحورت الانتقادات أساسًا حول "شبهة التطبيع" وعدم إبراز فظاعة العدو، علّق باسل: "ليس الفيلم دعوة للتطبيع، هو دعوة لمراجعة الانغلاق والتطرف الديني لكلا الجانبين. وكذلك كل التقاليد والأحكام والأفكار الناجمة عن الغلو. الهوية الدينية التي تفرض إلزامًا على الفرد عندما يولد، تحدد ما يجب أن يكون عليه موقفه، ومن المجتمع عامة. إلا أن الفرد هو الذي يختار درجة التطرّف الديني". لقد حاولت الراهبات المساعدة من منطلق إيمانهن الديني، بوجوب مساعدة الآخرين بمعزل عن دينهن. أنا أبرز مدى "الاحتلال" الاختياري الذي يفرضه الأشخاص على أنفسهم. تعيش الراهبات نوعين من الاحتلال؛ العسكري المفروض عليهن قسرًا، والديني الذي فرضنه على أنفسهن من خلال الصمت والتقشف. اليهود أيضًا، قرروا أن يستوطنوا في الضفة الغربية، وتحديدًا في أراض مسروقة من منطلق إيمانهم أنها من حقّهم، وعلى العرب مغادرتها".

ابن الناصرة

يبدو أن الناصرة، باعتبارها المدينة التي تضمّ أكبر عدد من الفلسطينيين في الجليل، أثّرت في نشأة باسل، وفي نظرته إلى الهوية والانتماء. يقول عنها "الناصرة مدينة فلسطينية مختلطة، فيها مسيحيون ومسلمون. أثّر هذا الاختلاط في تكوين شخصيتي وفي مدى وعيي بالواقع. جيلي في الثمانينات تربّى على الصمت وعلى كبت الموقف والرأي. كل الأخبار التي كانت تردنا كان مصدرها إسرائيل. البروباغندا الإسرائيلية كانت قوية، والصورة التي يمررونها هي إنهم يساعدوننا، وإن وضعنا كفلسطينيين أفضل من العديد من الدول العربية. لم تكن لدينا صورة ولا معرفة عمّا هي الديمقراطية وحقوق الإنسان في الحرية والكرامة إلخ. لكن في التسعينيات بدأ وعينا بحقنا في الكلام. فالصمت يجعلنا أشخاصاً غير متوازنين.

اقرأ أيضًا: ميشيل خليفي، أنا مع ثقافة الفقراء ضد فقر الثقافة

أذكر شعوري بأنني مواطن درجة ثانية. لو سمعني أحدهم أتحدث بالعربية لبصق في وجهي وصرخ علي. وضعنا تمامًا كوضع السود في أميركا في بداية القرن. عندما سافرت إلى بريطانيا للدراسة، فأمي بريطانية، فوجئت بدرجة المواطنة. لست مضطرًا لإخفاء هويتي ولغتي وانتمائي. فأدركت إلى أي مدى نعاني كفلسطينيين من عدم المساواة، وأدركت، أيضًا، فداحة الثمن الذي ندفعه على حساب كرامتنا". ولعلّ هذا الوصف للعيش في الناصرة، حتّم السؤال عن خيار المخرج في تجنب التطرّق إلى غياب العدل كما عاشه وخبره في الناصرة. فأجاب: كل ما يحصل في حقّ الفلسطينيين، أصبح اليوم بِفَضْل تكنولوجيا الاتصال، ينقل إلى العالم مباشرة. لذا لا أرى جدوى من "مباشرة" مماثلة في فيلم سينمائي قصير. هناك إشارات في فيلمي لما يحصل في حقّنا؛ مثلًا حين تقول الزوجة اليهودية " كان عليك ألا تقود السيارة في شارع عربي" ، فهذه إشارة إلى أن شوارع اليهود في الضفّة الغربية نظيفة ومرتبة، بينما شوارع أحياء العرب متآكلة ومهترئة، ومغلقة من الجيش الإسرائيلي غالبًا".


بدايات وخيارات فنية

كان اقتراب، باسل الخليل، الأوّل من عالم الفن السابع، في الناصرة، رفقة أحد أشهر السينمائيين الفلسطينيين؛ إيليا سليمان. يتذكر المخرج الشاب باسل، كيف عمل مع إيليا: "أوّل عمل شاركت فيه بعد الانتهاء من الدراسة هو يد إلهية لإيليا سليمان عام 2000. أذكر أول يوم عمل، حيث أوكلوا لي مهمة إيقاف حركة المرور في شوارع الناصرة صباحًا. كنت أبلغ الثامنة عشرة، صرخ الناس في وجهي "لا نريد أفلامًا، نريد الذهاب إلى أعمالنا". كنت خائفًا، لكنني أعتبرها من أهم التجارب بالنسبة لي. وسرعان ما اضطلعت بمهام أخرى في صلب العمل، وأصبحت مساعد مدير التصوير. قلت لنفسي هذا هو المجال الذي أريد أن أعمل فيه: السينما".

اختار باسل لفيلمه مقاربة كوميدية، لعلّها تذكر ولو قليلًا بخلطة السخرية الخاصّة بإيليا سليمان، إلا أن لباسل رأياً في ذلك: "أحب الكوميديا عامة، والموقف بين الراهبات والمستوطنين يكاد يكون سخيفًا بسبب الإلزامات الدينية والسياسية. وسخافة مماثلة تلزمها السخرية والكوميديا".
ويبدو أن المخرجين الفلسطينيين، يميلون، أخيرًا، إلى الروائي أكثر من التسجيلي في أفلامهم، عند مقاربة واقعهم القاسي تحت الاحتلال. ويوافق باسل الخليل على هذه الفكرة قائلًا: "أعرف أن بعضهم، وأنا منهم، قد ملّوا الشعارات، وكل ما أصبح نمطيًا وبكائيًا. الناس لا تريد رؤية البكائيات، وفيلم من هذا النوع لن يصل إليهم. لذلك فإن الموجة الجديدة هي السرد السينمائي بأسلوب يظهرنا كفلسطينيين مشابهين لكل الشعوب الأخرى. لسنا وحوشًا ولا إرهابيين، ولا نتشفى بشرب دماء اليهود كما ترسمنا البروباغندا الإسرائيلية. لنا فكاهتنا، لنا مشاكلنا، لنا أخطاؤنا، لنا خصوصياتنا، لما طعامنا والطبيعة والحياة الأسرية وغيرها كثير".