Skip to main content
"التجمّع" والملاحقة الإسرائيلية المستمرة
عادل شديد
لم تتوقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن ملاحقة حزب التجمع العربي الديمقراطي في إسرائيل، فمنذ اليوم الأول لانطلاقته، قبل حوالي عشرين عاماً، وخصوصاً عندما رفع شعاره المطالب بالدولة الديمقراطية، وحصول الجماهير العربية الأصيلة على حقوقها الجماعية القومية والمدنية، حيث تبنى الحزب خطاباً سياسياً لم يرق لإسرائيل، ولم يعجبها، فقد كشف زيف ادعائها بأنها دولة ديمقراطية، ولا تمارس التمييز العنصري ضد الأقلية العربية في الداخل، إذ اعتبرت المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية أن حزب التجمع العربي الديمقراطي يستغل وجوده في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) لإظهار حقيقة إسرائيل أمام العالم أجمع، والذي يفشل سياسة إسرائيل بتوظيف الوجود العربي في برلمانها، لتجميل صورتها في الخارج، حيث نجح الحزب، ومع أحزابٍ عديدة أخرى، بفضح السياسات الإسرائيلية، سواء العنصرية والإقصائية ضد الجماهير العربية في داخل إسرائيل، أو سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
شنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حملة اعتقالات طاولت أكثر من عشرين من قيادات الحزب وأعضائه، إضافة إلى محامين ومحاسبين، وبطريقة اعتقالٍ شبيهةٍ تماما بعمليات الاعتقال التي يتعرّض لها أبناء الشعب الفلسطيني من مؤيدي حركات فتح وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها من الفصائل. وهذا يؤكد ويكشف أن النظرة الإسرائيلية تجاه حزب التجمع العربي الديمقراطي لا تختلف كثيراً عن رؤيتها اتجاه فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية، بحيث أصبح السلوك الإسرائيلي تجاهها مبنياً على قاعدة أنهم جزء من دائرة الأعداء، وليسوا جزءاً من النظام السياسي والبرلماني الإسرائيلي، خصوصاً أن التهمة الموجهة لهم أنهم حصلوا على مساعداتٍ لتغطية الحملات الانتخابية للحزب، من دون الإفصاح عنها أمام ما يسمى مراقب الدولة، مع أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعترف وتؤكد أن هذه الأموال فعلا ذهبت إلى تغطية نفقات الانتخابات، ولم يتم استخدامها بشكل شخصي من أيٍّ من قيادات الحزب الذين تم اعتقالهم، خصوصاً أنه حصلت، في الفترات الماضية، حوادث كثيرة مشابهة مع الأحزاب اليهودية، ولم يتم اعتقال أعضاء وقياديين فيها بهذه الطريقة، حيث كانت تسبق أوامر الاعتقال عمليات تحقيق طويلة، تتم باستدعاء المشتبه بهم اليهود على قاعدة أنهم بريئون إلى أن تثبت إدانتهم، مع العلم أنه تبين، في معظمها، أن المسؤولين اليهود استعملوا هذه الأموال لصالحهم الشخصي، أي
اختلسوها. وعلى الرغم من ذلك، كانت المؤسسة الأمنية والقضائية تقدّم لهم كل التسهيلات والمرافعات القانونية، بعكس ما حدث مع اعتقال أعضاء وقيادات في حزب التجمع، حيث تم اعتقال محامين أيضاً، لمنعهم من مجرّد الحق في الدفاع، وإظهار حقيقة ما جرى. وذلك في سياق خطة مدروسة وممنهجة للملاحقة السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل عموماً، وإسكاتها عن الاستمرار في مطالباتها بالحصول على حقوقها القومية الجماعية على قاعدة أن الجماهير العربية في الداخل هم أصل السكان الشرعيين، وليسوا حالة طارئة، ولا ضيوفا على دولة إسرائيل، لتفعل بهم ما تشاء.
ولم يكن اعتقال رئيس حزب التجمع العربي الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، الأوّل في هذه الاعتقالات، فقد تمت ملاحقة مؤسس الحزب، الدكتور عزمي بشارة، والذي تعرّض لحملة تحريض قوية من المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل، كما أن رئيس الحركة الإسلامية، الشيخ رائد صلاح، يمضي فترة اعتقال سياسي تعسفي في السجون الإسرائيلية. وعملية الملاحقة التي يتعرّض لها الحزب امتداد لما تعرّضت له الحركة الإسلامية قبل حوالي عام، عندما استغل رئيس الحكومة الإسرائيلية العمليات التفجيرية التي حدثت في فرنسا، وأصدر قراراً يخرج الحركة الإسلامية عن القانون الإسرائيلي، لتصبح الحركة ومؤسساتها ملاحقةً بشكل قانوني، في ظل حملة تحريض وتسميم إسرائيلية تستهدف شرعية المواطنين الفلسطينيين في الداخل، حيث تم تتويجها بمشروع القانون الإسرائيلي الذي يتيح لأعضاء الكنيست اليهود إلغاء عضوية أعضاء كنيست عرب منتخبين، لمجرد معارضتهم سياسات الحكومة الإسرائيلية ودعم المقاومة الفلسطينية، حيث ترى المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية أن مشاركة النائب حنين زعبي في سفينة المساعدة التركية لقطاع غزة، وزيارة أعضاء الكنيست من "التجمع" لتقديم التعازي لعائلات شهداء فلسطينيين تمثل دعما لما يسمونه الإرهاب الفلسطيني. وقد ثارت إسرائيل، قبل أيام، عندما وصف النائب باسل غطاس، من حزب التجمع العربي الديمقراطي، شمعون بيريس بالطاغية المجرم المغطى بالدم، حيث تريد إسرائيل أن تكون وظيفة الأحزاب العربية، وممثليها في الكنيست، تبنّي الموقف الإسرائيلي الرسمي، وممنوع عليها أن تتبنى خطاباً سياسياً وطنياً مناقضاً للرواية الإسرائيلية الرسمية المبنية على الإلغاء والإقصاء والتمييز العنصري تجاه الجماهير العربية في الداخل.
لن تكون الاعتقالات الجماعية الجديدة التي طاولت عشرات من قيادات حزب التجمع العربي الديمقراطي وأعضاء فيه الأخيرة في مسلسل الإقصاء والملاحقة السياسية التي تتعرّض لها الجماهير العربية وقواها الوطنية والديمقراطية، ففي ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية وانزياح المجتمع اليهودي باتجاه اليمين والتطرّف، ستستمر عمليات الملاحقة والمطاردة السياسية، بحجج وذرائع كثيرة، لم يعد ينجو منها حتى بعض الإسرائيليين اليهود من أصحاب التوجهات الليبرالية، المنادية بتغيير قواعد السلوك مع الجماهير العربية، حتى وصل الأمر إلى تمرير مشاريع قوانين في الكنيست، تجيز ملاحقة المؤسسات اليهودية اليسارية التي ترفض الخطاب الرسمي الإسرائيلي تجاه العرب والفلسطينيين، وأصبحت تخشى تغلغل اليمين القومي الاستيطاني على مجمل مؤسسات إسرائيل السياسية والقضائية والأمنية، والذي ترى فيه خطراً ليس على العرب وحدهم، بل حتى على شرائح يهودية تطالب بتطبيق القانون. وقد وصل الأمر إلى اعتراف مسؤولين إسرائيليين بأن ممارسات لبعض اليهود ضد العرب والفلسطينيين شبيهة، إلى حدٍّ ما، بالممارسات التي ارتكبتها النازية في النصف الأول من القرن الماضي في أوروبا ضد اليهود والبشرية.
في مقابل ما تقوم به إسرائيل من سياسةٍ ممنهجةٍ على كل الأصعدة لتشويه شرعية الجماهير العربية وإلغائها، وأحزابها الوطنية لإسكاتها وإفراغها من مضمونها الوطني، وإشغالها في معارك جانبية وهامشية، لإلهائها عن ممارسة واجباتها الوطنية تجاه جماهيرها، وأن ما قامت به إسرائيل من عمليات ملاحقة وإقصاء للحركة الإسلامية وإخراجها عما يسمى القانون الإسرائيلي. وما يتعرّض له حزب التجمّع العربي الديمقراطي، في الوقت الحالي، سيطاول كل الأحزاب والقوى العربية التي ترفض السياسة الإسرائيلية. ولكن، في المقابل، لم تستطع هذه السياسات ولن تستطيع كسر الإرادة الوطنية الفلسطينية، لا بل إنها ستزيد التمسك بالهوية الوطنية الجماعية للشعب الفلسطيني. ومن الممكن أن تؤدي هذه السياسات العدوانية الإسرائيلية إلى ظهور جيل فلسطيني في الداخل يتبنى خطّاً سياسياً أكثر مواجهةً ضد إسرائيل وممارساتها.