مناطق الانتقام... النظام السوري "لا يتصالح" خدماتياً

مناطق الانتقام... النظام السوري "لا يتصالح" خدماتياً

18 يناير 2022
تضييق النظام على المواطنين في كل مكان (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

يتخذ النظام السوري خطوات انتقامية عبر التضييق على المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرته والتي أجريت فيها اتفاقات مصالحة بتدخل روسيا، وحرمانهم من الخدمات وملاحقتهم أمنياً ومساءلتهم وصولاً إلى اعتقالهم. كما يتعمد إهمال هذه المناطق، وجعل الخدمات الصحية محدودة فيها، وضرب قطاع التعليم الذي تشهد مدارسه المدمّرة على ممارسات التضييق.
في منطقة الحولة بريف حمص الشمالي، تبدو مظاهر التهميش واضحة على الخدمات التي لا تزال في حدّها الأدنى. ويخبر عيسى، وهو أحد سكانها، "العربي الجديد"، أنّ "الخدمات سيئة للغاية، إذ تتوفر الكهرباء بالكاد لمدة نصف ساعة أو ساعة على أفضل تقدير بعد قطعها 6 ساعات، ولم تخضع الطرقات لأية أعمال صيانة". يضيف: "أكبر هموم السكان تعبئة المياه لدى عودة التيار الكهربائي، وشحن أجهزة الإضاءة. وقد اعتقل النظام بعد اتفاق التسوية غالبية الشبان الذين بقوا في المنطقة، وساق بعضهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وأبقى بعضهم في السجن".
ويتحدث عيسى أيضاً أنّ المستشفى الحكومي في مدينة تلدو ما زال مدمّراً وخارج الخدمة، بعدما استخدمه النظام كثكنة عسكرية لسنوات. وكل الأحاديث عن احتمال استئناف العمل فيه عابرة ولا أساس لها، في وقت يقدم مركز صحي تدعمه الأمم المتحدة خدمات تلبي بالكاد احتياجات بسيطة، والعيادات الخاصة معدودة في المنطقة التي لا يتواجد أطباء فيها، لذا يضطر المريض إلى قصد مستشفى خاص يسدد فيه فواتير باهظة، أو تلقي العلاج في مدينة حمص، ولا تتوفر خيارات أخرى أمامه".

ونفذ اتفاق تهجير ريف حمص الشمالي مطلع أيار/مايو 2018، بعد ضغوط روسية. ولوحظ تهجير قسم من أبناء مناطق الرستن وتلبيسة والحولة إلى إدلب. وشكل أبناء منطقة الحولة التي قدّر عدد سكانها قبل الثورة بحوالى 123 ألفاً، القسم الأكبر من المغادرين.

تدمير "معنوي" في مخيم اليرموك
لا يختلف الواقع في مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، عن باقي المناطق التي خضعت لتسويات وشهدت عمليات تهجير قسري. وقد سيطر النظام عليه بقوة السلاح عام 2018، ومارس فيه عمليات الانتقام ذاتها عبر حرمان سكانه من الخدمات، ومنع عودتهم.
يقول مسؤول الإعلام في "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" فايز أبو عيد لـ"العربي الجديد": "دمّر النظام نحو 80 في المائة من المخيم قبل أن يسيطر عليه عسكرياً، وسمح فقط لـ700 عائلة بالعودة بعدما حصلت على موافقات أمنية، والتي تعيش فيه من دون خدمات المياه والكهرباء الأساسية والمواصلات. يضيف: "يتواجد مركز صحي واحد يحمل اسم شهداء اليرموك يتبع لأحد الفصائل الفلسطينية، ويقدم خدمات إسعافات أولية، فيما أنجزت عمليات إزالة الركام والأنقاض من شارعي اليرموك وفلسطين وأخرى فرعية فقط، لكنها لا تزال في مكانها في باقي الأحياء، ما يعيق حركة الناس وتنقّلهم داخل المخيم، وبالتالي عودة الأهالي إلى منازلهم. أما مشاريع تمديد شبكتي المياه والكهرباء فقليلة".
ويشير إلى أن أهالي المخيّم مستاؤون من عدم تدخل محافظة دمشق لتوفير الخدمات الأساسية، ويعتبر عدد كبير منهم أنها تتعمد تعطيل عودة السكان.
وكان مخيّم اليرموك تعرّض لتدمير واسع بسبب القصف الجوي والبري لقوات النظام السوري وحلفائه، والذي دعمه سلاح الجو الروسي بدءاً من إبريل/نيسان 2018، بحجة محاربة تنظيم "داعش". وأعقب ذلك حملات نهب لبيوت وممتلكات.

الصورة
غالبية الناس في مناطق النظام تعتمد على مولدات (دليل سليمان/ فرانس برس)
غالبية الناس في مناطق النظام تعتمد على مولدات (دليل سليمان/ فرانس برس)

الحرمان في ريف دمشق
من جهته، يكشف مدير شبكة مراسلي ريف دمشق، عبد الرحمن طفور، لـ"العربي الجديد"، أنه يجري تزويد مناطق بينها دوما وحرستا وجسرين بالكهرباء لمدة ساعتين أو 3 ساعات، تقسّم على فترتين صباحية ومسائية، ومناطق داخل العاصمة دمشق مثل مشروع دمر لساعة واحدة كل 5 و6 ساعات قطع. أما مدينة المليحة فتحصل على كهرباء لساعة واحدة يومياً فقط.
ويشرح أنّ القسم الأكبر من الناس يعتمد على مولدات تتفاوت أسعارها نتيجة ارتفاع سعر المحروقات، وإجبار أصحابها على شراء مادة المازوت والبنزين من السوق السوداء.
وعلى صعيد الخدمات الصحية، يوضح طفور أن مستشفيات عدة في المناطق الرئيسية بريف دمشق خارج الخدمة، ما يُجبر الأهالي على الذهاب إلى مستشفيات العاصمة التي تعاني بدورها من تردي الكفاءات الطبية بسبب قلة عدد الأطباء المتخصصين، وعدم امتلاك بعضهم خبرة كبيرة. وتكتظ العيادات الخاصة بالمرضى، حيث تحتاج إلى حجوزات مسبقة مع احتمال الانتظار نحو أسبوع للحصول على دور.
كذلك يعتبر النقل الداخلي في أسوأ حالاته، إذ تقتصر رحلاته إلى مناطق ريف دمشق على واحدة ذهاباً صباحاً وأخرى إياباً في فترة الظهيرة، ولا تصل إلى المناطق النائية البعيدة عن مراكز المدن، علماً أن خدماتها توفرها ما يُطلق عليه شعبياً اسم "التعليقة" عبر سيارات ومركبات خاصة. كما تعيش مدينة دمشق حالةً صعبة في النقل الداخلي بعد ارتفاع أسعار المحروقات، وتقنين كمياتها المخصصة لسائقي حافلات نقل الركاب.
ويقول عبد الرحمن، من أهالي مدينة دوما بالغوطة الشرقية، لـ"العربي الجديد": "لم ترمم المدارس التي تعرضت لقصف وتدمير من قبل النظام، وهي محرومة من وقود التدفئة، والتلاميذ الذين يذهبون إليها يعودون غالباً مصابين بنزلات برد بسبب عدم توفر مدافئ فيها".

الصورة
وسط أنقاض مخيم اليرموك (لؤي بشارة/ فرانس برس)
وسط أنقاض مخيم اليرموك (لؤي بشارة/ فرانس برس)

خنق درعا
ما زالت معاناة الأهالي في درعا على حالها على صعيد الخدمات، باعتبار أن المحافظة مهد الثورة السورية، واستمرار النظام في اعتقال الأهالي في تصرّف يهدف إلى معاقبتهم والانتقام منهم. ويؤكد عضو "تجمع أحرار حوران" الذي يضم صحافيين وناشطين ينقلون أحداث الجنوب السوري، عاصم الزعبي لـ"العربي الجديد": "هناك خوف حقيقي على المعتقلين القدامى، أي أولئك الذي أودعوا في السجين في فترة ما قبل عام 2014"، علماً أن رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن كان صرح عندما زار درعا بعد اتفاق التسوية عام 2018 أنه "يجب أن ينسى الأهالي أبناءهم المعتقلين قبل عام 2014". ثم كرر رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء كفاح ملحم الكلام نفسه لأهالي المحافظة، وأعلن أنّه يشمل كلّ المحافظات السورية.
وعلى صعيد الخدمات، يشير الحوراني إلى أنّ الكهرباء تأتي لفترات متقطعة وأوقات قصيرة، أما مياه الشرب فيشتريها الأهالي من صهاريج، لأنّ شبكات المياه لا توفر لهم الماء، بسبب عدم وجود وقود في محطات الضخ، وانقطاع الكهرباء عنها.
ويؤكد الحوراني أنّ الأهالي يعيشون أيضاً في معاناة من الشوارع والحفر. ومع بداية توزيع الخبز باستخدام البطاقة الذكية، حرمت عائلات كثيرة من هذه المادة بسبب ضعف شبكة الاتصالات والإنترنت. وعلى صعيد الخدمات الصحية، لا تضم المحافظة عدداً كافياً من المستشفيات لعلاج المرضى، وهناك نقص في المستلزمات الطبية وغياب للأطباء المهرة. أما المحروقات فكمية الـ50 ليتراً التي يوزعها النظام على العائلات غير كافية، علماً أنّ البعض لم يقبل حتى تسلمها.
ويلخص الحوراني الوضع المعيشي للناس بأنّه "سيئ للغاية، لأنّ فرص العمل قليلة، في حين هناك ارتفاع حاد في الأسعار، وفي عمليات السلب على الطرقات في أنحاء المحافظة. واضح أن النظام يخنق الأهالي عبر التضييق عليهم بالمعيشة وقلة المحروقات، وحصر الخدمات في البطاقات الذكية وخفض سرعة الإنترنت وعدم توفير الخدمات اللازمة، وإجبار المرضى على الدخول إلى مناطق سيطرته لتلقي العلاج".

وتخضع محافظة درعا منذ عام 2018 لاتفاق تسوية عقده النظام مع فصائل معارضة فيها، وجرى بموجبه تسليم السلاح المتوسط والخفيف مقابل عودة قوات النظام إلى ثكناتها العسكرية وعدم ملاحقة المدنيين والمعارضين. لكنّ هذه القوات حاصرت أحياء درعا البلدة نحو شهرين في منتصف عام 2021، وهددت حياة الآلاف داخلها بعدما قطعت عنهم المياه والكهرباء، ومنعت دخول الأغذية. ثم جرى التوصل إلى اتفاق أنهى الحصار في نهاية يونيو/حزيران، وأعيدت الخدمات بشكل طفيف للأحياء.

المساهمون