لبنان: رقم قياسي للدولار يشعل أزمة المحروقات مجدداً

لبنان: رقم قياسي للدولار قرب 36 ألف ليرة يشعل أزمة المحروقات مجدداً

02 سبتمبر 2022
محطات وقود عديدة رفعت خراطيمها اليوم مطالبة بزيادة جعالتها (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

يواصل سعر صرف الدولار في لبنان الارتفاع مسجلاً أرقاماً غير مسبوقة منذ بداية الأزمة الاقتصادية، حيث لامس اليوم عتبة الـ36 ألف ليرة لبنانية، ما ارتدّ سريعاً على أسعار المحروقات التي زادت أيضاً اليوم الجمعة بعدما رفعت وزارة الطاقة والمياه الأسعار بعد ظهر أمس الخميس.

واختلف سعر صرف الدولار عند الصرافين اليوم الجمعة، لكنه تراوح بين 35500 ليرة و35800 ليرة لبنانية، بينما سُجِّل تهافت في بعض المناطق اللبنانية للمواطنين إلى الصرافين بهدف بيع دولاراتهم والاستفادة من الارتفاع كما كلّ مرّة، تخوفاً من انخفاضه، ولا سيما أن أسعار السلع تعدّل عند الارتفاع، لكنها تبقى هي نفسها ولو عاد الدولار وانخفض.

وارتفعت أسعار البنزين اليوم أيضاً 2000 ليرة لبنانية، بحيث أصبح سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 603000 ليرة، و98 أوكتان 617000 ليرة لبنانية.

ودفع ارتفاع سعر صرف الدولار ببعض محطات الوقود إلى إقفال أبوابها اليوم، الأمر الذي تُرجِم بزحمة طوابير عند المحطات التي بقيت مفتوحة.

وقد أعلن تجمع أصحاب المحطات في بيان، أنه "بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وأصبح الفرق يشكل أكثر من 70 في المائة من الجعالة التي من الأصل لا تصل كلها، ولا تكفي لسد حاجات المحطات، وبعدما كنا نبهنا إلى أن الإقفال سيكون قسرياً، بدأنا نرى غالبية المحطات تقفل أبوابها لوقف النزف الذي بدأ منذ بداية الأزمة في ظل عدم اكتراث من المعنيين".

وطالب تجمع أصحاب محطات الوقود وزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط، بأن يلحظ جدول الأسعار جعالة أصحاب المحطات الذين يتكبدون الكثير من الخسائر نتيجة الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، ولم تعد لديهم القدرة على الاستمرار، مؤكدين أنهم حريصون "على مصلحة المواطن وتأمين المحروقات، لكن إذا استمرّ الوضع على هذا الحال فإنهم سيضطرون إلى الإقفال الكلي في مختلف المناطق اللبنانية".

ويجد المواطن اللبناني نفسه ضحية جشع التجار وأصحاب محطات المحروقات الذين يستغلون غياب الدولة اللبنانية وأجهزتها المعنية، وحاجة الناس لمادة البنزين بالدرجة الأولى للضغط من بوابتها وتحقيق مطالبهم التي ترتكز على تحقيق أرباح كبيرة، ولو على حسابهم بينما هم باتوا يقنّنون من تنقلاتهم ويحصرونها بتنقلات العمل أو للضرورات القصوى، بعدما باتت كلفة تعبئة خزان الوقود في السيارة تتخطى المليوني ليرة لبنانية، وهو ما لا يكفيه أسبوعاً واحداً.

وبحسب أحدث تقرير لـ"الدولية للمعلومات" (شركة أبحاث ودراسات وإحصاءات علمية مستقلة) في شهر أغسطس/ آب الماضي، فإن الارتفاع الكبير في أسعار البنزين أدى إلى تراجع في الاستهلاك، فقد وصل متوسط الاستهلاك اليومي في العام 2021 إلى 328 ألف صفيحة يومياً، وانخفض في العام 2022 إلى 281 صفيحة يومياً، أي بتراجع مقداره 47 ألف صفيحة ونسبته 14.3 في المائة، وهذا يؤشر إلى المزيد من التراجع في الاستهلاك في حال ارتفاع الأسعار عالمياً أو نتيجة رفع الدعم كلياً عن البنزين أو ارتفاع سعر صرف الدولار.

على صعيد آخر، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تعميماً إلى كل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمجالس والصناديق والهيئات والإدارات ذات الموازنات الملحقة يطلب فيه تحديد كامل التقديمات والمنافع التي يستفيد منها العاملون لديها، وأي نفقة إلزامية أخرى مرتبط احتسابها بالحدّ الأدنى الرسمي للأجور، على أن تكون المعلومات شاملة وتفصيلية وواضحة وعلى مسؤولية من أعدها، وعلى أن ترفع المعلومات المطلوبة إلى المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها 20 يوماً.

ويأتي هذا التعميم، بحسب رئاسة الحكومة، بعد تدني قيمة رواتب موظفي القطاع العام بفعل الوضع الاقتصادي المتدهور، ما يوجب إعادة النظر فيها والعمل على تصحيحها، وانطلاقاً من الارتباط بين هذا الأمر والحدّ الأدنى الرسمي للأجور، ولكون زيادة الحدّ الأدنى للأجور سيترتب عليها أثر مالي على العديد من التقديمات والتعويضات والمنافع الأخرى التي يستفيد منها الموظف في القطاع العام وغيره، ما يوجب إعداد دراسة استباقية لأي إجراء مرتقب قبل اعتماده، في سبيل توضيح انعكاساته على المالية العامة تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب بناءً على المعطيات الواضحة والكاملة، وبعد تحديد أولي لأثره المالي.

ويشهد لبنان شللاً على صعيد مؤسسات الدولة والإدارات المرتبطة بها والقطاع العام، وقد طاول حتى القضاة، وأخيراً قطاع الاتصالات، ولا سيما هيئة "أوجيرو" (اليد التنفيذية لوزارة الاتصالات اللبنانية) التي أضرب أيضاً موظفوها، الأمر الذي أدى إلى انقطاع خدمتي الإنترنت والاتصالات في غالبية المناطق اللبنانية، وقد لحق الضرر حتى بالقطاع الصحي، بحيث اضطرت مستشفيات إلى تحديد أرقام أخرى للطوارئ للوصول إليها.

وقال الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لـ"العربي الجديد" إن "الوضع السيء جداً في البلد والذي أدرجه في خانة "الزفت"، والأفق المقفل، يؤثر على العرض والطلب، فمن ناحية نرى أن الناس تريد الدولار وتقوم بشرائه، خصوصاً أن الكثير من السلع والخدمات في العديد من القطاعات منها الصحية لم تعد تقبل الدفع إلا بالعملة الخضراء، في حين أنه على صعيد العرض نرى أن المواطن لا يبيع دولارات كثيرة، بل بين 50 إلى 100 دولار وأكثر قليلاً لتكفيه حاجاته الأساسية".

ولفت إلى أن هذه الأسباب تؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، الذي لو شهد في فترات معينة انخفاضاً، سيعاود الصعود، خصوصاً أن الأفق كلّه مقفل، في ظل العوامل السياسية والفساد المستشري في المؤسسات وازدياد الأوضاع سوءاً اقتصادياً ومعيشياً، وقرب الاستحقاقات الداهمة أبرزها انتخابات رئاسة الجمهورية مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والتي ترفق بسيناريوهات بدأت تحذر من فوضى أمنية.

ويشدد الخبير الاقتصادي اللبناني على أن المشكلة في لبنان تكمن اليوم بدولرة المصروف لا المدخول، وخصوصاً على مستوى النفقات الأساسية، عدا عن بدء العام الدراسي وفرض المدارس الخاصة أن يتم سداد جزء من أقساطها بالدولار، كذا التأمين الصحي والمستشفيات وغيرها. 

المساهمون