Skip to main content
عودة النشاط السياسي في المغرب: ملفات حامية تنتظر الحكومة
عادل نجدي ــ الرباط
يواصل المغرب مكافحة فيروس كورونا (فرانس برس)

مع اقتراب موعد افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي غداً الجمعة، تجد حكومة سعد الدين العثماني نفسها أمام "دخول سياسي" (عودة النشاط السياسي) غير مسبوق ينذر بمؤشرات ساخنة، في ظل ما يفرضه تفشي فيروس كورونا في البلاد من أسئلة مقلقة ذات طابع اجتماعي واقتصادي. وفرض كورونا سطوته على افتتاح دورة البرلمان، إذ كشفت مصادر في مكتب مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان، لـ"العربي الجديد"، أنه سيتم إلغاء العديد من المراسم التي كان يشهدها افتتاح البرلمان كل سنة، وتقليص حضور البرلمانيين (البالغ عددهم 515 عضواً؛ 395 نائباً برلمانياً و120 مستشاراً)، وأعضاء الحكومة (24 عضواً)، مع الالتزام بالتدابير الاحترازية التي يتم العمل بها منذ الدورة الربيعية الماضية، من خلال الاقتصار على حضور عدد محدود من النواب والمستشارين للجلسات العمومية، وارتداء الكمامات الواقية، وتوزيع أماكن الحاضرين بشكل يحترم التباعد المطلوب. وكشفت المصادر أنه على خلاف ما جرت عليه العادة من حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى مقر البرلمان لترؤس افتتاح الدورة التشريعية الجديدة وإلقاء خطاب توجيهي، سيشهد يوم غد، الجمعة، غياب الملك وولي عهده ومستشاريه عن البرلمان جراء الأزمة الوبائية، وسيقتصر الأمر على بث خطاب افتتاح دورة أكتوبر/ تشرين الأول من القصر الملكي عن طريق تقنية "الفيديو كونفرانس".


من المتوقع احتدام الجدال حول "القاسم الانتخابي"

كما سيقتصر الحضور البرلماني على رؤساء المجموعات البرلمانية واللجان الدائمة ومكتب مجلسي النواب والمستشارين، في حين ستكون الحكومة ممثلة فقط برئيسها سعد الدين العثماني ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد. وفي الوقت الذي يسود فيه ترقّب للقرارات والتوجيهات الملكية المنتظرة بشأن إدارة المرحلة المقبلة، يأتي الدخول السياسي الجديد في خضمّ سياقات استثنائية بكل المقاييس. ومن أبرز سماتها أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة فرضها تفشي كورونا، واستحقاقات مستقبلية متعلقة خصوصاً بالإعداد القانوني واللوجستي لسنة انتخابية مقبلة. كل ذلك بالتزامن مع واقع سياسي دقيق وصعب يتسم بفقدان المواطن الثقة في العملية السياسية والانتخابية. ومع الوضع الصعب الذي فرضه انتشار الوباء في المغرب منذ مارس/آذار الماضي، تجد حكومة العثماني نفسها بين نارين: ضرورة التحرّك لإعادة إنعاش البلاد وإخراجها من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المرشحة للمزيد من التعقيد من جهة، وضرورة إقناع الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية والجمعيات المهنية بخططها ومقترحاتها وبجدية إشراكها في التدبير الجماعي لاحتواء الأزمة، من جهة أخرى. وعلى الرغم من أنّ الأثر النهائي لتفشي كورونا لا يزال ضبابياً، إلا أنه بات في الإمكان ملاحظة تأثيراته على اقتصاد يبدو بمؤشرات متأرجحة يكابد لتجاوز التداعيات الكارثية للوباء على قطاعات حيوية، وتأثيراته السلبية التي قد تعصف بـ"السلم الاجتماعي" في البلاد. وتبدو حكومة العثماني مطالبة، خلال الدخول السياسي المقبل، بتطبيق خطتها للإنعاش الاقتصادي لوقف نزيف اقتصادي ومالي واجتماعي حاد قد لا تتحمله البلاد خلال الأشهر المقبلة. وعلى الرغم من توجيه الاهتمام لمحاصرة تفشي الفيروس صحياً واقتصادياً واجتماعياً، إلا أن هناك العديد من الملفات التي تفرض نفسها على الساحة السياسية، أبرزها الاستعداد لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، خلال السنة المقبلة.


حكومة العثماني مطالبة بتطبيق خطتها للإنعاش الاقتصادي

وفي انتظار استئناف المشاورات السياسية، التي انطلقت منذ أسابيع بين وزارة الداخلية والأحزاب المغربية، تحضيراً للانتخابات التشريعية في 2021، تواجه المشاورات تحدي الحسم في العديد من القضايا الخلافية. فقد تحولت الملفات إلى أسلحة في معركة سياسية حامية بين حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي، وباقي الأحزاب في الأغلبية والمعارضة على حد السواء، لا سيما بعد أن طرح العديد منها مقترحاً بإحداث تغيير على مستوى احتساب "القاسم الانتخابي"، وذلك باعتماد قاعدة المسجلين، أو قاعدة الأصوات المُعبّر عنها، كأساس للاحتساب. ويبدو لافتاً أن الخلاف يبقى واضحاً بين "العدالة والتنمية" وباقي الأحزاب السياسية، بعد أن أعلن الحزب رفضه احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، باعتباره "باطلاً، ولا يمكن قبوله نهائياً، وأنه هو الاقتراع الفردي المُقنع، بل هو أسوأ منه". ودعا إلى إبقاء على النظام الحالي، الذي يقوم على احتساب القاسم على أساس عدد الأصوات الصحيحة. وفي انتظار الحسم النهائي في احتساب القاسم الانتخابي الذي يرى فيه "العدالة والتنمية" إجراء يهدف لتحجيمه، تواجه المشاورات السياسية بين الداخلية المغربية والأحزاب الأخرى عقبات أخرى. وأبرز هذه العقبات، مرتبطة بالاستجابة للمطلب الذي عبّرت عنه بعض قيادات الأحزاب في إحداث لوائح جهوية للشباب والنساء، بدلاً من اللائحة الوطنية المعمول بها حالياً. وفي السنة الأخيرة من عمرها، تراهن الحكومة على مواصلة العمل على ملفات التنمية ومشاريع الإصلاح التي أطلقتها منذ تنصيبها، لكنها تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة ملفات ساخنة، لعل من أبرزها الحفاظ على التماسك الداخلي للائتلاف الحكومي في خضمّ ما يعيشه من صراعات وإشكالات تزيد من صعوبة أداء الحكومة ومهامها. ويعكس تبادل الهجمات بين "العدالة والتنمية" وحلفائه، خصوصاً "التجمع الوطني للأحرار"، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، على امتداد الأسابيع الماضية، صورة واضحة عن مدى انسجام المكونات الرئيسة للأغلبية الحكومية وتداعيات ذلك على الأداء الحكومي. كما يطرح عدم عقد رئاسة الأغلبية اجتماعاتها منذ نحو سنة، الكثير من التساؤلات حول وضعية هذا الائتلاف قبل سنة من الانتخابات. وفيما عاشت الأغلبية الحكومية منذ تشكيلها على وقع خلافات هددت في أكثر من مرة بتفجيرها، يرى مراقبون أن ما تبقّى من الزمن السياسي لتنظيم الانتخابات في 2021 سيكون زمن التطاحن بين مكوناتها، في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها. ويعتبرون أن الخلاف داخل الأغلبية بات أمراً معتاداً منذ حكومة عبد الإله بنكيران، ويتم احتواؤه بسرعة ليظهر من جديد بصورة أخرى، لكن من دون أن يؤدي إلى انفجار تلك الأغلبية أو تفككها.