}

عماء كتّاب إسرائيل الروس: ابتلاء بأكاذيب الصهيونية

منذر بدر حلوم منذر بدر حلوم 18 أبريل 2024
تغطيات عماء كتّاب إسرائيل الروس: ابتلاء بأكاذيب الصهيونية
اعتذرت جامعة كوبرنيكوس البولندية عن استقبال ي. شيختر
وباء العمى الصهيوني يصيب مشاهير الكتاب الروس الذين اختاروا "إسرائيلهم"، فراح يُجن جنونهم، ليس لأنهم ممن قيل فيهم "صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون"، إنما لأن فلسطين ما زالت، رغم دوي الانفجارات وأزيز الرصاص ورائحة البارود وشواء الأجساد، تُصرّ على الحياة، مع زيتونها وبرتقالها وزعترها، وكلما خفتَ صوتُ القتل، يعلو صوتٌ يقول "الصهيوني وحش"، لكن الصوت لا ينبعث من القصب الذي يردد في الحكاية "للملك أذنا حمار" ولا من بئر، إنما من كل شيء حيّ في الأرض المغتصبة، كل شيء في الأرض المقدسة يقول: "الصهيوني وحش". أطفال فلسطين، يرون عُريَه وينطقون بالحق، الأطفال لا يتجملون بدبلوماسية الكبار وعباءاتهم، فيقتل الأطفال. لكن هيهات أن يموت صوت الطفولة الناطق بالصدق "الصهيوني وحش"، وحش قاتل لقدسية الحياة، وللعقل والضمير.

ويطابق مؤتمنو القتل، صانعو المقصلة التي سهّلت عليهم قطع الرؤوس، وأحفادهم صانعو مقصلة "اللاسامية" التي تسهل قطع ألسنة الناطقين بالحقيقة، يطابقون بين الصهيونية وإسرائيل، ثم يقطعون لسان من يقول بهذه المطابقة. إنما الناطق بالحق يقول "دعهم في غيهم يعمهون". فحتى "حيّات الشمس" كما نسمي، في فلسطين الكبرى، تلك السحالي الصغيرة عاشقة الضوء والدفء، تسخر من تهمة "اللاسامية"، حين يدور الحديث عن ممارسات الصهيونية، التي لم يعد عرب "إبراهيم" وقبلهم عرب التطبيع يعدّونها "حركة استيطانية عنصرية".

من شاربي الفودكا إلى شاربي الدم

عند مراجعة الحبر الذي تسفحه أقلامُ الكتّاب الروس- الإسرائيليين، بالتزامن مع ما تسفحه آلة الحرب الصهيونية من الدم الفلسطيني، نقع على منابع مختلفة، علمانية- حضارية تشرب الفودكا، ودينية- قومية تشرب الدم، وبينهما ما شئت، وجميعها يصب في مجرى واحد، هو كراهية العرب، الذين لم يكونوا يومًا ظلاّمًا لليهود، وقَلَّ، حتى في أمة "إقرأ" التي لا تقرأ، من لا يعرف المكانة التي نعم بها اليهود في حاضنة الأندلس العربية، مقارنة، وحتى من دون مقارنة، بما عانوه في أوروبا، وصولًا إلى محرقة النازية، ولم يكن هتلر وأركان حربه من أمة محمد ولا من الناطقين بالضاد. ويبقى من غير المفهوم، إذا استبعدنا العماء والصمم اللذين تصيب بهما الصهيونية معتنقيها، لماذا يدعم كتابٌ روسٌ لجأوا إلى فلسطين المحتلة هربًا من الظلم، لماذا يدعمون ممارسات إسرائيل، التي تبدو هزيلة كلمة "ظالمة" في وصفها، بعد أن بلغت حد الإبادة الصريحة لكل ما هو حي، فراحت تبيد أسباب الحياة نفسها؟

البعض يتحدث عن مشاريع اقتصادية إسرائيلية- أنغلوسكسونية- نفطوعربية، يُباد من أجلِ تنفيذها الفلسطينيون. ولكن، ما شأنُ الكتاب الروس في إسرائيل يرشون مِدادهم ويفرشون الصفحات التي سودوها بحبرهم أمام جرافات جيش الاحتلال ودباباته؟ وماذا عساه يسمى هذا المرض الذي يصيب العقيدة فيجعلها قاتلة، والقومية فيجعلها نابذة، والشخصية فيصيبها بالاضمحلال ويحوّلها إلى أداة؟

أيًا يكن الجواب، فالكاتبُ مؤتمنٌ على الكلمة. أليس "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله"؟ لن أسأل كتّاب إسرائيل- الروس عن علاقتهم بقدسية الكلمة ولا بالرسل، فلا علاقة لصهيوني بالكتاب المقدس، إلا بالوعد. ويقبل عقل التنوير الأوروبي أسطورة الوعد، لأن ضحيتها عربية.

إسرائيل تغسل يديها بالدماء     

ربما لا يطول بنا الوقت حتى نسمع تهمة اللاسامية تطاول الكاتب والروائي والسيناريست الروسي دميتري غرونيوشكين، على ما كتبه في صحيفة "فزغلياد"، في 1 نيسان/ أبريل(1)، حيث دعا روسيا إلى عدم الانتقام لهجوم كروكوس سيتي الإرهابي، وإلى أخذ العبرة من ارتداد وحشية إسرائيل عليها، فقال، بعد أن تحدث عن فظاعة عملية حماس ضد إسرائيل: "لقد تم الانتقام. سقطت غزة. لكن لا نهاية سعيدة لهذه القصة. فبمجرد أن غسلتْ إسرائيل يديها بدماء أعدائها، فقدتْ أصدقاءَها. إسرائيلُ تحولت، بين عشية وضحاها، من ضحية إلى وحش. ولم يعد من الممكن التعاطف معها".

خلاف غرونيوشكين، تجد معظم الكتاب اليهود- الروس، في إسرائيل، يحتفون بقتل الفلسطينيين، ويكرهون روسيا، بل تجد بينهم من يُجلّ ستيبان بانديرا، النازي الذي قاتل في صفوف جيش هتلر، ضد من رضع معهم حليب الأمهات الأخوات أو الجارات، وحبا فدب فتعفّرت أصابع قدميه، حين خطا خطواته الأولى على الترب السوداء واهبةِ الخبز، وشربَ ماءَ السماء، وأضاء وجهَه نورُ شمسٍ لا تميز بين الناس، ولعبَ وركضَ وزعق وشدا، ونما فنمت معه آمال أهله فيه، تجده يقول بـ "طاعون أخضر"، متجاهلًا الطاعون "الأزرق- الأبيض" الذي يتكاثر في خلايا كتّاب الصهيونية كما يتكاثر الطاعون المعروف في الجرذان وبهم. طبعًا، يقولها، مستغفرًا الله عن أن يكون قصده الإساءة إلى الإسلام، لكن لسانه يخذله.

إيغور غوبرمان 


حين يصبح الكاتب نفسه ناقلًا للطاعون

صاحب "الطاعون الأخضر"، هو الكاتب والشاعر ذائع الصيت إيغور غوبرمان، الرجل الذي بلغ من العمر عتيا، فهو من مواليد مدينة خاركوف، عام 1936، واليوم تباع ملايين النسخ من كتبه الروسية في العالم، ويعيش منذ عام 1988، في القدس. ففي واحدة من حلقات برنامج "مضافة غوردون" أذيعت عام 2014، عبّر غوبرمان عن حبه لإسرائيل ونعيم العيش فيها، لولا "الوحوش العرب البشعين"، فهم (نحن)، بحسبه "أشبه بالبهائم"، وقال: "أشعر بالخوف على إسرائيل وأشعر بعزة الانتماء إليها"، مقابل "الخوف على روسيا، والخجل من الانتماء إليها"(2).  

وفي "مضافة غوردون" أيضًا (في أيلول/ سبتمبر2023)(3)، قال غوبرمان في الإجابة عن سؤال: "ألا تخاف من العيش في بلد في حالة حرب؟": "الآفة التي تصيب الإسلام، والتي تسمى الإرهاب، تزحف بسرعة في جميع أنحاء العالم. أخيرًا، في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، أدركت أميركا هذه الحقيقة. وأظن أن إسبانيا بدأت الآن تدرك ذلك بالكامل. لسوء الحظ، أصاب الرب بالعمى دولًا مثل فرنسا. فهي... لخوفها من سكانها العرب، الذين يتزايد عددهم يومًا بعد يوم، وبسبب العقلية اليسارية القذرة التي كانت دائمًا متأصلة في فرنسا، تتخذ اليوم موقفًا حقيرًا تجاه إسرائيل". وأضاف: "الجميع، سوف يعود إلى رشده ذات يوم. لا أريد أن أكون نبيًا أسود، ولكني أتحدث أيضًا، نيابة عن أصدقائي ذوي الثقافة العالية والمعرفة الذين أشرب معهم الفودكا. وجميعهم على قناعة بأن القرن الحادي والعشرين سيشهد صراعًا، بل وحربًا، هوجاء على الإسلام".

ويضيف مبتهجًا باكتشافه: "لقد وجدت اسمًا له. أسميه الطاعون الأخضر منذ عامين. وهذا يُسهّل التعرف على ما يحدث... لقد اخترع الربُ الطاعونَ الأخضرَ في القرن الحادي والعشرين، وهذا الأمر الفظيع واضح بشكل خاص هنا في إسرائيل. فقد وجدنا أنفسنا، نحن اليهود المساكين، مرة أخرى، إذا جاز التعبير، في طليعة النضال. حتى إنني كتبت قصيدة تقول: التاريخ كله يُخبرنا/ عما يخلقه الرب باستمرار/ كُلَّ قرنٍ يَظهرُ قملٌ/ نوع لم يكن معروفًا من قبل/ وها نحن نراه الآن".

رآهم بأم عينه يشوون طفلًا في الفرن!!!    

وها هو الكاتب يعكوف شيختر (والبعض يلفظه شيشتر) (من مواليد أوديسا، 1956)، ويعيش في إسرائيل منذ عام 1987؛ ويعمل محررًا بمجلة تل أبيب الأدبية "أرتيكل"، وفي هيئة تحرير مجلة "22"؛ وقد أسّس مع بيتر ميزوريتسكي وبافل لوكاش نادي تل أبيب للكتاب، عام 1997، ويترأسه، منذ تأسيسه حتى يومنا هذا؛ وقد فاز شيختر بجائزة اتحاد الكتاب الإسرائيليين، على أفضل كتاب نثر لعام 2009، ها هو يعترف باللامعقول، فيقول على صفحته، في فيسبوك (4): "لقد قام فيسبوك بإزالة منشوري، الذي تحدثت فيه عن طفل يجري تحميصه في الفرن على يد حماس، أمام والديه. وهذا، كما ترون، ينتهك الأمن السيبراني". وتصيبه الدهشة لحذف إدارة فيسبوك منشوره، فيقول: "من الصعب العثور على مثال أوضح على ازدواجية معايير فيسبوك وأكاذيبه".

وتزداد دهشة الكاتب المؤتمن على الكلمة حين تعتذر جامعة كوبرنيكوس عن استقباله، فكتب في 8-3-2024: "أشارت إدارة جامعة نيكولاس كوبرنيكوس في مدينة تورون البولندية، ثم جامعة وارسو، إلى لقاءات مبرمجة مسبقًا مع الكاتب الإسرائيلي يعكوف شيختر، الموجود حاليًا في بولندا. وحسب موقع ewsru.co.il، تمت دعوة شيختر للتحدث إلى طلاب قسم الدراسات السلافية في جامعة كوبرنيكوس... كان هذا أول حضور له في جامعات بولندا. ولكن قبل وقت قصير من الاجتماع، كتب العديد من الطلاب، بعد أن قرأوا منشورات شيختر على فيسبوك ورأوا أنه يؤيد أعمال الجيش الإسرائيلي ضد الإرهابيين في غزة، رسالة إلى العميد قائلين إنهم لا يريدون مقابلة شخص "فاشي وعنصري". فألغت عميدة كلية العلوم الإنسانية فيوليتا فروبليوسكا اللقاء"(5).

وبحسب شيختر، كان هذا مظهرًا من مظاهر "تسييس المؤسسة الأكاديمية". وقبل يوم من موعد كلمته في جامعة وارسو، ألغيت استضافته. ووفقًا له، اتخذت الإدارة قرارها، بعد تلقيها معلومات من جامعة كوبرنيكوس.

ختاما أقول: جميلٌ أن كوبرنيكوس، الذي اختار الموت على نكران الحقيقة، ما زال حيًّا في جامعته. "الأرض تدور، حقًا تدور"، وطالما هي تدور، فلن ينتصر الباطل. ستشرق شمس الحق من جديد، وتبدّد أكاذيب إسرائيل. وجميع من لا يعميهم الرماد الذي تذروه الصهيونية في العيون، ولا يصم آذانهم صوت الباطل عن رؤية وحشية إسرائيل وسماع أنين ضحاياها، يدركون أن أحفاد الضحايا قادمون، بالحق، بالسلام، بقوة الحياة، قادمون، وسيجعلون الصهيونية نفسها "هشيمًا تذروه الرياح"، فيعود البصر والبصيرة إلى من أصابهم العمى والصمم الأخلاقي، من اليهود المبتلين بالصهيونية، قبل غيرهم.

(1) https://vz.ru/opinions/2024/4/1/1260569.html
(2)https://rb.gy/a5hwil
(3)  http://guberman.lib.ru/stat_5/pm.htm 
(4) https://www.facebook.com/photo/?fbid=6378038895634061&set=a.124971184274228
(5) https://stmegi.com/posts/116196/polskie-vuzy-otmenili-vstrechi-s-izrailskim-pisatelem-yakovom-shekhterom-iz-za-ego-podderzhki-operats/?ysclid=lud5jue0y8468074742

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.