}

لست في حالة حِداد. لدي ألم

رولان بارت 30 مايو 2018
ترجمات لست في حالة حِداد. لدي ألم
لوحة الفنان عبد الكريم الأزهر


من 26 أكتوبر 1977 ، في اليوم التالي لوفاة والدته، إلى 15 سبتمبر 1979 ، قام رولان بارت بتسجيل يوميات الحِداد، 330 ورقة مؤرخة في معظمها، ونشرت لأول مرة في عام 2009.

                                                                                    

11 نوفمبر 1977

العزلة = عدم وجود أي شخص في المنزل لتتمكن من قول: سأعود في هذا الوقت أو عدم إيجاد أحد لإخباره: حسنا، لقد عدت.

 11 نوفمبر 1977

ينتابني شعور بالخجل، ما يشبه الذنب لأنني أعتقد أن حدادي مجرد انفعالية.

ولكن ألم أكن طوال حياتي هكذا: مهزوزا؟

15 نوفمبر 1977

هناك وقت يكون فيه الموت حدثا، مغامرة. وعلى هذا النحو، يعبئ، يستأثر، يوزع، يشحذ، يشل الحركة. ثم في يوم ما، لا يصير حدثا، فقط استمرارية أخرى، مضغوطة، تافهة، بلا رواية، كئيبة، وبدون حق الرجوع: حِداد أكيد غير قابل لأي جدلية سردية.

15 نوفمبر 1977

إما أنني ممزَّق أو غير مرتاح بالكامل

وأحيانا تلفحني نفثات الحياة.

16 نوفمبر 1977

الآن، في كل مكان، في الشارع، في المقهى، أرى كل فرد ينتمي لسلالة "في وجه -الموت"، بشكل لا مرد له، وهذا يعني بالتحديد: الفاني. – و بنفس القدر من الوضوح، أراهم يجهلون الأمر.

16 نوفمبر 1977

أحيانا تهبُّ نسائم الرغبات (على سبيل المثال رحلة إلى تونس)؛ بيْد أنها رغبات الماقبل – المفارِقة؛ تأتي من شاطئ آخر، تجيء من بلد آخر، بلد الماقبل. اليوم، هو بلد مسطح، كئيب – تقريبا غير مزود بالماء بالكامل – وفي حالة بائسة.

17 نوفمبر 1977

(نوبة ألم)

(لأن فاء تكتب لي أنها ترى أمي في رويل، ترتدي الرمادي)

الحِداد: منطقة فظيعة حيث لم أعد أشعر بالخوف.

18 نوفمبر 1977

لا تُظهر الحداد (أو على الأقل أن تكون غير مبالٍ بذلك)، لكن عليك أن تفرض الحق العام في العلاقة المحببة التي ينطوي عليها.

19 نوفمبر 1977

أتطلع بفزع فقط لمجرد احتمال اللحظة حيث ذكرى تلك الكلمات التي قالتها لي لن تبكيني بعد الآن...

19 نوفمبر 1977

السفر من باريس إلى تونس، سلسلة من أعطال الطائرة. إقامة بلا نهاية في المطارات بين حشود التونسيين العائدين بمناسبة عيد الأضحى. لماذا ترافق كارثة هذا اليوم من الأعطال الحِداد بشكل جيد؟

21 نوفمبر 1977

الفوضى، الملكية الشاغرة، اللامبالاة: وحدها صورة الكتابة، عبر دفقاتها مثلما "شيء يحث الرغبة"، ملاذ، "سلام"، مشروع، "حب" موجز، فرح. أفترض أن تلك المتدينة المخْلصة تمتلك ذات الارتقاءات إلى معبودها.

21 نوفمبر 1977

دائما هذا الاختلال المؤلم (بما أنه غامض، غير مفهوم) بين سلاستي في الحوار، جذبِ الاهتمام، الملاحظة، العيش كما من قبل، ونوبات الألم. معاناة إضافية لعدم قدرتي أن أكون "غير منظم" أكثر. لكن ربما من حكمٍ مسبق أعاني.

21 نوفمبر 1977

منذ وفاة أمي..ما يشبه الهشاشة في جهازي الهضمي – كما لو أصبت حيث كانت توليني أقصى قدر من العناية: التغذية. (على الرغم من أنها لم تعد تقوى على إعداد شيء بنفسها لشهور).

21 نوفمبر 1977

أعرف الآن من أين يأتي الإحباط: بعد قراءة مذكراتي لهذا الصيف، أنا "مسحور" مأخوذ ومصاب بخيبة أمل: لذلك الكتابة في أقصى الحدود ليست سوى سخرية. الإحباط يكون بالموعد، عندما من أعماق ألمي، لن أكون قادرا حتى على التمسك بالكتابة.

25 نوفمبر 1977

ذهولي – وإذا جاز التعبير فإن قلقي (عدم ارتياحي) يرجع في الواقع، ليس إلى الافتقار (لا أستطيع وصفه بنقص، حياتي ليست غير منظمة). و لكن إصابة، شيء يؤذي قلب الحب.

25 نوفمبر 1977

+ عفوية

ما أسميه عفوية: هذه الحالة القصوى فقط حيث الأم، على سبيل المثال، لا تفكر في معاناتها، تقول لي "أنت غير مرتاح، أنت تجلس بشكل سيئ" (لأنني أروّحها بالمروحة جاسا على المقعد).

26 نوفمبر 1977

يخيفني على الإطلاق الطبيعة المتقطعة للحِداد.

28 نوفمبر 1977

لمن يمكنني توجيه هذا السؤال (بأمل الإجابة):

مواصلة العيش بدون من نحبه يعني أننا أحببناه أقل مما افترضنا..؟

28 نوفمبر 1977

البرد، الليل، الشتاء. أنا دافئ ووحيد. وأنا أفهم أنه من الضروري أن أعتاد على هذه العزلة بشكل طبيعي، فيما أتصرف، وأعمل هناك، مصحوبا وملازَما بـ"حضور الغياب".

29 نوفمبر 1977

     → "الحداد"

أوضحت لألف صاد، في مونولوج، كيف أن حزني فوضوي، غير منظم، في ما يقاوم الفكرة السائدة لدى العامة – والتحليل النفسي – لحِداد مشروط بالوقت، يتحول إلى جدلٍ، يتآكل، ويضمحل. لم يسلبني الحزن شيئا في الوقت الراهن لكن في المقابل لم يتراجع.

 

- يرد علي قائلا: ذلك هو الحداد (وبهذه الطريقة يشكل نفسه في موضوع المعرفة والحد)

- أنا أعاني لا أستطيع تحمل الحد.

- للتعميم – كركيكارد – حزني: يبدو كما لو يسرق مني.

[شرح إلى ألف صاد]   

الحداد: لا يُستنفذُ، لا يخضع للاستهلاك، للوقت. لحظات فوضويةٌ، وغير منتظمة، (من الألم / من حب الحياة) طازجة للتوِّ كما في اليوم الأول.

الموضوع (الذي أنا) متواجد فقط هنا، في صيغة المضارع ≠ التحليل النفسي: القرن التاسع عشر: فلسفة الزمن، الإزاحة، والتأهيل بمرور الزمن (العلاج)، نظرية العضوية.

30 نوفمبر 1977

لا تقل الحِداد. هذا إفراط في التحليل النفسي، لست في حالة حِداد. لدي ألم.

30 نوفمبر 1977

في كل "لحظة" من الحزن، أعتقد أنها ذاتها المرة الأولى التي أضطلع فيها بحدادي.

وهذا يعني: كلية من الكثافة.

7 ديسمبر 1977

الآن، في بعض الأحيان، يتنامى بداخلي، بشكل غير متوقع، مثل فقاعة تنفجر: الملاحظة التالية: لم تعد موجودة، لم تعد موجودة هنا، للأبد وبصورة كاملة. هذا قاتم، بدون صفة. متهافت في فقدانه للمعنى (دون تفسير محتمل).

ألم جديد

7 ديسمبر 1977

الكلمات (البسيطة) للموت:

"!هذا مستحيل "-

" لماذا؟ لماذا ؟؟ "-

"للأبد"-

إلخ

8 ديسمبر 1977

الحِداد ليس تحطيما، بل عرقلة (مما يَفترض "مليئا")، لكن توافره مؤلم: إنني في حالة تأهب؛ مترقبا، أختلس النظر إلى زيارة "معنى الحياة".

9 ديسمبر 1977

الحِداد: شعور بالضيق، حالة مجردة من إمكانية الابتزاز.

29 ديسمبر 1977

العصي عن الوصف ينبجس من كوني لا أُعمل على هسترته: شعور مستمر بعدم الارتياح، خاص جدا.

01 يناير 1978

أورت، حزن شديد ومتواصل، مجلود باستمرار. الحِداد يتفاقم، يتعمق. في البداية، الشيء غريب، كان لدي نوع من اهتمام باستكشاف الوضع الجديد (العزلة).

16 يناير 1978

عالمي: مطفأ. لا شيء يتبلور هناك، لا شيء يُرجِع الصدى.

18 يناير 1978

البلاعلاج هو ما يمزقني ويحتويني في آن معا. (لا يوجد احتمال هستيري بالابتزاز للمعاناة، بما أن اللعبة انتهت).

12 فبراير 1978

شعور صعب (غير مريح، محبِط) من الحاجة إلى العطاء. أنا أعاني.

لا أستطيع إلا أن أضع هذا في علاقة مع صورة الأم، المعطاءة بشكل مثالي. (وهي التي كانت تقول لي: أنت طيب).

ظننت لما اختفت، أنني سأطهر هذا الاختفاء بهالة من كمال "الطيبة"، التخلي عن كامل الشفقة، كامل الغيرة، كامل النرجسية.  فأصبحت أقل "نبلا"، أقل "كرما".

12 فبراير 1978

ثلج، الكثير من الثلج في باريس. هذا غير مألوف.

أقول لنفسي متألما: لن تكون هنا لرؤيته، أو لمجرد أن أتمكن من إخبارها عنه.

16 فبراير 1978

!هذا الصباح، لا يزال يتساقط الثلج، على الراديو، الأغاني الألمانية. يا له من حزن

أفكر في الصباحات، وأنا مريض، لم أكن أذهب للمدرسة، عندما كنت سعيدا بالبقاء برفقتها.

18 فبراير 1978

الحِداد: اكتشفت أنه غير قابل للتغير ومتقطع: فهو لا يُستنفد لأنه غير متصل.

إذا كانت التقطعات، القفزات المرتبكة إلى شيء آخر تأتي من الرغبة في المخالطة، من الحرمان، فإن الاكتئاب يأخذ في التعمق. ولكن إذا كانت هذه "التغييرات" (التي تصنع التقطع) تذهب نحو الصمت؛ فإن جوانية؛ جرح الحِداد يرتقي إلى مستوى أعلى من التفكير. تفاهة (التهافت) ≠ نبل (العزلة).

18 فبراير 1978

اعتقدت أن موت أمي..من شأنه أن يجعلني شخصا "قويا" حالما أصبحت لامباليا بالحياة الاجتماعية. لكن كان العكس: أنا أكثر هشاشة. (طبيعي: بالنسبة للاشيء في حالة الهجر).

2 مارس 1978

الشيء الذي يجعلني أتحمل موت أمي.. يبدو وكأنه نوع من التمتع بالحرية.

6 مارس 1978

معطفي كئيب لدرجة أن الوشاح الأسود أو الرمادي الذي أضعه دائما، يبدو لي أن أمي. لم تكن لتؤيده وسمعت صوتها يطلب مني أن أضع لمسة من الألوان.

لأول مرة، إذن، أضع وشاحا ملونا (اسكتلنديا).

 

مقالات اخرى للكاتب

ترجمات
30 مايو 2018
ترجمات
4 أبريل 2018
ترجمات
6 يونيو 2017

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.