}

كشف تفاصيل مخفية بجداريات مقابر مصرية قديمة بالتصوير الكيميائي

سارة عابدين 21 سبتمبر 2023
استعادات كشف تفاصيل مخفية بجداريات مقابر مصرية قديمة بالتصوير الكيميائي
جدارية في قبر مينا

بدأت دراسة الجدران المصرية القديمة مع ظهور علم المصريات خلال القرن التاسع عشر بعد نشر كتاب "وصف مصر" الذي كتبه ودوّنه العلماء المرافقون لنابليون بونابرت في أثناء الحملة الفرنسية على مصر، ما أتاح الكثير من المعلومات المصدرية والموثقة عن التاريخ المصري القديم. بحلول الثلاثينيات من القرن الماضي كان هناك الكثير من العينات التي أظهرت الأصباغ المستخدمة وأدوات الطلاء، وأجريت أغلب هذه الدراسات على القطع الموجودة في المتاحف بينما ظلت جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة بعيدة عن الدراسة العملية، واستخدمت لعبة التخمين المعتادة لملء الفراغات المتبقية، حتى بدأ استخدام التصوير الكيميائي داخل المقابر لإكمال الأجزاء المفقودة، وأظهر هذا النهج تقدمًا مذهلًا في التعرف على الأشكال المفقودة، خاصة بعد نهب الكثير من المقابر أو التنقيب الخاطئ بداخلها بواسطة صائدي الكنوز وعلماء الآثار الأوائل. 

أعيد رسم وبناء تلك الأجزاء التالفة عن طريق التخمين لكن هناك أيضًا تقنيات حديثة تستعمل الأشعة السينية لتحديد شكل الأجزاء التالفة أو غير المرئية تمامًا حيث صنعت الدهانات والأصباغ التي استخدمها المصريون القدماء من المعادن، وبالتالي فهي لها علامات كيميائية محددة، استطاع العلماء تحديد هذه العلامات الكيميائية الموجودة في الأصباغ باستخدام الأشعة السينية لإظهار المناطق التالفة في الرسوم المصرية القديمة وهو أمر نادر في استكشاف الفن المصري القديم لكنه يعتبر طريقة أكثر موثوقية ودقة كما يساعد في التعرف على التمثيلات المعقدة في استخدام الألوان في الرسوم المصرية القديمة.

الألوان في الرسوم المصرية القديمة

مثل كل جوانب الفن المصري القديم كان استخدام اللون في اللوحات رمزيًا ومنظمًا وصارمًا ولم يكن مرتبطًا برغبة الفنان أو خياله الشخصي، واعتمد الرسامون المصريون على ستة ألوان في لوحاتهم هي: الأزرق والأحمر والأخضر والأصفر والأبيض والأسود، ويشير الأحمر إلى القوة والحياة والانتصار بالإضافة إلى الغضب والجحيم، أما الأخضر فيرمز إلى الحياة الجديدة والنماء والخصوبة بينما يمثل اللون الأزرق الخلق والبعث ويرمز اللون الأصفر إلى الأبدية مثل الشمس والذهب، لذا كان اللون الأصفر يشير إلى الإله رع ولنفس السبب بنيت التوابيت الخاصة بالملوك من الذهب لترمز إلى الأبدية، أما اللون الأبيض فيشير إلى النقاء ويرمز لكل ما هو مقدس وعادة ما تلون به أغراض الكهنة التي تستخدم في الطقوس المقدسة.

تتضمن تكنولوجيا التصوير الكيميائي بالأشعة السينية فحص الكسور عن طريق عمل خريطة لسطح اللوحة وصولًا إلى عمق المستوى الجزيئي


مع تغير الأسر والملوك طالب كل من البلاط الملكي والتسلسل الكهنوتي بأعمال فنية أكثر تعقيدا لأسباب دينية ورمزية، ما أدى إلى تزايد الطلب على أصباغ الطلاء وحتمية تطوير طرق صناعة الطلاء فأصبحت هناك طريقتان للحصول على مصادر الألوان؛ أولا نظام صناعي للتعدين ومعالجة الخامات، ثانيا ترتيبات تجارية واسعة مع الموردين من البلاد الأجنبية للحصول على درجات مختلفة من الأصباغ ما أدى إلى توسيع نطاق درجات الألوان المتاحة للرسامين. صنع اللون الأحمر من أكسيد الحديد الأحمر، أما اللون الأخضر فقد صنع من خام النحاس الأخضر الطبيعي، واللون الأزرق صنع من سيليكات النحاس والكالسيوم، أما الصبغة الصفراء فقد صنعت من مادة الأوربيمنت وهي مادة ذات سمية مرتفعة وثبات قليل. صنع اللون الأبيض من مشتقات الجبص، أما اللون الأسود فقد صنع من فحم الكربون. من خلال التعرف على التركيبات الكيميائية الأساسية استطاع فريق فيليب مارتينيز التعرف على الألوان الأصلية للوحات عن طريق التصوير الكميائي الجزيئي.

أكثر مما تراه العين البشرية

قال فيليب مارتينيز، عالم المصريات في جامعة السوربون في باريس، والمسؤول عن الدراسة التي نشرت في مجلة Plose One: "الطريقة التي تعاملنا بها مع هذه الأعمال الفنية من قبل كانت نظرية بحتة وقد اعتبرت إلى حد ما أمرًا مفروغًا منه ولم ينظر أحد بالفعل إلى وجهة نظر هؤلاء الفنانين ونحن نريد أن نعرف كيف صنعت هذه اللوحات".

تتضمن تكنولوجيا التصوير الكيميائي بالأشعة السينية فحص الكسور عن طريق عمل خريطة لسطح اللوحة وصولًا إلى عمق المستوى الجزيئي والتعرف على الخصائص الكيميائية التي تشير إلى نوع المعدن واللون المستخرج منه، ثم التصوير الطيفي الفائق الذي يحلل الرسم على أطوال موجية متعددة وهي الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء التي تكشف أكثر مما هو مرئي للعين البشرية.

يعد هذا العمل جزءًا من مشروع كبير يهدف إلى البحث في المقابر المصرية القديمة في فترة الرعامسة (حوالي 1330: 1069 ق.م) في عصر الأسر 19 و20 بمقابر طيبة الجنائزية التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل قبالة مدينة الأقصر. ومن أجل فهم النهج التقني الذي تطور على مدى أكثر من 3000 عام وسع الباحثون نطاق البحث زمنيًا ومكانيًا وصولًا إلى مقابر الأسرة 18 والتي كانت مزينة بجداريات للمتوفي تمثل مشاهد من حياته التي عاشها على الأرض بالإضافة إلى مشاهد من مستقبله في نعيم العالم الآخر.

تم اكتشاف تفاصيل مخفية في اللوحات المصرية القديمة باستخدام تقنية التصوير الكيميائي


تغيرات غير مرئية في جدارية لمينا ورمسيس الثاني

باستخدام مسدسين من مسدسات التصوير بالأشعة السينية قام الباحثون بمسح لوحتين واحدة للملك مينا في مقبرته والثانية للملك رمسيس الثاني في مقبرة نخت آمون، ومن خلال التصوير الإشعاعي الذي يخترق طبقات متعددة من الرسم استطاع الباحثون تصوير العديد من الخرائط الكيميائية التي تحدد بالتفصيل مواقع الصبغات الملونة في الصور، ومن خلال تحليل موقع كل صبغة لونية وتقييم الاختلافات التركيبية بين الصبغات تمكنوا من تحديد العديد من التعديلات التي حدثت على اللوحات الجدارية.

تصور الجدارية الأولى الملك مينا مع زوجته وهما يشاركان في طقوس عبادة أوزوريس، ويظهر في اللوحة الملك مينا رافعًا ذراعيه أمام وجهه، ومع ذلك فإن الفحص البصري الدقيق أظهر رسمًا آخر مختفيًا تحت الرسم النهائي، حيث ظهرت ذراع ثالثة يبدو أنها كانت مرسومة ثم تم محوها عن طريق طلائها بطبقة سطحية بيضاء قبل رسم الذراع الجديدة بزاوية مختلفة قليلا، أما عن جدارية الملك رمسيس الثاني فقد كشف التحليل الضوئي عن وجود تعديلات على تاج الفرعون وصولجانه وقلادته. لعبت هذه اللوحة دورًا رئيسيًا في تحديد عمر مقبرة نخت آمون، حيث صور رمسيس الثاني وهو يرتدي لحيته التي ترمز إلى الحزن في ذلك العصر، ويمكن أن تشير إلى حزنه على وفاة والده. بناء على تلك الملاحظة فإن المقبرة تنتمي إلى عهد رمسيس الثاني خلال الأسرة التاسعة عشر (1292: 1190 ق.م).

أوضح ذلك البحث أن الفن الفرعوني وظروف إنتاجه كانت أكثر ديناميكية وتعقيدًا مما كان يعتقد سابقًا، حيث كان ينظر إلى الحضارة المصرية القديمة على أنها حضارة رسمية للغاية في منتجها الإبداعي، لكن يبدو أن الرسامين الذين كلفوا بالأعمال الفنية أضافوا لمساتهم الشخصية سواء بناء على طلب أصحاب الجداريات أو بمبادرة شخصية من الفنانين أنفسهم.


مصادر:
 

https://www.cnrs.fr/en/secrets-egyptian-painters-revealed-chemistry
https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0287647
https://theconversation.com/how-hidden-details-in-ancient-egyptian-tomb-paintings-are-revealed-by-chemical-imaging-209630
 https://edition.cnn.com/2023/07/13/style/ancient-egyptian-uk paintings-hide-secret-scn/index.htm
https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.028764
https://www.technologynetworks.com/analysis/news/hidden-details-in-ancient-egyptian-paintings-revealed-with-portable-chemical-imaging-376090

 

https://www.cnrs.fr/en/secrets-egyptian-painters-revealed-chemistry

 

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC10337869/#pone.0287647.ref022

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.