}

ذكرى ميلاد يوجين ديلاكروا: أهمية اللون والخيال في اللوحة

سارة عابدين 28 أبريل 2019
استعادات ذكرى ميلاد يوجين ديلاكروا: أهمية اللون والخيال في اللوحة
لوحة (الحرية تقود الشعب) لديلاكروا في متحف اللوفر بباريس(Getty)
يعتبر يوجين ديلاكروا، الذي صادف عيد ميلاده يوم 26 أبريل الحالي، أهم فناني الحركة الرومانسية في الفن الفرنسي خلال القرن التاسع عشر.
ولد ديلاكروا في شارنتون سان موريس في باريس في 26 أبريل 1798، وتوفي فيها يوم 24 أغسطس 1863.
كان ديلاكروا أصغر أربعة أطفال مولودين لأبويه. وكان والده تشارلز ديلاكروا وزير الخارجية الفرنسي في ظل نظام نابليون بونابرت. وكانت حياته المبكرة مليئة بالخسائر والأحداث السيئة، مثل وفاة والده عندما كان في سن السابعة، ومقتل أخيه في واحدة من المعارك الفرنسية وهو في سن التاسعة، بالإضافة إلى وفاة والدته عام 1814 وهو في السادسة عشرة من عمره.
في وقت مبكر من حياته هاجمت ديلاكروا نوبة من مرض الدرن الذي لم يفارقه طوال حياته، ما سبب له قلقا مستمرا على صحته. وفي محاولة منه للحفاظ على صحته، ارتدى دائما وشاحا مربوطا حول رقبته، وقد أصبح ذلك الوشاح من العلامات المميزة لديلاكروا.
بدأ ديلاكروا ممارسة الفن في سن مبكرة، بتشجيع من عمه الفنان هنري فرنسوا ريسينر، وبدأ الدراسة في ستوديو الرسام بيير نارسيس غرين، وفي الثامنة عشرة من عمره التحق بمدرسة الفنون الجميلة بباريس.

المدرسة الرومانسية
أعطت الثورة الفرنسية دفعا عظيما للاهتمام بالتاريخ، وتصوير موضوعات البطولة. غير أن مفهوم الفن اكتسب معنى مختلفا في ذلك الوقت، ولم يعد أنجح الفنانين هو أكثرهم محاكاة للكلاسيكية أو أكثرهم كسبا للمال، لكنه أصبح مفهوماً يتجدد من خلال مجموعة من الأشخاص المنعزلين أصحاب الجرأة والشجاعة والمثابرة، للتفكير بما يناسبهم، وفحص التقاليد القديمة فحصا نقديا واستكشاف خلق إمكانات جديدة لفنهم.
كان ديلاكروا شخصية معقدة ومتنوعة، وتظهر يومياته التي كتبها أنه كان ينفر من اعتباره نموذجاً للثائر المتعصب. لكنه بالفعل لم يقبل المعايير الفنية الأكاديمية، وضاق بالحديث عن فنون الإغريق والرومان، مع الإلحاح على الرسم الدقيق والمحاكاة المستمرة للتماثيل الكلاسيكية.

أسلوب ديلاكروا
كانت لديلاكروا نظرة فنية أكثر تجديدا ومعاصرة، وكان يعتقد بأهمية اللون في اللوحة أكثر من الخطوط، وبأهمية الخيال أكثر من اليقين والمعرفة، كما اشتهر باستقلاله الفني، وبتحدي التقاليد

الفنية الفرنسية، من خلال عدم تقدمه لجائزة "prix de rome" المرموقة والتي كانت تعتبر الطريقة المعتادة في ذلك الوقت لاكتساب التقدير المهني. وبدلا من ذلك أسس نفسه كفنان من خلال المعارض المنتظمة في الصالونات العامة منذ عام 1822.
ابتعد ديلاكروا عن الموضوعات التقليدية الكلاسيكية واعتمد مقاربات أكثر حداثة لتصوير الأحداث الجارية بشكل روائي درامي وبألوان قوية ساطعة وتكوينات شديدة الديناميكية. ويمكن ملاحظة ذلك في أعماله الملحمية مثل مشاهد من مذبحة خيوس (1824)، والحرية تقود الشعوب (1830). وساعدت هذه الأعمال في ترسيخ اسم ديلاكروا كرائد للحركة الرومانسية.

فترة النضوج الفني
في عام 1832 سافر ديلاكروا إلى بلاد المغرب بصحبة الكونت تشارلز دي مورناي، الذي كان سفيرا خاصا للملك لويس فيليب. وقضى ديلاكروا ستة أشهر متنقلا بين أنحاء البلاد، وقام بتوثيق الرحلة من خلال الأعمال الفنية.
كانت للمعالم والأصوات والثقافة العربية الجديدة تأثير كبير على ديلاكروا، لا سيما الأشخاص وملابسهم المتوهجة، وضوء الشمس وأجواء البحر الأبيض المتوسط، ما أدى إلى خلق مجموعة كبيرة من الأعمال المستوحاة من تلك الرحلة.
كتب ديلاكروا في يومياته عندما شاهد غارة الخيول في طنجة: "كانت الخيول منذ البداية ترفع أيديها وتدخل في قتال ضار جعلني أرتجف خوفا على فرسانها، لكن منظرها الرائع كان جديرا بالتصوير. أنا على يقين من أنني شهدت منظرا غريبا وغير مألوف تماما".
وبالفعل صور ديلاكروا ذلك المشهد في لوحته "فرسان عرب أثناء الإغارة" عام 1832، والتي يظهر فيها بقوة أفكاره، فلا وضوح في الخطوط العامة، ولا صياغة للجسد العاري بالتدريج الدقيق للضوء والظل، ولا تكلف في التكوين، ولا موضوع وطني أو تعليمي. كل ما أراده ديلاكروا هو جعل المتفرج يشاركه لحظة بالغة الإثارة، وابتهاجه بالحركة النابضة، في المشهد الذي يمثل أجواء غير مألوفة، مع الفرسان العرب المتقاتلين المندفعين، والحصان الأسود الواقف على رجليه في مقدمة اللوحة.

العودة إلى فرنسا
عند عودة ديلاكروا إلى فرنسا كلف بالعديد من الوظائف الرسمية، وقام برسم العديد من الجداريات مثل جدارية كنيسة سان سولبيس، ومشاهد مكتبة قصر لوكسمبورغ. واستنزفت تلك الأعمال الزخرفية صحة ديلاكروا، وبدءا من عام 1844 قضى المزيد من الوقت في منزله الريفي بتشامبروساي، حيث كان بإمكانه الراحة والتعافي.
في السنوات الأخيرة من حياته المهنية استمد ديلاكروا إلهامه من الطبيعة، ورسم العديد من الأعمال التي تصور الأزهار والحدائق، كما واصل الاهتمام باللوحات كبيرة الحجم. في عام 1850 تم اختياره لرسم مشهد أسطوري على السقف الرئيسي لمعرض أبولو بمتحف اللوفر. تمت الإشادة بهذا العمل على نطاق واسع، وأثرت تلك الأعمال على فنانين أكثر حداثة مثل أوديلون ريدون الذي تأثر بشكل مباشر بلوحة السقف بمتحف اللوفر.
حصل ديلاكروا على تقدير كبير إلى درجة أن أعماله الأكثر تسييسا وإثارة للجدل مثل "الحرية تقود الشعوب" لم تعرض إلا بعد تدخل الإمبراطور الذي أصر على إدراجها. وفي عام 1857 تم أخيرا انتخابه رئيسا لأكاديمية الفنون الجميلة بعد سبع محاولات فاشلة.
استمر ديلاكروا في الرسم حتى نهاية حياته، لكنه ركز بشكل متزايد على الأعمال ذات الطابع المسيحي. وبالرغم من إنتاجه الفني الكبير، إلا أنه قرب نهاية حياته كتب عن إرثه متسائلا "ماذا سيفكرون بي عندما أكون ميتا".

أهم أعمال ديلاكروا
مشاهد من مجزرة خيوس، 1834
وهي عبارة عن مجموعة من الرجال والنساء والأطفال اليونانيين المفجوعين، وهم يتجمعون

على الأرض، بعضهم قتلى والبعض بالكاد على قيد الحياة. واللوحة مستوحاة من الأحداث التي اندلعت أثناء حرب الاستقلال اليونانية عام 1822، والتي غزت خلالها القوات العثمانية التركية جزيرة خيوس، وقامت بقتل الآلاف من اليونانيين.
لم يتم استقبال اللوحة بشكل جيد عند عرضها في صالون باريس عام 1834، حيث شعر الكثير من النقاد أنه يصور الإغريق كضحايا، بدلا من تصويرهم كمقاتلين شجعان. لكن ديلاكروا ظل كعادته يحارب ردود الفعل السلبية على لوحاته، ويرجع ذلك إلى اختلاف مفهوم الجمال بينه وبين المحيطين به. ومع ذلك فإن مقارباته ستجتذب فيما بعد زملاءه الفنانين، والمشاهدين، وتساعد في إطلاق الحركة الرومانسية، والتأثير على أعمال فنانين أكثر معاصرة مثل غوستاف كوربيه، وإدوارد مانيه.

سقف أبولو، 1850
تعرض لوحة أبولو قصة من الأساطير القديمة، يطلق فيها الإله أبولو السهام على الثعبان العملاق بيثون أثناء وجوده بمركبته. يمكن من خلال المشهد المصور رؤية الآلهة الأخرى بمن في ذلك ديانا أخت أبولو، المتمركزة خلفه وهي تحمل جعبة سهام، وكذلك هرقل وميركوري ومينيرفا وفولكان. ومن أعلى السماء تنحدر علامات النصر إلى تاج أبولو.
يرجح مؤرخو الفن أن ديلاكروا اختار تلك الأسطورة كاستعارة لمثابرة الشعب الفرنسي خلال سنوات الثورات، في حين حاول آخرون تمثيل الأسطورة كانتصار شخصي لديلاكروا.
هذه اللوحة يظهر فيها أسلوب ديلاكروا من خلال اللون والضوء والتكوين المجازي الدرامي، وتظهر الأشكال الطيبة بألوان زاهية ونابضة بالحياة، بينما قوى الشر تظهر بألوان وظلال داكنة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.