}

كيف تُقرأ الصورة؟

سارة عابدين 26 يناير 2020
آراء كيف تُقرأ الصورة؟
لوحة الرسّام الهولندي يوهانِس فيرمير "المرأة التي تصب الحليب"(Getty)
للفنون البصرية أهمية كبيرة خاصة بعدما أصبحت الصورة موجودة حولنا في كل شيء، وكل مكان. بالرغم من ذلك ما زالت الفنون التشكيلية الكلاسيكية مخيفة جدا للمشاهد العادي، وينظر إليها الأغلب على أنها لعبة مثيرة للأثرياء. تفقد هذه النظرة المجتمع بالكامل مصدرا كبيرا للسرور والمتعة وسببا لإثراء وتعميق فهمنا للعالم من حولنا.

يكرّس بعض الناس حياتهم بالكامل لدراسة أدق تفاصيل الأعمال الفنية، لكن أغلب الناس ليسوا بحاجة لأن يصبحوا خبراء فنيين لتطوير علاقتهم بالفن، كل ما يطلبه الأمر هو الاهتمام ببعض التفاصيل والقليل من الصبر والرغبة في التواصل مع مشاعرنا وأفكارنا، لذا فإن طريقة قراءة اللوحة هي نفس الطريقة التي يمكن تطبيقها على فنون أخرى مثل النحت والأثاث والأزياء والهندسة المعمارية، وحتى الملصقات الدعائية.
يقول الفنان الأميركي آندي وارهول: "إذا كنت تريد رسم لوحة جيدة، يجب أن تشاهد ألف لوحة"، ويمكن تطبيق ذلك على التواصل مع الفنون البصرية، فكثرة المشاهدة تكسب المتلقي خبرة وثقافة ومعرفة، وتساعده على تكوين ذوقه الشخصي، خاصة في الوقت الحالي بعد تلاشي القواعد الصارمة، والنقاط الأساسية التي تساعد في الحكم على اللوحة أو العمل الفني.
ربما يزيد هذا الانفتاح من صعوبة الأمر، لكن يجب أن نذكر أن الكثير من الفنانين المكرسين، لم تقدر أعمالهم في البداية من الجمهور أو النقاد، لكننا هنا لا نتحدث مع محترفي الفن أو نقاده.


تعدد مفاهيم الفن
تتغير مفاهيم الفن طوال الوقت، لكن الفن الحديث تحديدا يلاقي مقاومة كبيرة من الكثير من الناس، خاصة مع تعدد مفاهيم الفن وتناحرها أحيانا، فالفن حاليا لا يعني الرسم، ولا يعني الواقعية، ولا يعني الجمال.

حين عرض مارسيل دوشامب نافورته الخزفية الشهيرة عام 1917، وهي مجرد مبولة مقلوبة رأسا على عقب، أثار جدل النقاد والجماهير. وفي عام 2019 عرض الفنان الإيطالي موريتسيو كاتيلان موزة معلقة على جدار وبيعت بمبلغ 120 ألف دولار أميركي، وأثار كاتيلان موجة جدل جديدة عن معنى الفن وسوق الفن الحديث.
بين عامي 1917 و2019 هناك أجيال من الفنانين، ومئات التعريفات التي دونت للفن، لكن يبقى الفن عملا إنسانيا ينفذ عن طريق فنان يسعى لقول شيء ما أو إحداث أثر أو الاعتراض على حدث ما، أو التواصل بطريقته الخاصة، وقد ينجح الفنان في مسعاه وقد يفشل لأن صناعة الفن في النهاية جهد بشري قد ينجح وقد يفشل، لكن يبقى للفنان وجوده الصغير أو الكبير في أنطولوجيا الفن منذ بداية الحياة.
بمجرد تحرر الفنان من التاجر والناقد وسمسار الفن ورغبة الجمهور، فإنه يكتسب قوة هائلة، خاصة بعد أن أصبح الفن يتضمن الأفكار والمفاهيم. قبل 500 عام لم يتحدث أي فنان عن الأفكار أو التأثير، لكن الفنان الآن بالفعل بحاجة إلى إحداث تغيير، وليس مجرد أداة لنقل الواقع، أو تلميع الساسة أو رجال الدين، بل أصبح وسيلة للاعتراض والثورة.
قبل أن يبدأ المشاهد في التعرف على اللوحات، يجب أن يتحلى برغبة حقيقية في التواصل مع الفن واللوحات، بالإضافة إلى قناعته بأهمية الفن، وقدرته على بذل بعض المجهود في القراءة والمشاهدة، والتوقف عن السخرية من اللوحات التي لا يمكنه قراءتها.


في البداية الق نظرة
يجب أن يبدأ التعامل مع الفن من خلال الحواس، وهذا لا يعني أن تكون اللوحة جميلة بالمعايير المعروفة لتكون جيدة، ولكن يجب أن تشد انتباه المتلقي بطريقة ما. ويجب على المتلقي أن يمنح العمل الفني بعض الوقت ليتواصل مع مشاعره وعقله، لأن الأعمال الفنية قد تثير الانتباه بطرق خفية. قد يجذب العمل الانتباه من خلال الموضوع أو المضمون أو استخدام اللون أو العناصر ومظهرها الواقعي.

يكون المشاهد بحاجة إلى التعرف إلى اللوحة تماما، كما يتعرف على شخص ما لأول مرة. قد تكون اللوحة منظرا طبيعيا أو شخصا أو مجموعة أشخاص، أو مشهدا من قصة، أو مبنى أو طبيعة صامتة من مجموعة عناصر يومية (وعاء من الفاكهة، مجموعة كتب). كل ما سبق هو موضوع اللوحة، التي يمكن أن يعبر عنها مئات الفنانين بمضامين ورؤى مختلفة.
هناك أيضا الفنون اللاموضوعية التي ظهرت في القرن العشرين، وهي فنون أقرب للتجريد، وتميل للأشكال الهندسية أحيانا، ولا تمثل كائنات أو أشخاصا موجودين في العالم الطبيعي، عكس الفنون الكلاسيكية. يعتمد الفن اللاموضوعي على الشكل والخط واللون بدون موضوع معين، وهي فنون تقترب أكثر من المشاعر والعقل اللاواعي، وكما تساعد الفنان على حرية الإبداع، فهي تساعد المتلقي على حرية التخيل والتأويل.
بعض اللوحات تمثل مشاهد من الحكايات التراثية أو التاريخية، أو الحكايات الدينية، لذلك إذا كان المشاهد يعرف القصة، أو يستطيع ربط النصوص أو العناوين مع اللوحات، فقد قطع شوطا كبيرا في إدراك جوهر اللوحات.

 حين عرض مارسيل دوشامب نافورته الخزفية الشهيرة عام 1917، وهي مجرد مبولة مقلوبة رأسا على عقب، أثار جدل النقاد والجماهير (Getty)


















ابحث عن الرموز
الرمز هو كل شيء، لذلك يصبح تواصل المشاهد مع لوحات أنتجت في مجتمعه وسياقه الثقافي، أسهل من تواصله مع لوحات أنتجت في سياقات ثقافية واجتماعية مختلفة، لكن بطبيعة الحال هناك رموز عالمية، وكلما استفاض الإنسان في مشاهدة الأعمال الفنية، استطاع فك رموز اللوحات أكثر، لكن يجب ألا يتورط المشاهد في فكرة "ماذا يعني الفنان" وعليه أن يركز أكثر في "الذي يقوله أو يطرحه العمل الفني".
قد تبدو بعض اللوحات أكثر غموضا من الموضع والرمز، ولكن الأسلوب يمكن أيضا أن ينقل المعنى إلى المشاهد. على سبيل المثال اللوحات التنقيطية للفنان الأميركي جاكسون بولوك، تنقل حركته وحريته أمام اللوحة بالرغم من كونها لوحات تجريدية تماما.
على النقيض يمكننا أن ننظر إلى لوحة فيرمير "المرأة التي تصب الحليب" فهي تتميز بالتفاصيل والطلاءات الزيتية الدقيقة والتأثيرات الشفافة التي لا تظهر بوضوح في صور اللوحة، ما يخلق إضاءات روحانية ويضفي نوعا من الجمال والنبل على المشهد اليومي والمرأة البسيطة.


أي شخص يمكنه فعل ذلك
جزء كبير من جاذبية الفن يعود إلى كونه عاطفيا. أثناء زيارات قاعات العرض، ومتاحف الفن الحديث، أو حتى عند عرض لوحات الفن الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي، يوجد دائما الشخص الذي يقول إن أي شخص يمكنه رسم مثل تلك اللوحات، وتطبيق الدهانات بتلك الطريقة، والبعض يقول إن الطفل الصغير يمكنه فعل ذلك. لكن يجب أن لا يتجاهل المشاهد أصالة الفكرة وفطريتها، ورد فعل مشاعره عندما نظر إلى اللوحة. هل شعر بالغضب أم الراحة أم الانزعاج؟ يجب على المشاهد أن يفكر في كل تلك الأسئلة وإجاباتها، ويفحص مشاعره بدقة أمام اللوحة، بدون سخرية أو محاولات لتسطيح العمل الفني.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.