المشكلة أن الساحة الشعرية العربية اعتبرت أن قصيدة النثر هي كلّ شكل شعري متحرّر من الوزن والقافية بصرف النظر عن تقطيعه، أو عن شكله على الصفحة، أو قربه أو بعده من النثر نفسه. سبق لي وكتبت أكثر من مرة أن أي طالب ثانوي أوروبي يدرس الشعر يعرف الفرق بين
القصيدة الحرة
(free verse)
وقصيدة النثر
prose poem
من مجرد الشكل. هذا الشكل، أي الكتلة النثرية العريضة، ليس عشوائيًا، ولا هو مجرد شكل فقط، إنه في الوقت نفسه مضمون، أقصد أنه نثر. هذا الشكل هو الذي يحدِّد، من مجرد النظرة العابرة، انتماءها الى النثر. فهي جنس أدبي خاص. ليست قصيدة متفرعة من القصيدة الحرة. هذا هو واقعها في الشعريات التي ولدت فيها، وهذا ما ساجل به، مثلاً، عبد القادر الجنابي في أكثر من كتاب له، وما شارك فيه كاتب هذه السطور من نقاشات، حتى إني اعتبرت كتابي "حياة كسرد متقطع" يقع، عملياً، في قلب هذا السجال الذي لا يني، على ما يبدو، يتجدد، كلما عدنا الى الحديث عن الشعر العربي الحديث. ما زلنا نسمع، ونقرأ، الطبيعة الاحتجاجية لمن يرفض الكلام عن "قواعد"، أياً كان شكلها، لقصيدة النثر. المطالبة بالحرية في الكتابة لا يعني رفض القاعدة. اللغة نفسها تحكمها قواعد وبهذه القواعد تكتب كلامك عن الحرية بل وتطالب بها على نحو مطلق! من هذا المنطلق تسمع، أو تقرأ، احتجاجاً يصل حد الندب عن "إقصاء" محمد الماغوط من قصيدة النثر. كيف نفعل ذلك وهو يكتب قصيدة لا وزن فيها ولا قافية؟ فأيُّ قصيدة، إذن، هي قصيدته؟ لا أحد يقصي الماغوط من قصيدة النثر، لأنه لم يدخلها أصلاً، هو رائد أول، في نظري، لما كان ينبغي أن تكون عليه القصيدة الحرّة . لذلك آمل أن تلتقط الجامعات العربية هذا النقاش وتعبتره جزءاً من درسها الشعري الأكاديمي لكي لا تظل نقاشاتنا تدور في الصحف والمجلات فقط.. ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام.