}

أرالو (*)

ماجد مطرود ماجد مطرود 20 مايو 2021
شعر أرالو (*)
"تكوين"، 1911، فاسيلي كاندنسك

 

هبطنا..

بكامل أطرافنا

وجئنا بكلّ العيون

لم نرَ إلّا الصفات ذاتها

 

ربّ من رخام تقضمه الأسنان

من فضلك، 

اترك لنا مساحةً للقول والفعل

ودعنا نكلّمك

تأكد

لن نكون أكبر مما نحن عليه

لن ندّعي أنّنا أنبياء

ولن نعتدي عليك

أبدًا

فأنت خالقنا وحبيبنا الأوحد

 

جئنا لك، هبطنا نحوك أو صعدنا إليك..

هذه مجرد كلمات تساعدنا على الشهيق والزفير..

 

لنترك جانبًا خلافاتنا واختلافاتنا

وكلَّ الذي يعكّر الصفاء بيننا

لنترك أفعالنا المشينة

لنترك غموضنا ونزيح عن وجوهنا

هذا التلوّن والترقّن

وهذا الاتّساع..

 

دعنا..

نتكلم بحريةٍ كاملة

عن صيغة الأسماء

وعن غاية الأفعال

لا تأمر بإيقافنا

لا تتركنا خلف الشمس

متجمّدين من الوحشة..

 

جئنا لك، هبطنا نحوك أو صعدنا إليك..

هذه مجرّد كلمات تساعدنا على الشهيق والزفير..

 

المهم هو أن نرى ذاتَك صافيةً، 

مقيمةً، ومستقرةً كعائلة أليفة

ليس مهمًا

أن تكون غنيًا ونحن فقراء

المهم هو أن نقشط هذا الصدأ المتراكم بيننا

وأن نمسحَ هذا الدّنس المتطفل فينا  

اِسمحْ لنا أن نسميك البياض

اِسمحْ لنا أن نأمرك، ولو لمرة واحدة

أن تلقي نظرةً علينا وتدقّق جيدًا فينا

لعلَّ البراءةَ تفصِحُ عن مكامنها

لعلَّ الحروبَ لا تشوّه ما تبقّى

من ملامحك الجميلة..

 

ثق يا وحيدي، لمْ يَعدْ لنا

إلّا ما علينا من رماد

ولم تعد فينا

قدرة

للفصل بين نارين

فلا تمسّ كدمات فاحمة

تركتها النار فوق ظهورِنا..

 

جئنا لك، هبطنا نحوك أو صعدنا إليك..

هذه مجرّد كلمات تساعدنا على الشهيق والزفير..

 

المهم هو ألّا نعمّق الصمت بيننا

وألّا نترك الفوضى تخترق الهدوء فينا

دعنا نبحَث عَنْ أمنا

عشْتار كانت أم غيرها

دعنا نحافظ على الجمال اللامِع بالتضحِيات

دعنا نبحث عن الذات العادلة

عَنْ ظلّنا القديم

عن أكتافِنا وقسطِها الثقيل    

نبحث عن بابَ إيل وآشوُرَ القديم

عن جدّاتِنا، عمّاتنا

وعن نخلاتنا الشامخات

هل تتذكر ذلك الصّمود الباهر قبل السّقوط؟

 

جئنا لك، هبطنا نحوك أو صعدنا إليك..

هذه مجرّد كلمات تساعدنا على الشهيق والزفير..

 

تساعدنا

أن نمسحَ عن أذنيك وعينيك

ما تركته الأيام من أثقال

تساعدنا

أن نمسحَ صورَ المعركة

تلك العالقة في ثيابنا

هل لنا الحق في العتاب؟

 

تعال لنبحث معًا عن أيامنا الهادئة

عن الجنداري محمود (**) مثلا ومَصاطب الآلهة

تلك التي كسرت رؤوسنا بالمطرقة.

 

تعال لنبحث معًا

عن مردوخ وشموخه

عن تموز وعودته المؤجلة

يا لبيب الروح

جئنا لك، هبطنا نحوك أو صعدنا إليك..

هذه مجرّد كلمات تساعدنا على الشهيق والزفير ..

 

لقد بلغنا الباءة من شدة اليأس

فلنتزوج من ملائكةٍ أوفياء

ولنحرّر الذّاتَ من رغبتها في التّكاثر

واِنحيازها للتّشظّي

لنتخلص من هذا المُفخّخ السفلي، 

في عالمِنا الفوْقي..

 

تعال

لنبحث تحت وِسادتك الأخيرة

عن الكتاب وتأويله

عن النهار وانكساراتهِ

عن الليل وانْتِصاراتهِ

تعال

لكي نمسحَ عن جدارك التاريخَ كلّه

البارحة مثلًا وجلبابها الطويل

الحاضر كذلك وشروطه،

سيّاراته المفخخة وبوارجِه الطائرة..

 

تعال

لنقترب، لنسأل السلام ونحذّره

بألا يتركنا وحيدين في ساحات الوغى 

يا راسم الطريق، لا ترسمُنا دوائر جديدَة

ولا تخطنا خطوطا هنْدَسيّة

طولها أقصَر مِن عرضها

يا واهب الثمار، يا مانح الطير

لا تكلِّمَنا عن حريّاتٍ

تفيضُ عَن حاجاتِنا اليومية

جئنا لك، هبطنا نحوك أو صعدنا إليك..

هذه مجرد كلمات تساعدنا على الشهيق والزفير..

 

نحاول من خلالها

أن نسألك عن غدنا وعن غيبته الطويلة

قل له، 

لمَ لمْ يأتِ لنعاتبَه؟

ولماذا لم يكن طريًّا

كلحومِنا الموزعة

على طوابيرِ الحاوياتِ 

والمقابر؟ 

 

قل له كلامًا مثقّبًا

عن السيوف ودورها السلبي

عن لمعانها وعشاقها..

 

قل له كلاما مكسّرًا

عن طريقةِ الذّبحِ الرحيم 

وقدرتها العجيبة في التسلّل..

 

قل له كلامًا جارحًا

عن أسوارِنا الشائكة

عن رمادِنا الكثيف وإصراره

على البقاء حيًّا تحت جلودنا..

 

قل له كلامًا مبلّلًا

عن مطرِ النّار

كيفَ تسلّلَ الى ضمائرنا؟

 

(*) أرالو: إلهة الموت في العالم السفلي في الأساطير البابلية القديمة.

(**) محمود جنداري: قاص عراقي كان سجينًا سياسيًا في (سجن الخاصة) أيام النظام السابق. له عدة مجاميع شعرية ومنها "مصاطب الآلهة".

*شاعر عراقي/ بلجيكا

قصائد اخرى للشاعر

شعر
18 يناير 2024
شعر
14 نوفمبر 2021
شعر
20 مايو 2021

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.