}

رسائل منتصف الليل

فدوى حسين 19 نوفمبر 2018
قص رسائل  منتصف الليل
لوحة للفنان السوري بطرس المعري

جلست إلى نافذتها تنظر خارجاً بعينين أنهكهما الأرق حتى تلاشت نظراتها في العتمة، ترسم بأصابعها الحائرة أحلاماً من سراب على دخان أنفاسها المتكاثفة على زجاج النافذة.

أصابعها المترددة بين قلبها وعقلها تناولت القلم المرتجف بنبضاتٍ من ألم تردد صداها في حبره لتتزاحم الكلمات كلما ثقل أنينها مرتمية بين عتبات السطور، استفزها بياض الصفحة المستلقية أمامها.

بدأت بكتابة رسالتها لحبيب طال هجره وكثر غدره:

حبيبي "يا من كنت حبيبي"

اعلمْ جيداً أني رغم علمي المطلق بأنك كذبت علي كنت أصدقك!

وأعلمُ أن المرة الوحيدة التي كنت صادقاً فيها حين أخبرتني ممازحاً بأنك كاذب.

تصنعت السذاجة كثيراً لأبقى قربك، وأعلمْ جيداً أن رهانك مع أصدقائك لتجعلني أحبك خلال أيام كان رهاناً خاسراً، فلا أحد يراهن على تملك ما يملك، فقد كنت أحبك قبل ذلك بأعوام، بل وأنا من دفع اصدقاءك لطلب الرهان، وكل لقاءاتنا لم تكن صدفة كما ظننتها. وأعلمْ أني كنت أعرف أن الوردة التي أهديتني إياها في عيد الحب كانت مهداة إليك من صديقتي التي لم توفر جهداً لاستمالتها، فأنا من اخترت لها الوردة لتهديها لحبيبها ذاك اليوم. وأعلمْ أيضاً أن بكائي ذات يوم حين كنا في المقهى لم يكن بسبب الأغنية التي أسمعتني إياها بل لرؤيتك تختلس النظر مبتسماً للفتاة الجالسة إلى الطاولة خلفي.

وأعلمُ أيضاً أن العطر الذي أوصيت بصناعته لأجلك تركته يتنفس بين خصيلات شعر مخدوعه لأخريات، وأعلم... وأعلم... وأعلم..

ورغم كل ذلك كنت أختلق الأعذار

لأبقى أحبك!

لكن ليس بعد اليوم، فبكل حبي لك سأكرهك، وبكل شوقي إليك سأبتعد عنك وأرحل من دون عودة، سأغلق دونك أبواب الذاكرة، وأفرد أشرعتي للنسيان، سأدفن حبي لك في البحر بدون شاهدة أستدل بها عليك، سأغادر قصور الرمل إلى الأبد.

ثم وضعت القلم المنهك جانباً بعدما ذيلت الصفحة بعبارة "ممن كنت لها الروح يوماً"

وأسندت ظهرها إلى المقعد مبحرةً بعينيها الدامعتين في العدم، بعدما سالت أنّات روحها على الورق.

ولم تمض بضع لحظات وهي على حالها تلك لتعود نيران الشوق تتقد في صدرها من جديد!

لتذيب جليد الحقيقة أمام عينيها، فينزف القلب الحب مرة أخرى معلنا انتصاره للمرة الألف على العقل، فنهضت حاملة رسالتها لتطعمها نيران المدفأة المضطربة كروحها كما في كل ليلة واتجهت نحو سريرها تستجدي النوم بانتظار إشراقة صباح جديد...

* كاتبة من سورية

مقالات اخرى للكاتب

قص
19 نوفمبر 2018

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.