سكنّا لسنوات طويلة في عمارة مصابني المقابلة لميدان سباق الخيل، في الفترة الأخيرة أصبحت الحياة هناك لا تطاق.

كل ليلة تهتز المنطقة بفعل حركة البلدوزرات في حلبة السباق وفي النهار تتلاشى الأصوات والبلدوزرات وكأن شيئا لم يكن ثم تعود في الليلة التالية. وهكذا لمدة شهر اكتشفنا في نهايته أنهم يقومون بفرش الملعب بالعشب الاصطناعي.

بعد ثلاثة أيام رافقتُ صديقي لمشاهدة افتتاح موسم السباق الجديد، اشترينا التذاكر وزجاجتي كوكاكولا
وجلسنا في المقاعد الأولى، وقفت الخيول في مكانها بانتظار لحظة الانطلاق، بدأ العد التنازلي خمسة أربعة ثلاثة إثنان واحد ثم بومممم وانسدلت ستارة سوداء. صحوتُ في المستشفى وعلمت أن انفجارا هائلا وقع وحوّل الجمهور إلى غبار وأنني الناجي الوحيد.

بعد أسبوع ذهبت لأحتفل بنجاتي. كانت المدرجات مليئة بالمتفرجين، ولكن يا للغرابة إنهم لا يتحركون ولا يصرخون ولا يراهنون على خيولهم المفضلة. دفعتُ الرجل بجانبي فلم يتحرك، صفعته لم يتحرك، لمست كتف المرأة أمامي فلم تلتفت.. تحول الجميع إلى دمى بلاستيكية مصنوعة بإتقان شديد يؤهلها للعرض في متحف مدام توسو.

إبتهجتُ، فأخيرا سوف يحل الهدوء على عالمي. في منتصف الليل اهتزت البناية من شدة الضجيج وكأنها حبة حمُّص عالقة في بوق هائل خلال العزف.

صهيل الخيول يتصاعد إلى السماء ويوقظ الشياطين من نومها.

نزلتُ إلى الشارع ومشيت مثل رجل آلي أعرج.

جميع الناس تحولوا إلى دمى وتماثيل تتحرك بحركات المارش العسكري.

وجدت رجلا أصفر يشرب سائلا من علبة زيت سيارات. جلسنا ندخن السجائر ونراقب ميدان السباق.
من بعيد لاحت لنا الخيول صغيرة ولامعة ولكنها تصدر صوتا يشبه صوت احتكاك عجلات القطار بالسكة.

قال الرجل الأصفر: "قمنا باستبدال العشب الأخضر بالعشب الاصطناعي، ثم قمنا باستبدال الجمهور بمجموعة من الدمى، وليلة أمس أرسلنا الخيول في الإسطبلات الى جنة الخيول واستبدلناها بخيول معدنية".

"جيد جيد"، قلتُ للرجل. "من المؤسف أن تستمر الخيول الحقيقية بالركض وسط ميدان مزيف".

حرّكتُ يدي بانفعال. سقطت السيجارة على ذراعي العاري. لم أشعر بشيء.

وفي الجو تصاعدت رائحة بلاستيك محروق.

*كاتب فلسطيني (رام الله)