}

عبد الزهرة زكي: كلّ موضوع قابلٌ للحضور في الشعر

صدام الزيدي صدام الزيدي 8 نوفمبر 2023

 

في كتابه "طريقٌ لا يسع إلا فردًا: المعنى الشعري/ الحرية/ الفردية" (دار شهريار- البصرة- 2017)، يذهب الشاعر العراقي، عبد الزهرة زكي، إلى القول إن: "الشعر تعديلٌ وتغيرٌ مستمران في المفهوم وتخليق لمفاهيم جديدة"، غير أن هذا الحوار يأخذنا إلى رؤى وتصورات وانطباعات شخصية حول مسيرة الشعر العراقي المعاصر وصولًا إلى ما تنجزه قصيدة النثر العراقية ومواضيع أخرى.

هنا نص الحوار:

(*) من ديوانك ما قبل الأخير "في هذه الحديقة السوداء" (2020)، أقتبس لك هذه القصيدة القصيرة:

"حتى وإن بدا المطر شحيحًا

فإنه سيكون طوفانًا.

لم يعد في هذه الأرضِ متّسعٌ للمياه،

من فرطِ ما ارتوت من الدماء، حتى فاضت بها".

برأيك، أيّ خلاصٍ ينشده الشعر للبشرية في راهن عذاباتها وحروبها ومناحاتها؟

في هذه القصيدة أعتقد أن الشعرَ لم يكن ينشد الخلاصَ؛ إنه ينذر من الكارثة، ينبّه ليس إلا. وحتى هذا التحذير أو التنبيه لم يكن هدفًا مباشرًا من أهداف كتابة الشعر، هذه نتيجة تالية تتعاضد من أجلها القراءةُ مع النص للظفر بهذه الخلاصة. النص، أيّ نص شعري، هو طاقة كامنة يمكن أن تحرّرَها القراءة. والشعر، بموجب هذه القراءة التي تفضلت بها لهذا النص القصير، ينبّه على احتمال وقوع كارثة الحرب، وهذا بعضٌ من الأدوار القديمة للشعر في بيئات ثقافية كثيرة، وإن كان دورًا محدودًا في ثقافتنا القديمة.

نعم، في تاريخنا الشعري كانت مثل هذه الأدوار محدودة، فمن النادر أن تصادف قصيدةً تعمل على تكريه الحرب. قد تجد في هوامش تاريخ الشعر عددًا محدودًا من القصائد أو الأبيات التي تعارض الحرب، بينما يقابل هذه الشحة كثيرٌ من الشعر الذي تورّط بالحروب، بل كان من وسائل الحرب المتنوعة. الحروبُ أكولٌ، محارقُ تحتاج دائمًا إلى ما يديم اتّقادها، وكان الشعرُ، في الغالب، من بين ما يديم النزعة الاستهلاكية للحرب ويُشبع نهمَها.

في الواقع لا يقوى الشعرُ على فعل شيء يمكن أن يعتدّ به في مجال مقاومة إرادة الحرب. الحروب تصنعها القوة والجبروت، فيما لا أرقّ من الشعر في هكذا مواجهة غير متكافئة، ما بين القوة والرقة. جلّ ما يستطيع الشعرُ فعلَه في ظروف الحرب هو أن يصون نفسه، من خلال الشعراء، من أن يُستثمَر لصالح تزيين نزعة الحرب، أهم ما يمكن للشعر فعله هو أن لا يجري استدراجه من قبل السياسة وطغيانها ليكون وسيلة لتجميل القتل وإشاعة الكراهية.

لكن الشعر يستطيع، بل لا يجد بدًّا من أن يصرخ وأن يلتاع ويئنّ ويتأوّه، وذلك كلما التاع وجدان الشعراء حينما يجدون أنفسهم مكرهين في محرقة حرب.

وليس الشعرُ وحده في مثل هذه المحنة، فحيثما كانت حربٌ فإن جميع الفنون والآداب تقدم لنا أمثلة خلاقة عن ذلك الالتياع، عن دمار الحروب وتمزيقها للإنسان وتحطيمها للكرامة الإنسانية.

في القصيدة القصيرة التي تفضلتَ بالإشارة إليها تأتي الصرخة فلا صوت لها، تمتمة لا تُدرَك فحواها، إنها أقرب إلى مونولوج صامت إذ لا تجد الصرخة مَن تحادثه سوى نفسها، هل فات الأوان؟ الشعر لا يعرف، إنه يكتفي ببصيرته، برؤيةِ ما لا تريد الحربُ أن تراه وما لا تقوى الناسُ على رؤيتِه.

(*) ولكن ديوانك "شريط صامت"، كان مكرّسًا تمامًا لموضوعات الحرب والعنف التي عاشها العراق في العقدين الأوّلين لهذا القرن...

نعم، صدر هذا الديوان عام 2011، وتلاه ديوان آخر "في هذه الحديقة السوداء" الذي صدر بعد الأول عام 2019، كلا الديوانين كتبا بأثر من الحرب والعنف الذي عاشه البلد ما بعد 2003، لقد كُتبا كمراثٍ لحياة تتبدد، نشيجٍ متقطع لبلد كان يراد له أن يحترق. كانت النصوص عيونًا تُفتَح على وسعها باندهاش أبكم حين تعجز العين البشرية عن مواجهة مصائر تتحطم. كانت تلك أهاجي للحرب والعنف وفوضى الاستهتار بالحياة، وهي أهاج اكتفت بمعظم نصوصها بتصوير الجرائم كما هي، دونما تدخّل لبلاغات شعرية. لا يحتاج القتلُ لأن تُبشّعه لغويًا لتظفر منه بقصيدة، الجريمة وحدها بلاغة سوداء. وكان يمكن لأيِّ عراقي خلال تلك العقود أن يرى وأن تتلطخ شاشة رؤيته بفظاعات الجرائم، تلك لطخات تظلّ ماثلةً على شاشة الرؤية فلا تزول ما حيا المرء.

تلك نصوص لم أمنع نفسي عن انفعالاتها وهي تقف على سواد بلاغة الدم.

أنا إنسان وشاعر، يكتب ويدوّن بأثرٍ من انفعالات وجدانه.

ليست لدي حدود فاصلة بين موضوعات صالحة للكتابة وموضوعات لا تصلح. كل ما أنفعل بموجبه قد يجد طريقه إلى الشعر. لا أطرد موضوعةً بتأثير من موقف مسبق أصمّم حدود الشعر على مقاساته.

أنظر الآن إلى ما كتبته بالديوانين فأجد نفسي وشعري في الموضع الإنساني اللازم لأن يكون فيه الشاعر والإنسان إذا ما ابتُلي وعاش في ظرف تاريخيٍّ شاذ كالظرف الذي عشته وعاشه شعبي، ذلك هو موضع إدانة وهجاء الحرب والعنف ودمارهما.

الآن تجد اتجاهًا متناميًا في الشعر العراقي، والعربي عمومًا، صار يُعنى بالكتابة عن الحياة تحت وطأة الحروب ودمارها، وذلك بعد أن تحطّم أكثر من بلد عربي، سوى العراق، بمحارق الحروب الأهلية والعنف والفوضى.


(*) ألا تفكر إذًا بالكتابة عن تجربتك في الشعر والحرب. أعرف أنك قضّيت شطرًا من عمرك، وخصوصًا فترة الشباب في الحرب؟

أنا على وشك إنجاز كتابٍ ينشغل جانبٌ منه بتجربتي كجندي في الحرب الثمانينية، وكمواطن وشاعر في ما تبعها من حروب وعنف، والكتاب بعد ذلك ينشغل بتجارب وأفكار آخرين من ثقافات أخرى كانوا قد مروا بالتجارب المؤلمة ذاتها خصوصًا في الحربين العالميتين. أتوقّع أن أقدّم هذا الكتاب للنشر خلال العام المقبل.

(*) مع ذلك، هناك مَن يرى أن الشعر بدأ يتخلّى عن جمالياته حين أخذ يندفع نحو هذه الموضوعات أو يهتم بما هو يومي وحياتي مباشر، ويقيّد نفسه بها، خصوصًا بعد هيمنة السرد في كثيرٍ من النصوص الشعرية، وبما يجعلها أقربَ إلى القصة القصيرة؟

ليست الموضوعاتُ وحدها هي ما تحدّد جماليات الشعر، وقبل هذا فليس هنالك موضوعٌ صالح للشعر فيما سواه لا يصلح. الشعر، كما أفضّل أن أقول، هو كيفيّة؛ كيف يكون تعبيرٌ ما شعرًا إذا ما جاء بصياغةٍ معينة فيما لا يكون شعرًا بصياغة أخرى. فالموضوع لا صلة له بنجاح أو فشل قصيدة ما. كلّ موضوع قابلٌ لأن يحضر في الشعر، المهم هو طبيعة الرؤية الشعرية للموضوع.

السرد هو الآخر لا يقرّر ولا ينفي شعرية أيّ نص. تاريخ الشعر يبيّن لنا أن الشعر، في ثقافات كثيرة، كان قد تحمّل في بواكيره مسؤوليات السرد وروي الحكايات. كان هذا قديمًا، الملاحم لدى الإغريق مثلًا وحتى لدينا في شعر ما قبل الإسلام حيث الشعر ديوان العرب وهو أقرب إلى أن يكون أرشيفًا تاريخيًا لسِيَر العرب ومعاركهم، ولم يُنقص هذا من الشعر شيئًا. فيما حاضرًا فإن القصة القصيرة، وخصوصًا القصيرة جدًا، هي الفن الأدبي الأقرب إلى الشعر. ربما هذا نتيجة لكون الشعر، بطوره الحديث، صار يقدّم نمطًا مستحدثًا، أو أنماطًا، من السرد، يكون بموجبه السردُ شعريًا مفارقًا للسرد في فنون الأدبِ الأخرى، كالرواية والقصة القصيرة. السرد الشعري قائم على أساس ما تفعله المخيلة الشعرية فيه لتنأى به عن قرينه في النثر، إنه عمل تتضافر من أجل تحقيقه اللغة وبلاغتها من جهة والمخيلة من جهة أخرى. هذا ما ينبغي أن يتركز جهدٌ نقدي دؤوب لاستخلاص أشكاله وتجسّداته، كما قدمتها أرفعُ نصوص الشعر.

جانب من مشكلات تفكيرنا، في الشعر وغير الشعر، يكمن في الأحكام المسبقة التي يأتي النقد بموجبها إلى موضوعه، وليكن هنا الشعر موضوعًا ما دام الشعرُ محورَ حوارنا، بتصورات جاهزة تريد إخضاعه (الشعر) لها. وهذا بخلاف ما كان قد فعله أسلافنا، من نقاد ومفكرين في قرون العصر العباسي، ممن ظلوا يختبرون الشعرَ ليستنتجوا من خلال نصوصه خلاصاتهم عنه وقوانينهم فيه. هذه مشكلات يتحمل وزرها الشعر والنقد على حد سواء، وتتفاقم هذه المشكلات مع انحسارٍ مضطرد في العمل النقدي الجاد.

(*) تعيدنا هذه التصورات، بجانب منها، إلى كتابك "طريقٌ لا يسع إلا فردًا: المعنى الشعري/ الحرية/ الفردية" (دار شهريار- البصرة- 2017)، وهو كتاب في الشعر كتابةً ومعايشةً، تؤكد فيه أن: الشعر تعديلٌ وتغيرٌ مستمران في المفهوم وتخليق لمفاهيم جديدة. وهنا تقول: "إنه طالما أفق الشعر مفتوح فإن مفاهيم الشعر هي الأخرى تظلّ مفتوحة"... ما الذي تذهب إليه في الكتاب؟ وهل يمكن اعتباره خلاصة تجربة معايشة مع الشعر ممتدة لسنوات؟ وكيف هي الأصداء والتفاعل مع كتاب كهذا وهو يتحدث عن فعل متجدد (هو الشعر)؟

كان هذا كتابًا يُعنى بتصوراتٍ عن الشعر، سواء لي أو لسواي من شعراء ونقاد، ولعل من المألوف والمتوقَّع أن يخلّف أثرًا كهذا كثيرٌ من الشعراء للتعبير عن تصوراتهم النظرية والفكرية للشعر، ولمناقشة أو محاججة تصورات سواهم، عمومًا أنها محض تصورات. لا أقول هذا تواضعًا ولكن فعلًا أن الشعر في تغيّر مستمر بحيث من المتعذّر الوقوفُ والثبات عند تصوّر ما ليحولَ هذا التصوّر دون الانشغال بتصوراتٍ أخرى. كنت بهذا أنطلق من قاعدة أن الشعر لا يتطوّر ولكنه يتغير. القول بتطوّر الشعر يعني في ما يعنيه أن هنالك تطورًا خطيًّا في الشعر يكون قديمُه بموجب ذلك قابلًا للدفن والنسيان، بينما يبرز تآلفُنا مع كثير من نصوص الشعر القديمة ومن مختلف الثقافات وعودتُنا دائمًا إليها ليقدّما برهانًا على مخالفة ذلك التصوّر. قيمةُ ما يفعله الشعراء هي في تغيير الشعر، في تنشيط حيوية اكتشاف عوالم جديدة، برؤى أكثر جدةً، لتفاصيل وموضوعات قد لا تكون جديدة.

كان كثيرٌ من النقاد العرب القدامى يخالفون هذا التصور حين ظلوا يقيسون مدى "نضج" و"رصانة" أي نصٍّ محدث بمدى اقترابه وامتثاله لنصوص القدامى، كلا التصورين اللذين ينحاز أولُهما لجديد الشعر ويتوقف ثانيهما عند قديمه هما تصوران لا يسعف صوابَهما الشعرُ بسيرورته القائمة على التغيّر المستمر. هذا ما يجعل، في نقدنا القديم، مباحًا للشاعر أن يأخذ معنى ما من معاني الشعر فيطوّره ويثريه، وكان هذا "الأخذ" يدخل، بموجب ذلك النقد، في باب الحميد من سرقات الشعر، وبباب التناص في النقد المعاصر.

كتاب "طريق لا يسع إلا فردًا" كان تمرينًا مستمرًا بالنسبة لي في رؤية الشعر، وبفعل كونه تمرينًا فقد ساعدني أنا شخصيًا لأن أتحرّرَ من تصوراتٍ وأقفَ عند تصورات أخرى سواها. إنه مسعى من أجل قراءة متحرّرة من أيّ تصوّر مسبق.

أعتقد أن الكتاب حظي إلى حد ما باهتمام شعراء ونقاد، ربما كانت متعة كتابته أهم، بالنسبة لي، من أية نتيجة متوخاة منه. النتائج تحصيلٌ آخر. لقد قلت فيه: "أنْ لا شيء يضارع متعة كتابة الشعر سوى متعة التفكير فيه"، حيث تكون الكتابة مختبرًا للتفكير ووسيلةً للتأمل، وحيث يكون بلوغُ خلاصةٍ أو نتيجةٍ ما مبعثًا للمتعةِ التي أشرتُ إليها.


(*) إلى حد ما كانت الثقافة العراقية منذ التسعينيات أشبه بالمنغلقة، خصوصًا في مجال التحديث في الشعر، حصل هذا  في أتون متغيرات وتحولات سياسية واجتماعية عاصفة شهدها العراق على مدى عقود من الآن، فنحن نلاحظ مثلًا أن تغيّرات كثيرة جرت في الشعر العراقي لكن تكاد معلوماتُ المتابع العربي تتوقف عند جيل الستينيات العراقي وإلى حد ما جيل السبعينيات، لنتحدث عن قصيدة النثر العراقية، ما الذي أنجزته؟

واقعًا كان المثقفون العراقيون متابعين لما يحصل في محيطهم العربي برغم العزلة التي أحاقت بهذه الثقافة خلال عقود مضت، لكن ما كان يبلغ هذا المحيط من الثقافة العراقية، ونتحدث تحديدًا عن الأدب، وبتحديد أدق عن الشعر، كان شحيحًا كما أتوقّع.

أحيانًا تكون مثل هذه العزلة مجدية، ربما خسر الشعر العراقي فرصًا في الانتشار وفي التفاعل مع محيطه الشعري العربي. لكن لا خسائر الانتشار ولا غياب فرص التفاعل كانا يشكلان ضررًا كبيرًا. اليوم ما عاد الشعر بشكل عام منشغلًا بالانتشار، هذه مشكلة في كل البلدان العربية وهي تتماثل مع مشكلات الشعر في العالم ككل. حاليًا يجب الإقرار بأن الشعر يُكتَب كاستجابة لحاجة الشعراء أنفسهم للشعر ولإنتاجه، وليس تلبيةً لحاجات القراء. الشعر الذي بات ينشده الجمهور هو شعر العاميات العربية بشكل أساس، ثم شعر الغناء بأردأ ما يكون عليه الغناء. وأحسب أن ظهور ميديا التواصل الاجتماعي ضخّم المشكلة إلى حد كبير. هذه ميديا تعبّر عن حاجة إلى الشعر، ولكن أيّة حاجة، وأيّ شعر؟، إنها باتت تخلق نماذجَها الشعرية التي تلبّي متطلباتها وتؤمّن حاجةَ جمهورٍ وجد نفسه فجأة معلّقًا وكاتبًا وشاعرًا. هكذا حاليًا تظهر في هذه الميديا الـ (مايكرو بويم)، القصيدة القصيرة جدًا، وهي قصيدة تضخّم سطحية ميديا التواصل. عمومًا لا أحد يمكنه التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الحياة، وليس الشعر حصرًا، في هذا العالم وهو يجنح إلى شفاهية جديدة، خذ مثلًا لهذا (الرسالةَ الصوتية) التي استغنت عن الكتابة، وخذ الاستعاضة بـ (الإمجز) عن تبادل الردود المكتوبة، وخذ مثالًا آخر صارخًا لما باتت تتعرض له اللغات، وليس العربية حصرًا، من اختصارات في الإملاء والتصويتات. الحياة تمضي بما من شأنه تهديد الحاجة المألوفة إلى جديّة حقولٍ أخرى سوى الشعر، في الأدب عمومًا وسائر مناحي الفكر. ولا أتحدث هنا عن آثار الذكاء الاصطناعي حيث معلوماتي عنه محدودة.

هل ابتعدت عن سؤالك، آسف.

ما تسمّيه بقصيدة النثر العراقية، أسمّيه أنا بـ "الشعر الحر"، وهي تسمية تجمع شعر التفعيلة والشعر المتحرر من الأوزان والتفاعيل. حتى الآن لا أرى المسافة الفاصلة ما بين الاثنين واسعةً بحيث تكفي للفصل ما يينهما.

هذا الشعر المتحرر من الأوزان نضج في العراق خلال التسعينيات وما بعدها بعدما تحرّر من فوضى بدايات موجته الأولى الصاخبة في الثمانينيات، كانت تلك موجةً تعبّر عن زهد شديد بالمعنى الشعري، لصالح حاجة غامضة إلى التعمية وإلى عمل لغوي لا قيمة له.

التسعينيات أعادت الشعر، ما تسميه بقصيدة النثر العراقية، إلى أن يجترح لنفسه نوافذ أخرى نقّته من الفوضى وأعادت الاعتبار إلى المعنى الشعري. ربما حصل هذا بأثر ضاغط من الحياة التي تحطمت تمامًا في التسعينيات، ظرف الحصار الدولي، كان حطام تلك الحياة يرجّ الشعر والوجدان، وهذا ما شكّل حاجة الشعر لأن يعبّر عن صدى ذلك الحطام. ثم جاءت الألفية الثالثة بالعنف الذي ضخّم حاجة الشعر لأن يعبّر ويصرخ ويحتج.

الشعر، كما قلنا قبل قليل، يتغير.

لا أستطيع، ولا تسمح مناسبة حوارنا لأن أتحدث عن تفاصيل، عن تجارب كبرى شكلت علامات مهمة في إنضاج شعر جديد في العراق.

إنني أتحدث عن توصيفات "تجارب كبرى" و"علامات مهمة"، ولكن بالقياس إلى ماذا؟

هل ما زال من الممكن في عالمنا المعاصر الاعتداد هكذا بالشعر. لا أدري...

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.