}

إبراهيم اليوسف: رواية "شنكالنامه" كتبت نفسها بنفسها

سامية لاوند 3 يونيو 2019
حوارات إبراهيم اليوسف: رواية "شنكالنامه" كتبت نفسها بنفسها
إبراهيم اليوسف
بعد أقل من عام على صدور رواية "شارع الحرية" صدرت للكاتب إبراهيم اليوسف رواية جديدة بعنوان "شنكالنامه" عن دار أوراق- القاهرة، وهي تبدو لمن يتابع تجربة الكاتب مع عالم الرواية أنها امتداد للرواية الأولى، إذ إن محورها كان الانطلاق من تفجير إرهابي تعرض له شارع منزله في مسقط رأسه القامشلي، وهنا أيضاً ينطلق من محور مشابه هو تلك الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في مدينة سنجار/شنكال وسبي اليزيديات.
هذه الرواية استطاعت أن تعكس الكثير من مأساة اليزيديين الذين تعرضوا لأبشع مجزرة، ولأقبح هدر معلن للكرامات أمام أعيننا جميعاً، إذ تم التباهي ببيع الحرّات اليزيديات في أسواق النخاسة، وكان بإمكان القوى المتحكمة في العالم منع حدوث ذلك، كما تشير إجابات اليوسف وتشير الرواية نفسها إلى ذلك بصراحة.
هنا حوار مع مؤلف هذه الرواية التي كنت واحدة من أوائل الذين طالعوها وهي مخطوطة، كما قرأتها بعد صدورها من جديد، وقد أقلقتني عوالمها وقتاً طويلاً:

(*) لماذا "شنكالنامه"؟
أعترف أن هذا العمل السردي هو من كتب نفسه، إذ إنني في غمرة متابعتي لما جرى لأهل هذه المدينة المسالمة من غزو، على يدي تنظيم داعش الذي سبا نساءهم وأطفالهم، وارتكب مجازر بحق رجالهم، رحت أتابع مجريات عملية الغزو وقراءة أسبابه، ومعرفة مسببيه، والمتواطئين معه. كانت الأخبار تنهال عليّ كما غيري من المتابعين من كل حدب وصوب، عبر أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. كل ما تم كان متوقعاً إلا سبي النساء، وبيعهن في سوق النخاسة. هذا ما صعقني، وجعلني أواصل الكتابة عما جرى إلى جانب متابعتي بكل ما أمكن. أتذكر أنني اتصلت بالجهات المعنية في إقليم كردستان، وقلت: أنا جاهز لأن أتفرغ للكتابة الصحافية على خطوط النار، فجاءني الرد من صديق معني: أينما كنت

يمكنك فعل ذلك. وحقيقة، فقد كتبت الكثير من المنشورات والمقالات والقصائد عن هذا الغزو. أنت سألت: لم شنكالنامه؟ وأقول: إنها صرخة في وجه العالم الذي سكت وتواطأ أمام ما تم، بل إن هناك من كان وراء ما تم، وراح يذرف دموع التماسيح، ويدعي دعم من يقاومونه. هذه المسألة ليست من اختصاصي. أنا ككاتب أطرحها، ولا بدَّ من أن يتم كشفها يوماً ما.

رسالة سنجار
(*) والتسمية ماذا تعني؟
شنكال هي التسمية الكردية لسنجار، وكلمة نامه تعني الرسالة بالكردية، وبذا فإن العنوان يصبح: رسالة سنجار. مؤكد أن إضافة الكثير من عناوين الأعمال إلى مفردة نامه متداول، وهناك من هم سابقون علي، لكني استخدمته في هذا الإطار، لأكون وراء توزيع إحدى رسائل سنجار، وأهلها، ولأخاطب ضمير العالم، عبر عمل فني، لم يكن تجنيسه مهماً كثيراً لدي، بقدر ما كانت فحوى الرسالة في إهابها الجمالي مهمة عندي. وبعد نشر هذا العمل لاحظت اهتماماً كبيراً به، سواء من قبل المعنيين، أي الكرد الإيزيديين أو اليزيديين، أو من قبل من تمكنوا من قراءة هذا العمل.

(*) كانت لك قصيدة بهذا العنوان؟
نعم. أنجزت قصيدة بعنوان "شنكالنامه" بعد حوالي ثلاثة أيام من غزو شنكال. القصيدة جاءت بنفسٍ ملحمي، قلت فيها الكثير على نحو مكثف، ولقيت اهتماماً من قبل النخبة، بالإضافة إلى قلة من العوام المعنيين، لكن تأثيرها كان عرضياً، كما رحت أفسر ذلك، بالرغم من أنه تم نشرها في أكثر من منبر واسع الاستقطاب.

(*) إذاً صرت تؤمن بأن زمن الشعر قد انتهى وهذا هو زمن الرواية؟
لا. لجوئي إلى القصيدة لأتناول من خلالها هذه التراجيديا الكردية العظمى يؤكد أن للشعر موقع

الأولوية لدي. قصيدتي التي كتبت في أيام أهم برأيي من عمل كتب في أشهر، وتم تدقيقه في زمن مضاعف لهذا الزمن بالرغم من أنني مدقق لغوي ومحرر صحافي كما أزعم، واعتدت أن أدقق أعمالي الكتابية بنفسي، مع أنني الكاتب الأكثر لجاجة. مع الرواية الأمر يختلف طبعاً. لجأت إلى الرواية لأنها قادرة على شرح ما جاء من رموز مكثفة في قصيدتي المسماة باسم الرواية نفسه، ولعلي أحتاج إلى جزأين آخرين من الرواية ذاتها حتى أستطيع أن أقول ما قدمته في النص الشعري الذي نشر في مجموعتي الشعرية "ديوان إيسن: أستعيد أبي".

(*) والآن، ماذا تعد نفسك، روائياً أم شاعراً؟
إذا كنت قد مارست الصحافة بشكل عفوي منذ طفولتي على مستوى قرية هي "تل أفندي" الجزرية من بيوتات قليلة، من خلال محاكاة جريدة الحائط المدرسية، فإنني أولعت بالشعر، وارتجلته في إطاره السجعي، وأنا في تلك السن نفسها، لأرى نفسي شاعراً، حتى قبل أن أكتب قصيدتي التي سأقتنع بترك توقيعي عليها. ما زلت أرى نفسي ذلك الشاعر المبتدئ الذي ينتظر كتابة قصيدته التي انشغل عنها، وكتب مثيلات كثيرة لها، لتظهر أحياناً وتغيب أخرى، لكنني لا أرى نفسي إلا شاعراً فحسب، بالرغم من الصحافة، وكل الذي كتبته من مقالات، أو نقد، أو حتى قصص، أو محاولة روائية، أو تمثيليات مسرحت على خشبة المسرح.
أما الحديث عني روائياً فقد كتبت عن ذلك قبل صدور روايتي الأولى، وذلك في كتابي "ممحاة المسافة"، إذ تحدثت عني روائياً، من قبيل الفنتازيا، لا أكثر، ومما جاء فيه: "كان عليّ أن أقبل بالأمر الواقع: روائي من غير رواية" ثم رحت أستعرض محاولاتي الأولى التي أجهضت في مجال كتابة الرواية، بعد أن تحدثت في مكان آخر عن مخطوطي الروائي "على هذا العنوان رجاء" الذي لم ير النور، لأنه كان محاولة أولى غارقة في الحب والأيديولوجيا، وأتوقف عند بعض محاولاتي الجادة لكتابة الرواية، ومن بينها الكتابة عن "الرميلان" حيث سعيت لإجراء معسكر هناك لكتابة رواية ذلك المكان، وهو ما سأشتغل عليه إن أمكن. مما أقوله تحت عنوان "الروائي": "ما أكتبه هنا، ليس مرافعة عن عقم النص الشعري، أو

القصصي، أو المقال، أو الحديث الشفاهي، مسموعاً، أو متلفزاً، ولا عن عقم الفعل، في إشهار اللا اللازمة، مخففة، من أرديتها، وأقنعتها، كي تلفظ لا هكذا، بيد أنها نتاج إحساس بأن يتم إعراب الرفض، في وثيقة لا يقبل تدوينها الهتك، وتعكس أناة الفعل والقول"....

(*) ما سرُّ هذا التناص بين عنواني قصيدتك وروايتك؟
تسمية روايتي بـ"شنكالنامه" جاءت متأخرة. اخترت لها أكثر من عنوان تجاوزته، قبل أن أستقرَّ على هذا العنوان، معتبراً أن الإبداع واحد، وأن عوالم القصيدة والرواية واحدة، وأن هذه الأخيرة تحكي سرداً في بعض التفاصيل التي لا يمكن للقصيدة أن تقولها.

الخيال والواقع
(*) قرأت في الكثير من الأخبار والمتابعات التي نشرت حول الرواية بأنها وثائقية؟
بين وثائقية ولا وثائقية الرواية "شعرة" رفيعة، فهي انطلقت من الواقع إلا إنها لم تغفل ما هو خيالي، بل يمكن القول إنها زاوجت بين الخيال والواقع، ولا بد هنا من أن أشير إلى أن الواقع كان أشدَّ درامية من الخيال، إذ إني أعتقد أنه لو أن أعظم الكتاب اشتغلوا على تناول هذه المأساة فلن يستطيعوا أن يعوضوا عن صرخة إحدى السبايا، وهي تتعرض لانتهاك كرامتها، وقربان ذلك أمام عينيها: دماء أبيها وأخوتها وأمها وجيرانها. ما حدث أكبر من أي توثيق، أو عمل إبداعي. حسبنا أنني قاربت هذه التراجيديا العظمى. أشرت إليها. أبديت موقفاً جمالياً/ أخلاقياً، وأشدد على ما هو أخلاقي هنا بعكس من قد يجرد الفن من بعض أدوات ووسائل وشروط موقفه. ثمة موقف تناولته، من دون أن أطلع على ما تم، وقد حدث أن ما تخيلته واقعي، حتى أن اسم الضحية الذي تناولته كان واقعياً، ولقد عزوت إلى إمكان سماعي بالحدث وتدويني له على نحو آلي.
في المقابل، هناك بعض الوقائع التاريخية. هناك بعض الحوادث. المواقف التي تناولتها وبالأسماء كانت واقعية، إلا إنني لم أتناولها على نحو تسجيلي، بل وظفت ذلك في سياق هذا العمل الفني، وأكرر أنني واثق من أنه لا هذا ولا ذاك يرتقيان إلى مستوى ألم الواقع، ومرارته، وعنفه....!

(*) وردت في الرواية إشارة إلى أنها جزء من ثلاثية، متى يتم إنجاز الجزأين الآخرين؟
حقيقة لا أريد أن أتحدث عما أكتب، لأسباب عديدة، إلا أن ما كتبته حقاً هو جزء مما أريد تناوله. حسناً، سأستطرد قليلاً وأقول: لقد أهدرت الكثير من أوقاتي. لم أستثمر الوقت يوماً ما. كان بإمكاني إنجاز الكثير مما خططت له. حتى مخطوطاتي التي اشتغلت عليها قبل سنوات بعيدة لم أكملها. الآن بدأت أحس بأنني أخطأت كثيراً بحق مشروعي الكتابي، بعد أن غدا

مسوغ وجودي الوحيد، وبعد أن ألغيت بسببه الكثير من المشاريع التي تشغل حتى الكتاب، فلا شيء أملكه خارج إطار أسرتي ومحبي من حولي إلا أمرين: الموقف والكتابة..!

(*) تم تكريم روايتك من قبل مركز لالش في ألمانيا مؤخراً... كيف تنظر إلى ذلك؟
كان ذلك التفاتة ثمينة من قبل مركز لالش الثقافي الاجتماعي، وهو بمثابة سفارة أو رئة معبد لالش المقدس في إقليم كردستان. المعنيون بمركز لالش عنوا بالرواية ومنحوها جائزتهم التقديرية في أول دورة لها كما يخيل إلي، إلى جانب تكريم باحث إيزيدي هو نادر دوغاتي عن حقل البحوث والدراسات. الجائزة رمزية، لكنني اعتبرتها وساماً ثميناً على صدري، فهو قد جاء من ممثلية جهة تعد نفسها المعنية بشؤون الإيزيديين في العالم، كما أن ذلك تم بحضور بعض بنات وأبناء شنكال، وغيرهم من الأخوة الإيزيديين، وكان هناك تمثيل لوزارة البيشمركة التي تمثل تلك القوة التي دحرت تنظيم داعش.

(*) ماذا تكتب الآن، رواية أم شعراً؟
بين يدي مشاريع كثيرة، من بينها رواية بعنوان "شيخ الحديد"، أتناول فيها تراجيديا "عفرين" من خلال شخصية الشاعر حامد بدرخان. ثمة ما أنجزته في هذا المجال، كما أني لما أزل في انتظار كتابة قصيدتي التي أحلم بها.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.