}

أسماء حسين: الشعر إلهامي والقصة بيتي والترجمة ضرورة

صدام الزيدي صدام الزيدي 28 أبريل 2019
تعتقد المترجمة المصرية أسماء حسين أن هناك تطورًا متصاعدًا في حركة الترجمة المعاصرة من حيث الذائقة والجودة والكم ينعكس في الأعمال المترجمة، مشيرةً إلى أن الجيل المعاصر من المترجمين يمتلك حسًا إبداعيًا ملحوظًا وتذوقًا واعيًا.
وعن اهتمامها بالترجمة، ولِمَ تُترجِم؟ قالت أسماء حسين (وهي شاعرة وكاتبة قصة ومترجمة مصرية من أم فلسطينية): "أترجم حتى لا يضيع النص في سجن لغة واحدة".
بدأت أسماء (29 عامًا) ككاتبة قصة حيث شغفها الأكيد وبيتها الحميم الذي لا يمكن مغادرته: "لا شيء يمكن أن يأخذني من القصة القصيرة لأنها منزل حميم دائم لي لا يمكنني مغادرته". وعن تفاعلات الكتابة إجمالًا تقول: "إن أجمل ما يحدث للكاتب في مشواره هو أن يكتب ذوقه، والأجمل حين يكتبه على نحو جيد"، مشددةً على أن "قراءة الأدب مران أساسي لكتابته بشكل جيد".
لكن بصدد الحديث عن الشعر (وهي من كُتّاب قصيدة النثر الشباب في مصر) تعترف أسماء حسين في هذا الحوار مع "ضفة ثالثة": "الشعر هو إلهامي الأول للكتابة، يليه الفن التشكيلي. الشعر وحده يغفر لنا حماقاتنا ويفي بالبقاء معنا دائمًا ولا يسيء فهم ندوبنا".
هي خريجة قسم الصحافة بكلية الإعلام، ومع ذلك لم تنل الصحافة شيئًا من اهتمامها: "الصحافة تأكل من الكاتب أو الشاعر جزءًا من مصداقيته، مهما ادعى بعكس ذلك". وفي هذه الجزئية تتحدث أسماء بجرأة عن مشهدية الصحافة العربية وهي المتمردة في آرائها وفيما تكتب من قصص ضد ممارسات مجتمعية تجد فيها انحسارًا عن القيم. لكن الحنين يبقى فلسطينيًا، تماهيًا مع حنين الأم للوطن وللجذور: "حين أكتب عن فلسطين أطل على العالم من بيت فلسطيني".
هنا الحوار معها:

* ذات يوم بعيد، تخلص شقيقك الأكبر من حزمة كتب ضاق بها ذرعًا فذهبتِ أنت لاحتضانها؟ ما الذي حدث بالضبط؟
بالفعل في عمر الثامنة، اتجه شقيقي للتخلص من مكتبته القديمة بأكملها لأسباب خاصة به ذلك الحين، وكنت شغوفة بالكتب والقصص الطفولية منذ صغري، وأعتقد أن لذلك الأمر علاقة بالحكايات التي كانت أمي تحكيها لي قبل النوم في طفولتي ولم أكن أغفو عادة من دونها، شغفي كان سببًا لكوني لم أتحمل رؤية الكتب تطرد كضيف منبوذ خارج المنزل، وتلقى بإهمال. اعتبرت أنني كمن وجد كنزًا لا يشاركه فيه أحد بفرحة ويتسلل لسرقته، خاصة وأن أغلب الكتب كانت تكبر عمري وعقلي ثقافة في ذلك الحين ويطغى على شعوري بها الانبهار، وكما أقول دائمًا حول نفس الأمر. في الحقيقة، اعتبرت الكتب أصدقاء مقربين دائمًا، ولا أحد يتخلى عن أصدقائه. وهكذا بدأت أوطد علاقتي ومعرفتي بأصدقائي. 

حكايات النوم وغرام القصص
*"حكايات للأمير حتى ينام" ليحيى الطاهر عبد الله هو أول كتاب قرأته. هل هذا ما قادك إلى كتابة القصة القصيرة؟
وقعت في غرام القصص القصيرة مع حكايات النوم التي غمرتني بها أمي، ثم تطورت عاطفتي مع قصص ومجلات الأطفال المطبوعة في ذلك الحين والتي كان شغفي بها كبيرًا، واتخذ

شعوري بالقصة منحى آخر بمثابة مفترق مع قراءتي في ذلك السن اليافع لمجموعة "حكايات للأمير حتى ينام"، وتليها مجموعة "صفحات مطوية" لصلاح ذهني، والتي وضعتني لأول مرة في عوالم الواقعية المجردة من المخيلة، حيث صادفت أدبًا ينقل جزءًا حيًا من تجارب وحيوات البشر أتعرف عليه لأول مرة. وبين الإطارين، الواقع والمخيلة، تتنوع كتابة القصص، لكن تظل القصة الجديرة بالكتابة عليها أن تسرق قارئها من عالم وتمنحه آخر خلال لحظات قصيرة، حتى يشعر بفارق عند العودة.

* في 2012 صدرت لك "عذرية" مجموعة قصصية أولى، ثم في العام المنصرم 2018 صدرت لك مجموعة ثانية "فسحة بويكا". بين ذلك وصلت قصتان لك إلى القائمة القصيرة في جائزتين مهمتين (جائزة إليزابيث جولي وجائزة مسلكسيا لأدب المرأة)، كما فازت إحدى قصصك في مسابقة أدبية فلسطينية. أعطنا لمحات عن هذه التفاعلات؟
خلال المجموعات والتجارب السابقة قصدت مزج الواقع مع الخيال مع تغليب الكتابة الواقعية الفاضحة لكل الحالات الإنسانية التي رأيتها في الواقع حولي. لقد تعمدت حتى توريط محيطي الاجتماعي في كتابتي الواقعية بكتابتي عن التزمُّت والازدواجية التي رأيتها فيه، وحكايات التحرش داخل الأسر التي عاصرتها وكنت شاهدة على ضحاياها، وجراح القضية الفلسطينية التي تمس أقرب الناس لي، وحكايات عن اليأس والاغتراب والحب والخيانة وشغب المجتمع، وكلها تمُتُّ لواقعنا بصلة. لكنني في التجربة التالية حرصت على كتابة شغفي ذاته.. كتابة ذوقي أنا وما أحبه أكثر من سواه وأنحاز له بشدة.. وهو الواقعية السحرية.. وما زلت أردد بأن أجمل ما يحدث للكاتب في مشواره هو أن يكتب ذوقه، والأجمل حين يكتبه على نحو جيد. 

الشعر رؤية للحياة
* تكتبين قصيدة نثر جميلة ومغايرة. متى تحديدًا اتجهتِ إلى كتابة قصيدة النثر؟ ومتى ترى النور قصائد لك في كتاب؟
اتجهت لكتابة قصيدتي الخاصة من سنوات. كانت لها ملامحها الواضحة من 2016 تقريبًا، لكني انتميت لمحبي قصيدة النثر قبل ذلك بزمن طويل، ولعاشقي الشعر في المطلق منذ الصغر. بعكس كل ألوان الكتابة الأخرى، بالنسبة لي، الشعر لا يقع في منزلة اعتباره لونًا للكتابة أو القراءة فقط، أو يقع في ترتيب انحياز أو تذوق مع الألوان الأخرى، بل هو اتجاه للحياة. ولا يقع هذا الكلام ضمن الكليشيهات الشائعة عن الشعر والشعراء. بل في رأيي، لا يمكن للشعر الحقيقي الحر إلا أن يكون نظرة للحياة ذاتها بأكملها، كرؤية وحس وليس مجرد نص أو مجاز. الشاعر الحقيقي يكون شاعرًا حتى في نظرته للأشياء، تلمس روحه فيما يفعل وفيما يريد وفيما يكون. كقارئة أنا أتغذى على الشعر، لا أقرأه فقط. والشعر يسيطر على خيالي وروحي وعلى أرفف مكتبتي، وحتى عند كتابتي للنثر أختار أن أكتبه بقدر من الشعرية التي أثق برؤيتها في الحياة. ومخيلتي أيضًا بحاجة إليه حتى لتكتب القصة. الشعر هو إلهامي الأول للكتابة، يليه الفن التشكيلي. بعكس أغلب الكُتّاب ممكن تكون القراءة والتجارب حافزهم الأول، ففي الحقيقة لا، في حالتي التجربة الحياتية هي بالطبع عامل نضج وخبرة يضيف للكتابة، وقراءة الأدب مران أساسي لكتابته بشكل جيد، لكن الإلهام الحقيقي العفوي لي يأتي من الشعر والفن التشكيلي.. يمكنني أن أخرج قصة من داخل شارع، لكن ما يدفعني لكتابتها بالفعل أن تلوح لي من داخل مخيلتي أمام لوحة. لطالما اعتقدت أن الشعراء باستطاعتهم نقل الحساسية المغمورة في التفاصيل بفاعلية أكبر للأشخاص الذين ينهمكون في الحياة اليومية والنشاطات العادية التي تسحب منهم حق الشعور بما خلف القشرة وما داخل العظام. وقبل أي شيء آخر وأكثر من أي شيء.. الشعر وحده يغفر لنا حماقاتنا ويفي بالبقاء معنا دائمًا، ولا يسيء فهم ندوبنا.

*"القصة القصيرة هي لوني المفضل الذي أنحاز له دائمًا انحيازًا متطرفًا". أقتبس هذا الكلام لك. هل سيحول الشعر أو الترجمة دون استمرار هذا التطرف الجميل في يومٍ ما؟
لا شيء يمكن أن يأخذني من القصة القصيرة، لأنها بالفعل منزل حميم دائم لي، يمكن القول بأنه منزل لا يمكنني مغادرته حتى وإن سافرت أو تنقلت أعود إليه بالضرورة. إني أنتمي أيضًا إلى المنحازين إلى مخيلة الأطفال في الكتابة، حيث كل شيء يقع في المخيلة هو حدث ممكن حدوثه داخل القصة، وكل عالم يحمل عالمًا آخر خلفه ربما، وهو ما يتيحه برحابة عالم القصة القصيرة.

عن الترجمة
* في 2017 انطلقت كمترجمة محترفة. ولك ترجمات شعرية وإبداعية عن الإنكليزية منشورة في الصحافة الثقافية العربية.. لماذا تترجمين؟ ما واقع الترجمة الأدبية في المنطقة العربية الآن؟ ولماذا أدبنا العربي لا يُترجم إلا في مبادرات قليلة جدًا هنا أو هناك؟
بدأت من الرغبة في مشاركة الجميع ما أحببته أو ما تمنيت كتابته بنفسي ولم تتسن لي الفرصة ذاتها. وحتى لا يضيع النص في سجن لغة واحدة ونطاق واحد دون أن يصل إلى ما يستحقه من الوجود والانتشار. ثم أردت أن أتقن الترجمة، أن أجدها مغذّية لمخيلتي ووعيي لا أن أستخدمها للاطلاع والمشاركة فقط. وأرى تطورًا متصاعدًا في حركة الترجمة المعاصرة في

الأعمال من حيث الذائقة أو الجودة أو الكم. كما أن الجيل المعاصر وما قبله بقليل من المترجمين يمتلك حسًا إبداعيًا ملحوظًا وتذوقًا واعيًا. ولكن بالطبع وللأسف لا يحظى الأدب العربي بنفس الفرصة للهجرة والتجدد، وهذه إحدى الصعوبات التي تواجهها الترجمة إلى جانب عائق جدلية اعتبار المترجم كخائن والنظر للترجمة باعتبارها خيانة للنص الأصلي. العديد من الأعمال الإبداعية العربية تتفوّق على أفضل أعمال الأدب الغربي وتستحق الترجمة وفرصة أن تحظى بقراءة حول العالم. ولا أتفق مع من يرون أن الترجمة مجرد عملية شكلية وفعل زهو أو اكتساب "برستيج ثقافي"، وأننا نكتب فقط لمواطنينا، أو اتجاه البعض للاحتفاء بعمله المترجم بمجرد صورة وبضعة لايكات، بل هي عملية ضرورية لانتشار الأدب ولا تتعارض مع حقيقة أن صوت الكاتب العفوي يوجه لأهل وطنه، وتجربة هامة لأي عمل أن يكون مقروءًا حول العالم.

* يصدر قريبًا أول كتاب قمت بترجمته وهو عبارة عن قصائد لشاعرات معاصرات عن الإنكليزية. ماذا عنه؟
هو مجموعة من المختارات المترجمة لعدة شاعرات، تشترك في كونها تنتمي إلى قصيدة النثر النسائية المعاصرة كذلك، وتحمل عنوان: "نساء يصعب حبهن"، حيث تُحوِّل شاعرات تلك المجموعة الشعر تارة إلى نهج حياة خاص، وتارة إلى وسيلة للتعافي، وأحيانًا إعلانًا مشهرًا في وجه العالم عن الرفض والغضب؛ بينما يُحوِّلن الحياة بكل تفاصيلها إلى قصائد، تُسمّي اللحظات والمشاعر والتجارب بمسمياتها الحقيقية.

عن الصحافة!
*تخرجتِ في قسم الصحافة بكلية الإعلام. وما يُنشر لك هو أعمال مترجمة أو كتابات شعرية- قصصية.. هل أخذتك هذه الهموم عن ممارسة الصحافة كمهنة يومية؟
في الحقيقة الصحافة لم تنل محبتي يومًا، أو أشعر بالرضى لممارستها كمهنة على أي نحو، برغم حبي العفوي لدراستي الإعلامية بشكل مجرد واستفادتي منها بالفعل في نواحٍ مختلفة من حياتي لاحقًا.
وأرى أنها تأكل من الكاتب أو الشاعر جزءًا من مصداقيته، مهما ادعى بعكس ذلك. لأن الصحافي يحيد انتماءاته وانحيازاته الإنسانية بالضرورة، ويخضع بشكل أو بآخر لظل مؤسسته التي ينتمي لها، وإن فعل ما دون ذلك فهو ليس صحافيًا محترفًا كما تقول المهنة وتعلمه مبادئها الصارمة. الصحافي حرفي جيد ويتعلم وضع المجاملة الضرورية في قالب من المودة أو الهجوم المستتر في قالب من الموضوعية، ويتبنى صيغته الشاعرية إن لزم الأمر إذا ما كانت الصحافة أدبية مثلًا. ويتعلم الخضوع لقوانين مؤسسته وما يمليه عليه عمله. لا يمكن للصحافي العام أن يعلن انحيازاته العارية، وعليه فقد يقف أمام انحيازاته ذاتها عند تناول أي شيء بحياد مهني، بينما الصحافي في الصحافة الثقافية والأدبية لا يسعه أن يتبع ذوقه الخاص دائمًا، فهو إما ينحاز للكتابة بشأن ما يحب وما يتذوق فقط وفي هذا مجاملة لذوقه الخاص على حساب وعي القارئ الجمعي، وإما يتناول ما لا يحب بحماس مفتعل ومجاملات منمقة، وتصبح المقالات النقدية أو الحوارات الثقافية هي تلويحات صداقة مستترة ومجاملات متبادلة تتجمل وترتدي ثوب الموضوعية. لا يمكنني الانتماء إلى احتكار ملزم بالحياد الجاف أو المجاملة مثل الصحافة، وأرفض أن أخضع لأفكار اجتماعية لا تناسبني كي أخضع بشكل أو بآخر لأفكار مؤسسة.

* مع هذا لا يمكن إغفال دور الصحافة كواحدة من ضرورات التفاعل والتواصل الحضاري بصرف النظر عن ادعاءات الحياد أو ممارسات اللاحياد هنا أو هناك، وثمة هناك ما يمكن أن نقول عنه "الصحافة التخصصية". دعينا ننتقل إلى الفضاء التفاعلي: ماذا عن فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي؟
أحب مواقع التواصل الاجتماعي وأتفاعل معها بشكل شخصي، وأدبيًا أراها منصة ضرورية وحيوية في الزمن الحالي لانتشار ومتابعة الأدب والاهتمام بتناول الأعمال الأدبية، لأن اختلاف حركة النشر والقراءة واعتمادها على الانترنت بشكل كبير وتغير متطلبات العصر بشكل ما يعزل كلا من الكاتب والقارئ عن التواصل مع الحركة الثقافية ما لم يتصلا بتلك المواقع بصورة كافية.

* ما هي حدود جنونك؟
أعتقد أن لا حدود لجنوني.. في الواقع أو الخيال. وفي الواقع كلما زاد وعي عقلي أو إدراكه زاد جنوني كذلك.. لأن المرء أحيانًا يزداد جنونًا حين يزداد عقله رجاحة بنفس القدر والضرورة.

* ماذا عن الحنين، حين يجيء فلسطينيًا؟
الكتابة عن الشأن الفلسطيني ومن داخل الهوية الفلسطينية إحدى هواجسي دائمًا، شأنها في ذلك شأن فكرة الموت ونسبية الفن. وأعتقد أن للكاتب دائمًا هواجسه الخاصة مهما حاول التخلص من ذلك. أنا منحازة دائمًا للهوية الفلسطينية. ولا أحاول بالضرورة أن أستدعي الأمر بل يأتي وحده وأترك يدي وأكتب ما لدي.  وحين أكتب في هذا الشأن أحاول أن أسير داخل حذاء مواطن فلسطيني حقيقي بقدر الإمكان وأقف لأطل على العالم من بيت فلسطيني.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.