}

ريتا الحكيم: الحرب أنهكتني نفسياً، وسورية لكل السوريين

صدام الزيدي صدام الزيدي 5 يوليه 2018
"الحقيقةُ النَّاصعَةُ في كلِّ هذا الغِيابِ والتي لا لبسَ فيها/ هي أنّني سأموتُ واقفةً على رِجلٍ واحدةٍ/ والأُخرى سأركلُ بها هذه الحربَ اللعينةَ".
 
اختارت الكتابة للتعبير عن مآسي الحرب في بلدها (سورية)، في أتون مشهدية ثقافية انقسمت بين معارضة وموالاة، بين شتات الوطن والمهجر، على السواء، ذلك لأن "الألم يخلق فينا مساحة للتعبير، ولكل منَّا طريقته الخاصة".
 
هي على تماس دائم مع شواطئ اللاذقية (حيث تقيم الآن)، تذهب إلى البحر حينًا، وحينًا إلى الوحدة والموسيقا، وبالشعر ترمم ما انكسر تحت وطأة الحرب، تمامًا "كما لو أن النوتة سقطت سهوًا".
 
الشاعرة والكاتبة السورية ريتا الحكيم في حوار مع "ضفة ثالثة": "الحرب أنهكتني نفسيًّا، وتركت في أعماقي جرحًا لن يندمل. أحمل رسالة إنسانية: سورية لكل السوريين، مَن هاجر قسرًا، ومَن انتشر في أصقاع العالم كلاجئ".
 
 
* لنبدأ من سؤال الكتابة: لماذا تكتبين؟

بطبعي أميل إلى الصمت وأحب الهدوء، كنت أكتب دون أن يطلع أحد على خربشتي - هكذا أسمِّيها - وذلك لأنني أجدها فسحة لذاتي أعبِّر فيها عما يجول في داخلي من مشاعر دون رقيب، أي أنها مساحة واسعة من الحرية تخصني وحدي. حين لا يجدي الكلام في زمن التلوُّن المجتمعي ألجأ إلى القلم، وحده يسعفني في لحظات الغضب والحزن والفرح.
أنا جزء من كلّ في المجتمع الذي أعيش فيه وبالتالي العلاقة بيننا تتّسم بتأثير مُتبادل بيننا، وما أراه من حولي هو الأس الذي بدأت من خلاله، وأطلقَ سراح ما أكتبه أو ما سبق لي وكتبته وأبقيته سرًّا في أدراجي. كان لوالدي التأثير الإيجابي في طفولتي لأنه كان مستمعًا جيِّدًا لهموم طفلة كانت ترى العالم بلون وردي، ولم يخطر ببالها أنه عالم مخاتل يقتات على شروره.
أكتب لأنني عشت محنة الحرب بكل مآسيها وشاهدت الدمار والخراب، وكل هذه الدماء التي هُدرت لشباب في عمر الورود.

 
* "سؤال الكتابة"، يحيل إلى البدايات.. ما ملامحها البعيدة؟

لم أخطط لأن أكون كاتبة، ولكن كما ذكرت سابقًا كانت لي بدايات خجولة فيها، بقيت حبيسة أوراقي إلى أن دخلت عالم السوشيال ميديا، وهنا بدأت حكاية الكتابة تأخذ منحى آخر، استجمعت شجاعتي وخرجت عن صمتي بالكتابة.
مع أنني تأخرت إلا أنني لست نادمة على هذا التأخير، ربما هذا كان لصالحي، خاصة حين أقرأ ما كتبته سابقًا، وما أكتبه الآن، وأستطيع القول إن تجربتي نضجت بسبب هذا التأخير.
هناك أمر إيجابي مع أنه سبَّب لي حزنًا لا يمكن التعبير عنه، وهو أنني كنت مُلازمة لوالدتي أثناء مرضها، وكنت أقضي الليالي وأنا أكتب عن هذا الحزن الذي ما استطعت إلى الآن تخطَّيه، وهذا يظهر جليًّا في كل كتاباتي، حتى أنني لم أكن أحدد جنس النص الذي أكتبه، فقط حين أنتهي منه، يخبرني هو عن جنسه.
للقصة القصيرة مكان الصدارة في ما كتبته في البدايات. كتبت القصة القصيرة جدا وانتهيت بالشعر، وقد كانت لي مشاركة في كتاب مشترك (الوهم الجميل) عن دار المبدعون للنشر في مصر، وهو لمجموعة من كتَّاب القصة القصيرة جدًا من مختلف البلدان العربية.
 


* صدرت لك في 2017 مجموعة شعرية أولى "كما لو أن النوتة سقطت سهواً"، وأيضاً "نزق" باكورة في القصة القصيرة.. هل تأخرت بواكيرك أم أنها جاءت في وقتها؟ حدثينا عن أجوائهما؟

- "كما لو أن النوتة سقطت سهوًا" وهي صادرة عن دار "دال"، كانت حصيلة سبع سنوات من الحرب. فيها دوَّنتُ مأساة ومعاناة وطن من خلال ما كان يعتريني من ألم وأنا أراه ينزلق إلى هاوية لا قرار لها. حكيت فيها عن الإنسان المقهور والمقموع في ظل سياسات وسلطات أبوية لا تُقدّر أن الوطن لا ينهض إلا بأبنائه، وأن كل هذا الحيف الذي أصاب منه مقتلا سيبقى في ذاكرة التاريخ وصمة عارٍ لا تُغتفر. أدين لصديق وأخ عزيز جدًا بنشرها، وذلك أنه شجعني على جمعها وطباعتها.
أما عن المجموعة القصصية "نزَق" الصادرة عن دار المختار في مصر، فهي أيضا تتناول هذه الأوضاع، وقد اعتمدتُ في أغلبها على الرمزية، ولكن دون إبهام، لإيصال ما أردت طرحه.
 
* العمل، الأولاد، القراءة، الكتابة، التفاعل الاجتماعي.. كيف هي يومياتك؟

أعطيت العمل الكثير من جهدي ووقتي، لأنني من دُعاة أن مَن يلتزم بعمل عليه أن يؤديه على أكمل وجه، وخاصة أنني أعمل في مجال التدريس وتقع على عاتقي مسؤولية كبيرة تجاه الطلاب.
إضافة إلى ذلك مسؤوليتي تجاه ولديَّ كانت شغلي الشاغل، وكل جهودي كانت تتركز في بناء الإنسان السَّوي فيهما، وواكبتهما في كل مراحلهما الدراسية كمُرشدة، لذلك علاقتي بهما علاقة صداقة مبنية على الصراحة، وهذا أيضا أحد الأسباب التي ساهمت في تأجيل مشاريعي الشخصية في ما يخص الكتابة.
أعشق القراءة وقد بدأتها في سن مبكرة جدًا، وهذا ما دفعني لإعادة قراءة كل الكتب التي قرأتها حين شببت عن الطَّوق؛ لأجد نفسي أمام رؤىً أخرى وانطباعات أخرى أكثر نضجًا.
اليوم أنا تقريبا متفرِّغة للكتابة، وهي متعتي في وطن أصبح سجنًا كبيرًا دون سجان أو أقفال، هذه هي تداعيات الحرب.
علاقاتي الاجتماعية محدودة وصحبتي تكون مع من أرتاح في مجلسهم، وأرتاح لأحاديثهم، لأنني بطبعي أميل إلى الأجواء الهادئة، وأحب الاستماع إلى الموسيقا.
 

* تخرَّجتِ من كلية الآداب؛ حيث مُنحتِ إجازة في الأدب الفرنسي، وعملتِ مُدرّسة للغة الفرنسية لطلاب الثانوية في سورية، ما الذي أضافه إليك هذا ككاتبة حداثوية عربية؟

تخصصي الجامعي في الأدب الفرنسي وسَّع لي الآفاق، لأنه انفتاح على ثقافة غربية تزخر ببديع الشعر، والقصِّ، والمسرح، والرواية. التعرف على الثقافات الأخرى ضرورة ملحة وخاصة لمن يعنيه الأدب بمختلف أجناسه. الاطلاع على الأدب الغربي ساهم في إغناء تجربتي والأخذ بيدها إلى بر الأمان، وتعلمت من خلالها الخروج عن النمطية في السرد، والشِّعر.
 
* هل يعيش المشهد الثقافي السوري، اليوم، بين واقع متداعٍ وبين منفىً بعيد؟

المشهد الثقافي السوري اليوم، تأثر أيضا بمجريات الأحداث؛ فانقسم إلى شقَّين، بين معارضة وموالاة، ونشأ ما يمكن تسميته أدب الثورة.
المنافي تزخر بمواهب مهاجرة بسبب الحرب والقتل الذي طاول الكثيرين، وهذا أمر محزن فعلا، أن ترى إبداعاتهم في المنفى ولا تصل إلينا نحن كقرَّاء. أستطيع القول إن هذا الانقسام الذي حصل ربما سيكون مؤشرًا لنقلة نوعية بالنسبة للشباب المهاجر.
لكن هذا لا ينفي أن الحركة الثقافية في سورية ما زالت بخير، رغم كل ما حدث خلال الثماني سنوات الماضية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الساحة الأدبية في سورية لا تخلو من المحسوبيات، والشللية. وأود أن أشير إلى أنني إنسانة تجد متعتها في التعبير الكتابي، والنصوص هي جسر عبور إلى الآخر بغض النظر عن أي لقب (شاعرة أو كاتبة)؛ فأنا أرسم بالكلمات ما لا أستطيع قوله جهرًا وأتحايل على المعنى بأسلوبي وطريقتي الخاصة ـ نحن في بلد عربي - وهذا يكفي لأن يجعلك مقيّدًا بعض الشيء، خاصةً في ما يخص الوضع الحالي بعد سنوات الحرب، لكنني أحمل رسالة إنسانية هدفها أن سورية لكل السوريين، مَن هاجر قسرًا، ومَن انتشر في أصقاع العالم كلاجئ.
 


* لك قصائد باللغة الفرنسية، (نشر عدد منها في مجلة مشارف) بينما تكتبين بـ"العربية". حدثينا عن هذه التجربة بين ضفتين؟

تجربتي هذه جديدة وأعادت إلي بعضًا مني كنتُ قد تغافلتُ عنه في زحمة انشغالاتي، وأراها تجربة غنية ومحفزة لممارسة ما درسته في الجامعة عن الشعر الفرنسي وقواعد نظمه.


* كيف تقيمين تفاعلية حركة الترجمة من وإلى الأدب العربي - الأدب العالمي، بحكم اطلاعك على ترجمات بين العربية والفرنسية؟

لا بد من قراءة الترجمات وإلا كيف سنثري معرفتنا ونشبع هذا النهم للقراءة الذي لم يعد يقف في وجهه اختلاف اللغات، ولكن رغم وجود ترجمات على مستوى جيد جدًا، إلا أن القراءة بلغة الكاتب تبقى أكثر متعة وأكثر دقَّة.
 

* بين الشعر والقصة القصيرة.. أين هي ريتا الحكيم؟ لا سيما أن منشوراتك الفيسبوكية في معظمها تندلع شعراً؟

أنا بينهما على علاقة وطيدة ولا أستطيع أن أحدد ميلي إلى أي منهما، لأنني أجد ريتا في كليهما، ولكن يبقى للقصة القصيرة فضاء أكثر رحابة أستطيع التنقل فيه بحريَّة، خاصة أن الشخصيات التي أعتمدها هي شخصيات حقيقية عرفتها في زمن ما، وأبني عليها القصة بإسقاطات على ما يجري حولي من أحداث، حتى أنني لا أغيّر أسماءها الحقيقية في كثير من القصص التي كتبتها.
هناك مجموعة شعرية ومجموعة قصصية، جهزتهما للطباعة وأنتظر الوقت والظرف المناسبين لذلك.
 


* هل سنقرأ لك رواية؟

الرواية ربما تكون ضمن خطة مستقبلية، ولكنها تحتاج إلى دراسة واطلاع، وهذا يحتاج مني إلى التأني في البدء بها، مع أنني وضعت فكرتها، وشخصياتها على مسودتي. أتمنى أن أكمل فيها، ولكن كما قلت، هذا يحتاج إلى الكثير من الصبر حتى تكون النتائج جيدة وكما أريد لها أن تكون.
 
* فزتِ بالمركز الأول في مسابقة للقصة العربية، نُظِّمت في مصر قبل سنوات، وهي إحدى الفضاءات التحفيزية التي فتحتها أمامك منصات التواصل، حدثينا عن الجائزة؟

أكون جاحدة إن أنكرت القيمة المعنوية لهذه الجائزة، وأعتبرها نقطة الانطلاق، إذ بسببها تابعت كتابتي للقصة القصيرة، واعتبرت أن ما كتبته لاقى استحسانًا من مختصين في هذا المجال، يعني أنني كتبت شيئا مهما وليس عاديا، وخاصة أن المشاركين من عدة بلدان عربية. طبعا لم أستلم الجائزة شخصيا ولم تصلني أيضا، وهذا ليس بتقصير من القيمين على المسابقة، وإنما لأن الدعوة التي وجهوها إلى السفارة السورية في مصر لحضور حفل استلام الجائزة نيابة عني، تم الاعتذار عن تلبيتها، لأن السفير والقائم بالأعمال في السفارة ليس لديهما الوقت للحضور، ومشاغلهما كثيرة! بعد ذلك، هناك نصوص كتبتها خضعت لقراءات نقدية أكاديمية ونشرت في مواقع عديدة، وهذا حدث من خلال مؤسسة المختار على الفيسبوك التي يديرها الدكتور مختار أمين والذي طُبِعَت مجموعتي القصصية "نزق" في دار النشر الخاصة به، وقد كان سندًا وداعمًا إلى أن رأت المجموعة النور.
 
* بالحديث عن الجوائز الأدبية العربية، ما حكايتها؟ 

- الجوائز لا تضيف شيئا لقدرات الكاتب، أكثر ما هنالك أنها تحفيزية، ويبقى العمل الجيد في الصدارة إن نال جائزة أم لم ينلها.
 

* ما هو تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي في إشراقة حضورك؟ وإلى أي مدى باتت ضرورية، للمبدع تحديداً؟

الشبكات الاجتماعية بالتأكيد لها الدور الإيجابي لمن يحسنون استخدامها لغرض نبيل وهو إيصال رسالة من خلال كافة الأجناس الأدبية، وهي منبر للتعريف بهم والاطلاع على كتاباتهم، لكن لا يمكننا إغفال ما يحدث من انتهاكات: سرقة النصوص بحذافيرها وما إلى هنالك من أضرار تُحيق بكاتب النص الأصلي.
تبقى المطبوعات الورقية في مأمن من كل هذا، ولكن الكلفة الباهظة للطباعة تدفع بالكثيرين إلى السوشيال ميديا لتعريف الناس بهم وبنتاجهم الأدبي.
لكن علينا أن ننظر إلى النصف المليء من الكأس حتى لا نقع في فخ التجني على هذه الشبكات الاجتماعية، أي لا يمكننا تهميش دورها الإيجابي رغم كل ما ذكرته عن مساوئها.
 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.