}

إسرائيل تسعى لمحو إرث حضارات غزّة المتعاقبة

أوس يعقوب 23 نوفمبر 2023
هنا/الآن إسرائيل تسعى لمحو إرث حضارات غزّة المتعاقبة
المسجد العُمري الكبير


تتعرّض العديد من المواقع الأثريّة والمباني التاريخيّة والتراثيّة والدينيّة في قطاع غزّة، إلى القصف العنيف من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيليّ، منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر الفائت، ضمن عملية إبادة ممنهَجة للتاريخ الحضاريّ والمعماريّ للمدينة، في انتهاك سافر للقوانين والاتّفاقيات الدوليّة؛ ومنها (اتّفاقيات جنيف) التي تحظر "ارتكاب أيّة أعمال عدائية موجّهة ضدّ المعالم التاريخيّة أو الأعمال الفنّيّة أو أماكن العبادة التي تُشكّل التراث الثقافيّ أو الروحيّ للشعوب"، وذلك بالتوازي مع الإبادة الجماعيّة التي ترتكبها قوات الاحتلال ضدّ المدنيّين الغزّيّين.

"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" قال في بيان، الاثنين الفائت، إنّ "إسرائيل تتعمّد تدمير المعالم الأثريّة الفلسطينيّة في قطاع غزّة في إطار حربها المستمرّة منذ السابع من الشهر الماضي في استهداف صريح للإرث الحضاريّ الإنسانيّ".

وأفاد المرصد بأنّه وثق هجمات جوّيّة ومدفعيّة شنّها الجيش الإسرائيليّ على مواقع تاريخيّة عديدة تُشكّل الجزء الأبرز في التراث الثقافيّ في قطاع غزّة، بما في ذلك مواقع أثريّة ومبان تاريخيّة ودور العبادة والمتاحف ما أدّى إلى دمار وأضرار كبيرة فيها.

استهداف ثلاث كنائس تاريخيّة في القطاع

قبل صدور بيان "المرصد الأورومتوسطي" في العشرين من الشهر الجاري، أصدر "اتّحاد المؤرّخين والآثاريّين الفلسطينيّين"، في الخامس من الشهر الجاري، تقريرًا حول ما لحق بالعديد من المواقع والمعالم الأثريّة والمباني التاريخيّة والدينيّة من دمار وخراب، جراء العدوان الإسرائيليّ الهمجيّ على قطاع غزّة.

وقبل عرض ما جاء في التقرير الفلسطينيّ هنا، نتوقف عند ما أفاد به "المرصد الأورومتوسطي" حول المواقع والمعالم الأثريّة والمباني التاريخيّة والدينيّة، التي استهدفها جيش الاحتلال.

بيّن "المرصد" أنّ إسرائيل استهدفت المسجد العُمري الكبير وسط مدينة غزّة، ودمّر القصف مئذنته التي يعود تاريخ بنائها إلى 1400 عام، علمًا أنّه المسجد الأكبر والأقدم في قطاع غزّة، بمساحة تبلغ نحو 4100 متر مربع فيما كانت تبلغ مساحة البناء 1800 متر مربع.
كذلك استهدف القصف الإسرائيليّ ثلاث كنائس تاريخيّة في غزّة، لا سيما كنيسة القديس برفيريوس العريقة، والتي تُعَدّ أقدم كنيسة في غزّة، ويعود تاريخ البناء الأصليّ للكنيسة إلى عام 407 ميلاديّة، فوق معبد وثنيّ خشبيّ يعود لحقبة سابقة. وكنيسة العائلة المقدّسة للاتينيّين، التي شيّدها الأب جان موريتان في غزّة عام 1869م، بحيث طاولها تدمير جزئيّ أدّى إلى تشقّقات في الجدران والنوافذ، وهي الكنيسة الكاثوليكيّة الوحيدة في القطاع. والكنيسة المعمدانيّة التي تأسّست عام 1882م، من قبل جمعية الكنيسة الإرساليّة التابعة لكنيسة إنكلترا، وأعيد بناؤها عام 1950م، فقد أحدث القصف الذي استهدفها دمارًا كبيرًا في المباني الرئيسيّة والملحقة سواء في الكنيسة أو المستشفى الأهليّ المعمدانيّ.

إلى جانب ذلك، تعرّضت معظم أجزاء البلدة القديمة لمدينة غزّة وفيها 146 بيتًا قديمًا، إضافة إلى مساجد وكنائس وأسواق ومدارس قديمة وتاريخيّة، لتدمير شبه كليّ في هجمات جويّة ومدفعيّة إسرائيليّة.
ودمّر جيش الاحتلال أيضًا موقع البلاخية الأثريّ، وميناء غزّة القديم (ميناء الأنثيدون الأثريّ) في شمال غربي مدينة غزّة، والذي يعود بناؤه إلى 800 عام قبل الميلاد، وكان يعتبر من أهم المعالم الأثريّة في القطاع، وهو مدرج على اللائحة التمهيديّة للتراث العالميّ ولائحة التراث الإسلاميّ.
إلى جانب ذلك، دمّرت الطائرات الإسرائيلية بيت السقا الأثريّ في حيّ الشجاعيّة شرق مدينة غزّة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 400 عام على مساحة كانت تبلغ 700 متر.

كما تمّ، بحسب تقرير "المرصد" الحقوقيّ، رصد أضرار متفاوتة لحقت بمواقع تراثيّة أخرى، مثل موقع تل أم عامر (دير القديس هيلاريون)، الذي يعود بناؤه إلى أكثر من 1600 عام، وبيت الغصين وهو مبنى تاريخيّ يعود إلى أواخر الفترة العثمانيّة، وحمّام السمارة الذي يعود تاريخه إلى عام 1320م على الأقلّ.

أمّا المواقع والمعالم الأثريّة والتاريخيّة، التي استهدفها جيش الاحتلال بالقصف، ولم يذكرها تقرير "المرصد الأورومتوسطي"، وكشف عنها تقرير "اتّحاد المؤرّخين والآثاريين الفلسطينيّين"، الذي أعدّه المؤرّخ حسام أبو النصر، فأوّلها تل رفح، الذي دمّره منذ اليوم الأوّل للعدوان، وتضرّر جزئيًّا، وهو موقع أثريّ يعود إلى الفترتين اليونانيّة والرومانيّة، ويعرف محلّيًا باسم تل زعرب نسبة إلى عائلة زعرب، التي تقطن تلك المنطقة جنوب غربيّ مدينة رفح، وتبلع مساحته 160 دونمًا، وتعاقبت عليه العديد من الحضارات، أقدمها الحضارة اليونانيّة (330 عامًا ق. م).

دمّرت الطائرات الإسرائيلية بيت السقا الأثريّ في حيّ الشجاعيّة شرق مدينة غزّة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 400 عام 


كذلك تمّ تدمير الجامع العُمري بجباليا، وهو غير المسجد العُمري الكبير، وقد تمّ بناؤه على الطراز المملوكيّ، ويرجح المؤرّخون تأسيسه في عام 15 هـ، وتمّ تدميره تدميرًا كلّيًّا في 19 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
وفقًا للتقرير الفلسطينيّ، فإنّ العدوان الإسرائيليّ طاول كذلك، آثارًا ومعالم إسلاميّة مثل جامع الشيخ سليم أبو مسلم في بيت لاهيا، وفيها مقامه (بُني منذ 600 عام)، ودُمّر كلّيًّا، إلى جانب جامع الشيخ سعد في بيت لاهيا أيضًا، وعمره أكثر من خمسمائة عام، ودُمّر جزئيًّا. كما تعرّض جامع كاتب الولاية إلى تدمير جزئيّ، في 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.

أيضًا، تمّ قصف مسجد العباس، وفيه مكتبة العباس التاريخيّة، التي تضمّ لوحات حجريّة وبعض المخطوطات التاريخيّة النادرة، وقد أحرقت بالكامل وباتت غير قابلة للترميم.

كما طاول القصف الهمجيّ الإسرائيليّ، وفقًا للتقرير الفلسطينيّ، قصر الباشا، الذي أنشئ في العصر المملوكيّ، وهو يقع في حيّ الدرج بالبلدة القديمة لمدينة غزّة، وتحوّل إلى متحف يحتوي على العشرات من القطع الأثريّة النادرة. إضافة إلى حمّام السمرة العثمانيّ في حيّ الزيتون بمدينة غزّة، والذي أقيم في مبنى مملوكيّ أُسّس قبل ثمانية قرون.

كما طاول القصف، دائرة الآثار والمخطوطات التابعة لوزارة الأوقاف الفلسطينيّة.
وذكر أبو النصر أنّ طائرات الاحتلال دمّرت كذلك مواقع أثريّة وتاريخيّة أخرى وألحقت بها أضرارًا ّجزئيّة، وهذه المواقع ما زالت مهدّدة بالدمار مع استمرار العدوان، ومنها مقبرة الإنكليز، التي تعود إلى عام 1904م، ومبنى بلدية غزّة، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1893م، وغيرهما من المواقع.

 

غزّة من أكثر مدن العالم تراثًا تاريخيًّا وآثارًا

تُعَدّ مدينة غزّة وما حولها متحفًا تاريخيًّا، ولوحة سجّل الزمان عليها تراثًا مجيدًا ونفيسًا، وقد أجمع علماء الآثار والمؤرّخون على أنّ غزّة موغلة في القدم، بناها الكنعانيّون الذين وفدوا إلى فلسطين والساحل الشاميّ في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، لكنّ بعضهم يرون أنّها تعود في نشأتها للعرب المعينيّين "Minaeons" الذين كانوا يقطنون في جنوب الجزيرة العربيّة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وأنهم وضعوا حجر أساسها، أو على الأقلّ ساعدوا في نموها وازدهارها.

يعود تاريخ مدينة غزّة، وفقًا للكثير المصادر والمراجع التاريخيّة، إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ما يجعل منها إحدى أقدم المدن التي عرفها التاريخ التي صمدت لنوائب الزمان، وأكثر مدن العالم تراثًا تاريخيًّا وآثارًا، فمن موقعها الإستراتيجيّ كبوابة بين قارتي آسيا وأفريقيا، وواحة صحراء وقاعدة عسكريّة وسوق تجاريّة بين إقليمين متباينين، ربطت بين الحضارات القديمة والحضارات الأوروبيّة. ومن إرثها الحضاريّ والثقافيّ والمعماريّ الأصيل يفوح عبق التاريخ والحضارات المتعاقبة، الذي حاولت إسرائيل منذ احتلال القطاع في حزيران/ يونيو 1967م، السيطرة عليه وطمسه وسرقته بشتّى الطرق والوسائل، حيث تمّ نهب الآثار المهمّة بشكلٍ مخطّط ومنهجيّ من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيليّ.

وها هي إسرائيل تواصل اليوم، عدوانها الإباديّ على غزّة، وقتل المدنيّين فيها، وإلحاق الأذى والخراب بكافّة مواقعها الأثريّة ومبانيها التاريخيّة والتراثيّة والدينيّة، وتزوير وطمس الحضارة الفلسطينيّة.

ولأنّ المجال هنا لا يتّسع للتعريف بكلّ هذه المواقع والمعالم والمباني الأثريّة والتاريخيّة والتراثيّة والدينيّة في غزّة، رأينا الاقتصار على أهمّ معلمين تاريخيّين هامّين، هما: المسجد العُمري الكبير وقصر الباشا، لما لهما من مكانة كبيرة عند الفلسطينيّين عامّة، والغزّيّين على وجه الخصوص، بعد أن كنّا عرفنا في مقالة سابقة نشرت هنا، بتاريخ الثالث من الشهر الجاري، بكنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، الواقعة في حيّ الزيتون جنوبي المدينة، والتي تعرّضت في 19 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، إلى غارة جوّيّة إسرائيليّة.

تمّ تدمير الجامع العُمري بجباليا، وهو غير المسجد العُمري الكبير، وقد تمّ بناؤه على الطراز المملوكيّ


"العُمري الكبير" أوّل وأعرق مساجد غزّة

المسجد العُمري الكبير- (العُمري) نسبةً لثاني الخلفاء الراشدين عُمر بن الخطاب؛ و(الكبير) لأنّه أكبر المساجد بالقطاع- يُعَدّ واحدًا من أهم المعالم الإسلاميّة في فلسطين التاريخيّة، وأوّل وأعرق مساجد غزّة، وله تاريخ كبير يعود إلى أكثر من 3 آلاف سنة. وهو يقع في حيّ الدرج وسط المدينة، وتبلغ مساحته 4100 متر مربع، ومساحة فنائه 1190 مترًا مربعًا، وله خمسة أبواب رئيسيّة تفتح على الأسواق، ويعتبر بمئذنته الرشيقة أكبر المساجد الأثريّة التاريخيّة وأهمّها في غزّة، وأقدم جزء فيه بازيليكي الطراز يعود إلى القرن الثاني عشر الميلاديّ، وقد أقيم المسجد في القرن السابع الميلاديّ، وأضيفت له عدّة إضافات في العصر المملوكيّ والعثمانيّ.

تحدّه من الناحية الجنوبيّة سوق القيساريّة، ومن الناحية الشرقيّة سوق الزاوية، ولا يبعد عنه قصر الباشا سوى بضعة أمتار من الناحية الشماليّة، وتحدّه من الناحية الشرقيّة سوق الذهب.

وكان للمسجد العُمري الكبير مكتبة عامرة منذ القدم، وكانت تحتوي على أهمّ دور الكتب والمخطوطات النادرة في فلسطين، وتضاهي بذلك مكتبة المسجد الأقصى، ومكتبة أحمد باشا الجزار، وغيرها من المكتبات ودور الكتب التي احتوت على ذخائر ونفائس التراث، حيث احتوت على 187 مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة، ويعود تاريخ نسخ أقدم مخطوط فيها إلى سنة 920هـ (بين سنتي 1514م و1515م).

وكان يوجد في المكتبة عشرون ألف مجلّد في مختلف العلوم والفنون، إلّا أنّها، بحسب مؤرّخين فلسطينيّين، تعرّضت للسرقة والنهب والعبث، حيث ظلّت عامرة حتى مجيء الحملة الفرنسيّة على مصر وبلاد الشام؛ ثمّ تفرقت تلك الكتب القيمة من مخطوطة ومطبوعة، ونالت مكتبات القاهرة وباريس وبرلين منها قسطًا وافرًا وحظًا عظيمًا.

في كتابه "إتحاف الأعزة في تاريخ غزّة"، وصف الشيخ عثمان الطباع المسجد العُمري الكبير، فقال: "الجامع العُمري الكبير الكائن بوسط مدينة غزّة، بالقرب من سوقها، هو أعظم الجوامع وأقدمها وأحسنها وأمتنها وأتقنها، وفيه بيت كبير قائم على ثمانية وثلاثين عامودًا من الرخام، وأسطوانات متينة البناء، وفي وسطه قبب مرتفعة على عامود فوق عامود من الجانبين، من الباب الشرقيّ إلى الباب الغربيّ، وهو الكنيسة التي أنشأها أسقف غزّة (برفيريوس) على نفقة الملكة (أفذوكسيا)، وقلّ أن يوجد لها نظير في بلاد الشام".

قصر الباشا في غزّة، والذي يعود إلى الفترة المملوكيّة 


قصر الباشا: عظمة البناء المملوكيّ

يقع قصر الباشا في حيّ الدرج شرقيّ البلدة القديمة لمدينة غزّة، ولا يُعرف تحديدًا متى تمّ بناؤه، ولكنّ طريقة تصميم المدخل بالإضافة إلى البناء الداخليّ تشيران إلى أنّ بناءه يرجح أن يكون في زمن الظاهر بيبرس (1260م-1277م)، ويُستدل على ذلك بشعاره الموجود على مدخله الرئيس، والذي هو عبارة عن أسدين متقابلين.

وتأتي أهمّيّة القصر، بحسب خبراء ومختصّين بعلم الآثار، من عظمة بنائه وطريقة عمارته العريقة من الداخل والخارج، التي تُجسد الحضارة في العهدين المملوكيّ (1260م-1516م​) والعثمانيّ (1516م-1917م)؛ ذلك أنّه شُيّد مع مرافقه خلال فترة حكم المماليك والعثمانيّين، على مساحة نحو 60 دونمًا، إلّا أنّ هذه المساحة تقلّصت في فترة الاحتلال العسكريّ البريطانيّ لفلسطين (1917م-1948م)، إلى نحو 600 متر مربع، حسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينيّة.

وعلى مرّ العصور، حمل هذا القصر عدّة مُسمّيات؛ منها قصر "آل رضوان"، الذي أُطلق عليه في العهد العثمانيّ، نسبة إلى العائلة الغزّيّة "آل رضوان" التي كانت تحكم غزّة عام 1584م.

كما أطلق عليه اسم "دار السعادة"، لكنّه لم يحمل يومًا اسم "قلعة نابليون"، كما هو مُشاع، حيث استراح نابليون خلال حملته على بلاد الشام، داخل القصر ثلاثة أيّام فقط، ثمّ أكمل طريقه نحو أسوار عكا.

يتكوّن القصر من بناءين منفصلين تتزين واجهاتهما وأعتاب مداخلهما بأشكال مختلفة كالأطباق والنجميّة والمقرنصات والزخارف النباتيّة والمحوّرة والدعامات السائدة، وهي عناصر معماريّة لدعم الواجهات، خاصّة المرتفعة، بالإضافة إلى العقود التي تزين المداخل وتستخدم فيها الأحجار الجيريّة والرخاميّة الملوّنة.

ومع مرور الزمن، ونظرًا للتغيّرات التاريخيّة التي مرّت بها المنطقة، تغيّرت وظيفة هذا القصر من "إدارة حكم مدينة غزّة" وسنّ القوانين إلى وظائف شرطيّة وتعليميّة، ففي فترة الحكم البريطانيّ، تمّ تحويل القصر إلى مركز للشرطة، وتمّ تخصيص غرفتين صغيرتين تحت أرضيته لأغراض التوقيف؛ الأولى كانت خاصّة بالرجال والثانية للنساء.

وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين (1947م)، خضع قطاع غزّة للإدارة المصريّة (1948م-1967م)، وتحديدًا في فترة حكم الملك فاروق، وتمّ تحويل القصر إلى مدرسة للفتيات، وأطلق عليها اسم "الأميرة فريال"، نسبة إلى ابنة الملك المصريّ.

وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر تمّ تغيير اسم المدرسة إلى "فاطمة الزهراء".

أمّا بعد الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة فقد تمّ تهميش القصر، وأصبح "خرابة" مهجورة، بعد تعرّضه لحريق متعمّد أواخر ثمانينيّات القرن العشرين؛ قام به بعض المستوطنين.

ومع دخول السلطة الفلسطينيّة إلى غزّة عام 1994م، قامت المؤسّسات الرسميّة المختصّة بدراسة حالة القصر وكيف يمكن استغلاله، وتمّ الاتفاق على تحويله إلى متحف بعد إعادة ترميمه بالكامل، على أن يتمّ ترميمه على مرحلتين، الأولى إعادة ترميمه وصيانته بالكامل، والمرحلة الثانية إعادة تأثيثه وتحويله إلى متحف، بحيث يتمّ جمع كلّ المقتنيات الأثريّة المكتشفة في قطاع غزّة، التي تعود لفترات تاريخيّة قبل الميلاد حتّى الفترة العثمانيّة فيه، وذلك بعد فرزها وتصنيفها وحفظها بشكلٍ علميّ.

فكان أن خصّص الطابق السفليّ من القصر، الذي يتكوّن من ثلاث قاعات رئيسيّة مسمّاة بأسماء مدن فلسطينية (قاعة حيفا، قاعة يافا، وقاعة القدس)، لعرض آثار بيزنطيّة وعملات نقديّة وأدوات فخاريّة، وآثار إسلاميّة أيوبيّة ومملوكيّة وعثمانيّة. بينما عُرضت في الطابق العلويّ، المتكوّن من قاعتي (عكا والرملة)، آثار تعود إلى الحضارات البرونزيّة والكنعانيّة والحديديّة واليونانيّة الرومانيّة والبيزنطيّة.

ومع تعرّض غزّة للعدوان الإسرائيليّ، أكثر من مرّة، في العقود الأخيرة، لحق بالقصر دمار جزئيّ، وألقى الحصار الجائر المضروب على القطاع منذ ستة عشر عامًا، بظلاله على القصر لعدم وجود المواد الأساسيّة لترميمه.

****

جدير بالذكر أنّ بيان "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" أبرز أنّ حروب الجيش الإسرائيليّ المتعاقبة على غزّة، على مرّ السنين، دمّرت العديد من الأجزاء المهمّة من تراثها المعماريّ الغنيّ، إلّا أنّ ما يجري الآن يمثّل مسحًا متعمّدًا وممنهجًا لتاريخ وتراث المدينة.

وقال "المرصد": "إنّ إسرائيل تستهدف بلا هوادة الإرث الثقافيّ الإنسانيّ في غزّة كونه يحمل قيمًا ومعالم أساسيّة للحفاظ على الهوية وفي إطار أوسع يتعلق بشنّ حرب إبادة جماعيّة ضدّ الفلسطينيّين في القطاع، بغرض تهجيرهم قسريًّا وطمس هويّتهم".

وشدّد على أنّ "تدمير واستهداف المواقع التاريخيّة والأثريّة قد يرتقي إلى جريمة حرب بموجب (ميثاق روما) المنشئ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، في انتهاك صريح لمعاهدة لاهاي المتعلّقة بحماية الإرث الثقافيّ أثناء الصراعات المسلّحة".

وأكّد "المرصد الأورومتوسطي"، أنّ "المواقع التراثيّة والتاريخيّة في غزّة هي في الواقع ملك للإنسانيّة ولكلّ من يهتمّ بتاريخ الإنسانيّة وليس فقط للبلد، الذي توجد فيه تلك المعالم، ما يستدعى إطلاق تحقيق دوليّ محايد في انتهاكات إسرائيل لمحاسبتها والضغط الفعليّ عليها لوقف حربها المُدمّرة".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.