}

"أوسكار" 93/ 2021: أسماء للمرة الأولى وتكرار لقوائم "البافتا"

وائل سعيد 27 أبريل 2021

منذ ظهور أولى حالات الإصابة بفيرس "كوفيد 19" في كانون الأول/ ديسمبر 2019 وخروجه عن الحيّز المقبول لنطاق جائحة عالمية؛ تتصدّر كورونا المشهد العالمي كضيف ثقيل على الإنسانية، حلّ عليها منذ عامين تقريبًا، ويأبى أن يرحل، رغم ما كبّده للجميع على كافة المستويات من خسائر فادحة.
كانت السينما من أشد المجالات تأثرًا بتداعيات المشهد، سيما وأنها الفن القائم على العروض الحية للأفلام والتفاعل المُجتمعي أمام شاشة العرض السينمائي، لكن الغلق التام اضطرّها إلى أن تتوسّل بـ"العالم الافتراضي"، الحل الآمن والوحيد لإقامة الفعاليات والمهرجانات العالمية؛ وهو ما اتبعته الأكاديمية البريطانية في حفل توزيع جوائز "البافتا" الذي انطلق عبر بث رقمي، على مدار ليلتين –10 و11 أبريل/ نيسان في صورة افتراضية دون حضور. وكان لأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية رأي مغاير وبخاصة وهي الراعية لأكبر تظاهرة سينمائية عالميًا، فبعد أن غيّرت من شروط ترشيح الأفلام، وتمّ تأجيل دورة هذا العام لشهرين منذ فبراير/شباط، انطلقت مراسم حفل توزيع جوائز الأوسكار للدورة 93 من مدينة لوس أنجلوس الأميركية في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وفي صورة كاملة الحضور الشخصي للنجوم والسجادة الحمراء. تم الترويج لها منذ فترة كأول نسخة مغايرة من عمر المهرجان القديم، تلجأ إلى الإخراج السينمائي في فعالياتها، وتتخذ من محطة قطار "لوكيشن" تصويرًا. غير أن سياق التغيير، يكشف حقيقة أخرى، تتعلق بالعزوف الجماهيري في السنوات القليلة الماضية عن متابعة حفل الأوسكار، كما أشار بعض نقاد وصناع السينما.

كلوي تشاو  



السير هوبكنز.. "وصل القطار في موعده"
يتتبّع الكاتب الألماني هاينريش بول في روايته الأشهر "وصل القطار في موعده" قصة الحرب العالمية من خلال رحلة ثلاثة جنود داخل إحدى عربات القطار دون ظهور رصاصة واحدة كدليل مادي على الحرب. وهي خلفية جيدة ومناسبة لوقائع حفل الأوسكار حتى وإن تغيّرت الأجواء والأحداث، بداية من اختيار محطة سكك حديدية لإقامة الحفل، والاعتماد على الانتقال الحي بين عدة محطات كتيمة رئيسية للتصاعد الدرامي، ومسرح الأحداث محطة قطارات يونيون وسط مدينة لوس أنجلوس، بالتزامن مع جزء آخر في مدينة لندن، وقد صرّح رئيس الأكاديمة فيما قبل بالعديد من البيانات الصحافية، وكان من أهمها الحرص الشديد على إقامة حفل شيّق وآمن لعشاق السينما حول العالم.

من خلال تقطيع عدة مشاهد، تعمّد اسكريبت الحفل ربكة التفاعل الحي أو لم يتعمّدها، فثمة خبر جديد في انتظار مسافري السينما في كل محطة – واقعيًا وافتراضيًا وبالحضور الشخصي، وفيما بينهم؛ يُعلن حصول أحد الأسماء على جائزة في التمثيل أو الإخراج وفي تصميم الملابس وتصفيف الشعر أيضًا، حصل عليهما فيلم " Ma Rainey’s Black Bottom - رقصة ما ريني" إخراج جورج سي وبطولة فيولا ديفيس والممثل الشاب الراحل تشادويك بوسمان الذي ذهبت جلّ التوقعات بحصوله على الجائزة رغم موته؛ إلا أن ذلك لم يتحقق، فيما حصلت ميا نايل وجاميكا ويلسون على لقب أول امرأتين من ذوات البشرة السمراء تحصدان الجائزة في تاريخ الأوسكار.

تشادويك بوسمان، ذهبت جلّ التوقعات بحصوله على الجائزة رغم موته


ما تزال هناك العديد من المحطات، ففي المحطة التالية نتقابل مع السير "أنتوني هوبكنز" وفيلم "الأب - The father" للمخرج الفرنسي الشاب فلوريان زيلر، نجم الإخراج المسرحي في أول تجاربه السينمائية. عُرض الفيلم عالميًا للمرة الأولى في افتتاح الدورة الأخيرة 42 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وحصد عدة جوائز على مستوى السيناريو والتمثيل، ليحصد من جديد جائزة أفضل سيناريو مأخوذ عن نص أصلي؛ معالجة لمسرحية من تأليف زيلر ضمن ثلاثية سيرية عن تيمات "الأب – الأم – الابن"، فيما يُسجّل هوبكنز الأوسكار للمرة الثانية في تاريخه الممتد لأربعة عقود، بعد حصوله عليها عام 1992 عن فيلم "صمت الحملان". ويعتبر السير هوبكنز من أكبر الممثلين الأحياء، من حيث القامة الفنية التي تخلّلتها عدة تجارب لم تخرج عن السينما التجارية العادية، رغم ذلك لم تؤثر هذه النوعية على المسيرة الفريدة للرجل؛ تستطيع تلمّس اختلافها بسهولة حتى ولو من خلال مشهد واحد ضعيف، لهذا، وصل قطار الأوسكار الثاني في موعده بالفعل، بعد وصول هوبكنز من شهور قليلة عامه الـ 84، والذي احتفل به عبر صفحته الشخصية مع محبيه من كل أنحاء العالم.



الأوائل.. ورحلة المواطن كين
لم تبتعد النتائج النهائية عن التوقعات المثارة خلال الفترة السابقة حول قوائم الترشيح، كما تشابهت مع جوائز "البافتا" إلى حد كبير، ومن قبلهما "الأسد الذهبي"، و"الجولدن غلوب" و"جائزة النقاد" وغيرها من الجوائز، لتصبح محصّلة الموسمين السابقين للسينما العالمية، بمثابة إعادة احتفاء بعدد من الأسماء والأفلام في فترة تعاني منها الصناعة بشكل ضار.
حصل الممثل والكاتب البريطاني دانيال كالويا (32 عامًا) على جائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم "يهوذا والمسيح الأسود – Judas and the Black Messiah"، وهو دراما تاريخية مأخوذة عن سيرة حياة رئيس حزب الفهود السود في أواخر الستينيات، ليكون أول ممثل بريطاني أسود يفوز بها، وفاز الفيلم كذلك بجائزة أفضل أغنية أصلية؛ "حارب لأجلك".
يبدو أن حظ الأوائل وفير في هذه الدورة، فالنجمة يون يوه جونغ (73 عامًا) هي أول ممثلة كورية تفوز بجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "ميناري - Minari" كممثلة مساعدة، إخراج الأميركي الشاب لي إسحاق تشونغ. عبّرت يون عن شعورها بهذا الحظ بجملة "أنا لا أؤمن بالمنافسة"؛ إلا أنها استدركت: "كيف يمكنني الفوز على جلين كلوز الليلة، أنا هنا فقط لأني محظوظة.. وسعيدة بكرم الضيافة الأميركي لممثل كوري".
وكان الحظ الواعد في انتظار الممثلة الشابة إميرالد فينيل بفيلم "شابة واعدة – Promising Young Woman" الذي توّج بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي، ممّا يجعلها أول امرأة تفوز بالجائزة منذ عام 2007.

فرانسيس مكدورماند 


ومن جانبه، يُسجّل المخرج الأميركي ديفيد فينشر اسمه في الأوسكار للمرة الثالثة، بعد أن حصل عليها مرتين في الإخراج، يفوز بها هذا العام بفيلمه "مانك - Mank" كأفضل تصوير وأفضل إنتاج. الفيلم يستعيد من خلال الأبيض والأسود الأجواء المحيطة بميلاد الفيلم الشهير "المواطن كين 1941" للسينمائي المخضرم أورسن ويلز، الذي مارس الكتابة والتمثيل والإنتاج.
في مسار الرسوم المتحركة، فاز الفيلم الأميركي "روح Soul" بأفضل فيلم وأفضل موسيقى تصويرية، الفيلم من إنتاج شركة والت ديزني و‌بيكسار وإخراج بيت دوكتر، وحصل فيلم "إذا حدث أي شيء أحبك - If Anything Happens I Love You" على جائزة أفضل فيلم قصير. كما تضمنت القائمة أفضل فيلم وثائقي "معلمي الأخطبوط – My Octopus Teacher" وجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير لـ"كوليت – Colette"، بينما حصل فيلم "الغريبان البعيدان- Two Distant Strangers" على أفضل فيلم روائي قصير.
وفي مجرى مختلف يسبح فيلم "عقيدة - Tenet"؛ جو من الإثارة والخيال العلمي أهله لحصد جائزة أفضل مؤثرات بصرية، والفيلم من تأليف وإخراج كريستوفر نولان، المثير دائما للجدل.



"صوت المعدن/ نومادلاند/ جولة أخرى".. مرة واحدة في العمر!
يُمارس الأميركي داريوس ماردر التأليف والإنتاج والإخراج السينمائي، في فيلمه الموسيقي "صوت المعدن – Sound of Metal". يتخذ من تيمة "الصوت" معادلًا للأزمات والإخفاقات الإنسانية البسيطة، فليس هناك حدث أو شعور إلا وثمة صوت يعبّر عنه أو يتخلّله بمصاحبة عدة أصوات. في الوقت الذي تتقزّم فيه الانتصارات الفردية الصغيرة/ الواهمة أحيانًا، يعلو صوت "المعدن" الجاف كمعادل حيّ لأزمة الإنسان المعاصر، المُتمثّلة في أزمة لاعب الدرامز الذي يفقد سمعه بشكل تدريجي ويترتّب عليه أن يفقد التواصل الإنساني، ويصبح الآخر هو الجحيم بعينه، والوجود محض فردانية منزوية وسط شيوع متشابه. لذلك، لم يكن من الغريب حصول الفيلم على أفضل مؤثرات صوتية؛ حيث تقوم المؤثرات بعدة أدوار درامية في سياق التنامي والتصاعد للأحداث، وتمثّل بصخب وخفوت مشاعر ومكنونات الأشخاص، التي تحيا وسط صخب هائل وأجوف، يرن بين جنباته طنين المعدن الصلب. حصل الفيلم أيضا على جائزة أفضل مونتاج، وبالطبع كان لإيقاع تقطيع المشاهد صوته الخاص.
من داخل صاخب آخر وصمت مُخالف، يأتي فيلم "نومادلاند Nomadland" للمخرجة الصينية الشابة كلوي تشاو وبطولة الأميركية فرانسيس مكدورماند، وحصل الفيلم في قائمة البافتا على جائزتين (أفضل فيلم وأفضل تمثيل دور أول) وهنا يحصل من جديد على الجائزتين معًا، فضلًا عن جائزة ثالثة تضاف إليهما: أفضل إخراج.
يرصد الفيلم معاناة "الرُحل"، المسافرين أبدًا من مكان لغيره في حافلات صغيرة يتخذونها بيوتا عوضًا عن الجدران والسقوف، وسواء أكان الترحال إجباريًا أو اختياريًا؛ الا أنه ليس طوعيًا تمامًا أن يتخذ المرء من العراء بديلًا للسكن الآمن!

تُشارك بطلة الفيلم في الإنتاج، وقالت ضمن كلمتها في حفل الأوسكار عن مخرجة العمل: "أصبحت تشاو ثاني امرأة على الإطلاق، بعد كاثرين بيجلو، تحصل على لقب أفضل إخراج". كما وصفت تجربة الفيلم بأنها "رحلة جنونية تحدث مرة واحدة في العمر".
بجنون مختلف، يُقدّم الفيلم السويدي "جولة أخرى - Another Round" معادلة فانتازية للتوازن الحياتي، اختراع واكتشاف لمجموعة من مدرسي المرحلة الثانوية يقرّرون نسبة 5% من الكحول لا يجب أن تخلو دماؤهم منها يوميًا، كوسيلة لتحقيق تواصل اجتماعي أفضل في عملهم. تنتقل هذه النظرية لبعض الطلاب ومن ثم تنقلب الأمور كاشفة عن كارثيتها لكن الإخفاقات في النهاية تفضي إلى انتصارات غاية في الخفة تحمل معنى الانعتاق.
حصل " جولة أخرى" على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، من إخراج توماس فينتربيرج، الذي أعلن أن الفيلم كان بمثابة نصب تذكاري لإحياء ذكرى ابنته التي توفيت أثناء مراحل الإنتاج والتصوير.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.