}

جوائز الدولة بمصر... هل تتجنّب تصغير قواعد اللعب؟

هشام أصلان 19 يونيو 2019
هنا/الآن جوائز الدولة بمصر... هل تتجنّب تصغير قواعد اللعب؟
ميدالية جائزةالدولة التقديرية في مصر
بقيت أيام قليلة على إعلان جوائز الدولة للفنون والآداب الأبرز ثقافياً في القاهرة. وبرغم ما تثيره من جدل سنوي حول أسماء الفائزين، إلا أن هذا الجدل بات مضاعفاً منذ إخضاعها، قبل سنوات، إلى لجان فرعية تسمى "لجان الفحص".
في البداية، وحتى سنوات قريبة، كان اختيار الفائزين يأتي بتصويت أعضاء المجلس الأعلى للثقافة على الأسماء التي ترشحها جامعات ومؤسسات ثقافية رسمية ومستقلة لها حق الترشيح في مختلف مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
والمجلس الأعلى للثقافة هو الجهة الرسمية الأُم، التي يُفترض أنها مسؤولة عن رؤية واستراتيجيات الثقافة في مصر، والمنظمة للمؤتمرات والملتقيات الثقافية العربية الأشهر، مثل ملتقيات الشعر والقصة والرواية العربية، التي يُختتم كل منها بجائزة يفوز بها أديب عربي، كان آخرها جائزة ملتقى الرواية التي حصدها الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، ومرّت عليها أسماء بحجم محمود درويش، والطيب صالح، وزكريا تامر، وإبراهيم الكوني، وصنع الله إبراهيم، الذي رفض الجائزة في واقعة مدوية شهيرة. وهي الجوائز التي تحكمها آلية مختلفة عن جوائز الدولة السنوية، حيث الأولى تُشكل لها لجان تحكيم عربية وليست مصرية فقط، وهي لجان
مستقلة رسمياً عن هيئة المجلس، وتتغير دورياً.
وينقسم أعضاء المجلس الأعلى للثقافة إلى نوعين، الأول يتكون من شخصيات ثقافية عامة مفترض أنها تستحق العضوية لقيمتها الأدبية، والثاني من أعضاء لمناصب رسمية يتقلدونها، سواء في هيئات وزارة الثقافة أو بوصفهم ممثلين عن الوزارات الأخرى، حتى التي تبتعد كل البعد عن مسألة الثقافة بأنواعها. من هنا كان من المشاكل التي تواجه تلك الجوائز، أن نحو نصف الأعضاء المصوتين على الأسماء المرشحة يتكون من موظفين حكوميين ليست لهم علاقة بطبيعة الجوائز الأدبية والفنية.
ولطالما طالب المهتمون بإعادة النظر في تشكيل هيئة أعضاء المجلس الأعلى للثقافة وحصول البعض على هذه العضوية بسبب منصبه الرسمي وليس علاقته بالشأن الثقافي، ما يضر بمسائل من قبيل الجوائز الثقافية الأبرز في مصر، غير أن المسؤولين ارتأوا استحداث ما أُطلق عليه "لجان الفحص" لتجاوز هذه المشكلة، وهي عبارة عن لجان فرعية صغيرة، يفترض أنها مُشكلة من متخصصين في الفروع المختلفة للجوائز، تمر عليها أسماء المرشحين قبل أن تصعد لتصويت الأعضاء. وبدأت هذه اللجان عملها قبل سنوات قليلة، بينما كان دورها استشارياً وليس ملزماً، ما كان أمراً معقولاً، حيث هي تشير فقط لمن لهم حق التصويت إلى من تراه يستحق، فتظل الفرصة متاحة أمام جميع المرشحين بنسب متفاوتة.
منذ عامين أو ثلاثة أضيف للائحة الجوائز بند يزيد صلاحيات "لجان الفحص"، أو بمعنى أدق، يعطيها حق التحكم في الأسماء التي تصعد للتصويت النهائي. ورغم أن لجان الفحص تتشكل من متخصصين، فوجئ المهتمون بتكرار تصعيد أسماء مثيرة للجدل بسبب عدم ثقلها الأدبي، في مقابل استبعاد أسماء ثقيلة الوزن في مجالاتها. ومع أن مرحلة الفحص تلك مفترض أنها تخضع للسرية، إلا أن الأسماء تتسرب للصحافة، ما يُسبب حرجاً للمُستبعدين، خصوصاً في الجوائز التي يتقدم إليها المرشح بنفسه وليس عن طريق جهة ترشيح، مثلما في الجوائز التشجيعية وجوائز التفوق، حيث أن جائزتي "التقديرية" و"النيل" لا تتيح لائحتهما الترشح إلا عبر جهة أو مؤسسة ثقافية.
وعلى ذكر التسريبات، انفردت دورية "أخبار الأدب" المصرية هذا الأسبوع بنشر تقرير
مطول يضم أسماء من استبعدتهم لجان الفحص، وللدهشة المتكررة كان أغلبها من الأسماء المشهود لها بالثقل الثقافي من بينهم، وفق التقرير: "في جائزة النيل في الفنون المخرج جلال الشرقاوي، والفنان صلاح السعدني، وفي الآداب تم استبعاد د.محمود فهمي حجازي، وإبراهيم أبو سنة، وأحمد درويش، وفى العلوم الاجتماعية تم استبعاد عدد من الأسماء من أبرزهم د.أحمد زكريا الشلق، ود.أحمد زايد، ود.قاسم عبده قاسم، وفي جائزة النيل للمبدعين العرب تم استبعاد الفنانة ماجدة الرومي مرشحة نقابة المهن التمثيلية، بينما لا يوجد أي استبعاد في جائزة الدولة التقديرية في الآداب، لتقاعس جهات الترشيح عن تقديم أسماء، فالقائمة تضم ستة فقط، وهو العدد الذي يجب أن تقدمه لجنة الفحص".
ومن حسن حظ لجنة فحص المرشحين في فرع الآداب هذا العام قلة الأسماء، ما أعفى اللجنة من الاستبعاد، حيث فرع الآداب هو الفرع الأكثر إثارة للجدل عموماً في مصر، وربما كان هذا الجدل قد وصل لسقفه في دورة العام الماضي، عندما استبعدت اللجنة، في جائزة التفوق للآداب، أسماء من قبيل وحيد الطويلة وإبراهيم داود ومحمد إبراهيم طه لصالح الروائي الشاب أحمد مراد، حيث لم يسلم الأمر من تهامس حول مجاملة رئيس
اللجنة يوسف القعيد، المعروف بغرامه الكبير للسلطة، للروائي الشاب لأسباب سياسية.
لسنوات طويلة، قبل ثورة يناير، كان جدل جوائز الدولة في الفنون والآداب يأتي من منطقة أخرى، حيث كان الجميع يُلسّن على أعضاء المجلس "المصوتين" بأنهم يقرأون رغبة وزير الثقافة فاروق حسني ويعملون على تحقيقها، يقرأونها عبر تصويته هو، أو من خلال الالتفات إلى مُرشح أكاديمية الفنون التابعة للوزير. مع ذلك، تقتضي الأمانة الإشارة إلى أن أغلب الأدباء والفنانين المستحقين للجائزة حصدوها وإن تأخرت على بعضهم. المؤكد أن الموقف السياسي كان يلعب دوراً في المسألة، إلا أن التوازنات كانت ماهرة في الابتعاد عن الفجاجة، أو لنقل عن تصغير قواعد اللعب.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.