}

أحمد ناجي: جدل بين لغة الشارع ولغة الأدب

سارة عابدين 14 أبريل 2017
هنا/الآن أحمد ناجي: جدل بين لغة الشارع ولغة الأدب
أحمد ناجي
لا يزال الجدل دائرا بين أجيال متعاقبة من الكتاب ومستخدمي اللغة، حول مصطلح "اللغة الأدبية" وماهية اللغة المناسبة للاستخدام الأدبي. يبقى التساؤل عن العلاقة المعقدة بين اللغة الأدبية ولغة الشارع التي يستخدمها العامة في حياتهم اليومية، وهل يمكن أن يحدث تقارب بين اللغتين، هو التساؤل الذي يشغل النقاد، والمشتغلين في الحقل اللغوي، الذين يحاولون فرض سطوتهم اللغوية واستخدام اللغة كآداة سلطوية لتحديد مفهوم الأدب.
في الجانب الآخر يقف الأدباء والكتاب التجريبيون، الذين يحاولون باستمرار التحرر من القواعد اللغوية الثابتة، ويعتبرون اللغة مجرد أداة لتوصيل رؤيتهم الشخصية في الكتابة، وتستمر محاولاتهم في نزع القداسة عنها، وتطويعها أكثر حسب احتياجاتهم الفنية.

في نهاية الأمر، يبقى الجمهور هو الطرف الحاسم لهذا الجدل، بانحيازه لتيار على حساب آخر، مع أخذ المشهد السياسي والثقافي والتحرر الأدبي والفني الذي حدث بعد الثورات العربية في الاعتبار.


اللغة كأداة لسرد تفاصيل الواقع

نظّم معهد غوته في القاهرة في 10 أبريل/ نيسان٬ ندوة وحلقة نقاشية أدارها الناشط الحقوقي عمرو عزت، مع الكاتب أحمد ناجي، حول اللغة بين الشارع والأدب، وذلك بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة "لغز المهرجان المشطور" عن دار ميريت للنشر والتوزيع، المجموعة التي تزامن صدورها مع إخلاء سبيل ناجي من قضيته المنظورة حاليًا أمام محكمة النقض، بدعوى "خدش الحياء العام".

تحدث ناجي في الندوة عن انشغاله بالجدل الدائر بين لغة الكتابة الأدبية ولغة الشارع، وذكر استخدام بعض الكتاب، لإشارات دلالية كالنجوم أو النقاط، عند كتابة أعضاء أو شتائم جنسية، أو عند وصفهم لأوضاع حميمية، خوفا من الرقابة. يرى ناجي أن تلك الإشارات الدلالية تخلق نوعا من النقاش المستتر مع القارئ، بالإضافة إلى السخرية المتبادلة بين القارئ والكاتب من السلطة أو الرقابة.

لا يبدو ناجي منشغلاً بتصنيف نفسه كرائد للتحرر اللغوي، وإنما فقط يبحث عن طرق لاستخدام اللغة بشكل أكثر حرية، والتعامل معها كأداة حقيقية لوصف الواقع أو سرد تفاصيله، بالشكل الذي ينافي رغبة السلطة في فرض نمط محافظ للغة بوصفها جزءا من الهوية.
يرى ناجي أن تجربته ليست قائمة على الجنس بشكل رئيسي، وإنما يظهر الجنس في روايته وقصصه بشكل شبحي، كخلفية لأحداث أخرى، بعكس كتاب آخرين كان الجنس محور مشروعهم الإبداعي بالكامل أمثال: رؤوف مسعد، سلوى نعيمي، ونوال السعداوي.

جماليات القبح والكراهية


لا يتفق ناجي مع الرأي السائد بوجوب جمالية وشاعرية الكتابة، ويرى أن القبح والكراهية مشاعر إنسانية لا يمكن تجاهلها، أو تجنب التعامل معها في العمل الإبداعي، وبترها يشبه بتر جزء كامل من جسد اللغة، ويرى أن الباعث لاستخدام ألفاظ معينة، هو الحتمية الفنية والإبداعية التي تتشكل حسب قناعات كل كاتب.

أضاف ناجي أن هذا النوع من الكتابة ربما يسبب الضيق أو الاستياء للقارئ المحافظ الذي لم يعتد هذا النمط، لكنه في الوقت نفسه يعترف برغبته في مضايقة هذا النوع من القراء، لأن نمط كتابته ومشروعه اللغوي، يستلزم ذلك حتى لو أدى إلى تقليص دائرة قرائه.

يؤكد صاحب "استخدام الحياة" أن ما يشغله أكثر هو طرح الأسئلة من خلال عمله الإبداعي، وليس البحث عن إجابات، ولا يعرف نفسه كصاحب رسالة، لكن اهتمامه الأول ينصب على خلق حوار متبادل مع القارئ، تماما كما تفعل الدراما.

يتساءل ناجي، لماذا يسمح لصناع الدراما باستخدام كل التقنيات البصرية، التي تساعدهم في توصيل غايتهم الفنية للمشاهد، بشكل يؤثر في عواطف الجمهور، وربما يدفعهم إلى البكاء كما يحدث في مشاهد الميلودراما، في الوقت الذي يُجبر فيه الكاتب على التخلي عن رصيده اللغوي من ألفاظ صريحة ربما تحمل بعض الفجاجة، لكنها تناسب وصف المشهد، بدعوى عدم التأثير على مشاعر أو عواطف القراء؟
تحدث ناجي في الندوة عن الرواية التي يعمل عليها حاليًا، وتدور أحداثها في القرن التاسع عشر، ويحاول من خلالها عمل إسقاطات على المشهد السياسي الحالي، لكن في سياق تاريخي مستتر، هروبًا من الخطوط الحمراء التي لم يطمح أبدًا إلى تخطيها، تحديدًا في ما يخص السياسة والدين.
وذكر في النهاية حلمه الروائي الذي يتمنى تحقيقه، وهو كتابة رواية فانتازية عن جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، تقوم على وجود علاقة حب مثلية بين القائدين. ويستطرد قائلًا "خدش الحياء هو أمر مختلف تمامًا عن أن يقرر المصريون كراهيتك".


اللغة بين المؤسسات الأدبية والإنترنت


تحدث في الندوة الناشط الحقوقي، عمرو عزت، عن اللغة بوصفها منطقة للصراع والسلطة، المتمثلة في المؤسسات الحكومية، مثل مجمع اللغة العربية، كليات الآداب، والأزهر. كل هذه السلطات مجتمعة، تحاول ضبط اللغة، واختيار المناهج الأدبية الملائمة لتصوراتها عن الشكل المثالي للأدب، وتهميش كل ما هو مخالف لهذه التصورات. وأضاف عزت أن هذه المؤسسات تعمل بشكل سلطوي، على اختيار شكل محدد وثابت للأديب والمثقف، وتصدره للجماهير بوصفه النموذج المثالي. ولسنوات طويلة، استمر هذا الشكل المتسلط من المؤسسات اللغوية في الدولة، حتى ظهور الإنترنت، الذي سمح لأفراد ليست لديهم الحيثية اللغوية أو الأدبية الراسخة، بالكلام والحديث والكتابة. لم تعد مجرد كلمات منثورة في الهواء، لكنها كلمات مكتوبة بعيدًا عن المعجم اللغوي القديم، ويمكن قراءتها وإعادة نشرها، وملاحظة تأثيرها على القارئ، وسرعة وصولها لآفاق أبعد.
استشهد عزت على تلك القوة في التأثير، بالمقطع الأشهر في ثورات الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي ارتبط في الأساس باللهجة التونسية، وانتقل إلى كل البلاد العربية بنفس إيقاعه الأصلي، في حين لم تغادر اللغة القديمة معاجمها.


تاريخ الرقابة على المطبوعات


في مجمل استشهاداته، ذكر عزت مقاطع من كتاب "تاريخ الرقابة على المطبوعات" في القرن 19 لنعرف أن إشكالية الرقابة القضائية على اللغة، إشكالية قديمة تهدف إلى: "ضمان الحياء العام ومنع الإثارات والأهواء الجنسية وأفكار الفجور"، كما يقول الكاتب "روبرت نيتز" في مقدمة كتابه، بالإضافة إلى الارتقاء بالأدب، وتحسين اللغة من الاستخدامات الشعبوية التي تنافي الآداب العامة. ومن أمثلة الكتب التي منعت في ذلك الوقت بعض المقاطع لبودلير من "أزهار الشر"، و"عوليس" لجيمس جويس، "الصديقات" لفرلين. ثم اتسعت رقعة الملاحقة ووصلت إلى الكتب الطبية، خاصة كتب منع الحمل، التي اعتبرها القضاء الفرنسي في ذلك الوقت كتبًا تدعو إلى الخلاعة وعمل على حبس مؤلفيها.

في نهاية الندوة قام ناجي بتوقيع مجموعته القصصية الجديدة "لغز المهرجان المشطور" التي تضم 13 قصة كتبت ما بين 2006 و2016 وجاءت بعد روايتين هما : "روجرز" و"استخدام الحياة"، وتمثل تطور علاقة ناجي باللغة والأسلوب وقدرته على خلق عالم شخصي خاص به، يستعمل لغة الشارع كمكون رئيسي وليس هامشيّاً في تجربته الإبداعية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.