}

الثقافة والتراث الشعبي في قطر: تعويض عن بؤس العالم

سعيد نجدي 4 أبريل 2024
اجتماع الثقافة والتراث الشعبي في قطر: تعويض عن بؤس العالم
من أهم الأغاني والرقصات الشعبية في قطر (العرضة)

 

لا توجد جماعة من دون ثقافة تستبطن الأفراد والجماعات أنماطها بشكل لا واع، وكل ثقافة يلعب في تشكلها المحيط الذي يعيش فيه الناس، ويتبيّن مدى التقارب مع المحيط في دولة قطر انطلاقًا من محيطها العربي الإسلامي القريب من شبه الجزيرة العربية، التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية، إضافة إلى وشائج القرابة والانتساب للقبائل العربية، إلا أنه تبقى هناك بعض التمايزات الخصوصية لجهة العادات والتقاليد، التي يلعب فيها دورًا كبيرًا ظروف المعاش. وقطر، كما هو معروف، دولة على البحر، بمعنى أن حرف الصيادين ونمط إنتاجهم القائم بشكل كبير على صيد السمك وظروف الحياة تلعب دورًا في البنى الدلالية للفولكلور الشعبي، من أغانٍ شعبية وحكم وقصص وأمثال ونكت ونوادر، والشعر النبطي المحكي الذي يعبّر عن مشاعر الناس بشكل حميم مع المحيط، بالإضافة إلى اللباس والزي، الذي يتوافق مع البيئة الحارة، والزينة والحلي للنساء، والأكلات الشعبية؛ كل هذه تعبيرات تأتي لتتلاءم مع المجال الحيوي للجماعة، والثقافة بطبيعة الحال ذات بنية دائمة التشكل انطلاقًا من التقابل والتجاور، وبالتالي فإنها تأخذ وتعيد تشكيل ما تأخذ ليتوافق مع المدلول الذي تنطلق منه الأنماط بشكل متجانس. 

هذه القيم تنعكس على البنية الشعرية وعلى الفولكلور بشكل عام كرقصات العرضة، التي تظهر مدى التفاني والقوة، وهي مؤشرات تدلّ على منظومة الأفكار التي تحدد ما هو مهم ومحبذ ومرغوب، وبالتالي فإن هذه الأفكار تضفي معنى على الأفعال، بوصفها هوية وبوصلة إرشادية لتوجيه السلوك وتفاعله مع الآخر في العالم الخارجي، من هنا فهي للتمييز مع الخارج، وللتماهي مع الداخل.

يجب النظر إلى الثقافة الشعبية في أحيان عدة لحل مشكلة التغيير والتنمية في المجتمع المدني إلى الحذر من النظر إلى الفولكلور بوصفه طرفة، أو بوصفه أمرًا مثيرًا للعجب، فالحقيقة أنه شيء يجب التعامل معه بجدية، إنه تصور للعالم وللحياة، وهو خاص ببعض الفئات الاجتماعية (محددة بالزمان والمكان)، أي إنه خاص بـ "الشعب"، من حيث هو "مجموع الطبقات الخاضعة"، والفولكلور متعدد، وشديد التنوع، يقف في تعارض وتناقض ومعارضة ضد التصورات الرسمية في عدة أحيان، وضد تصورات "الطبقات الحاكمة"، وضد "الدولة"، أي إن الفولكلور يتناقض مع "المجتمع الرسمي" بشكل عام. من هنا، يمكن فهم الفولكلور باعتباره انعكاسًا لشروط حياة الشعب الثقافية، وما يشكل هذه الآلية أشياء رئيسية أو كأنواع وأطر للمعرفة الإدراكية للعالم الخارجي، كما أشار عالم الاجتماع جورج غورفيتش (1894-1965م)، وأهم هذه المنطلقات التي من خلالها تطل الجماعات على العالم من خلال الفولكلور والثقافة الشعبية.

اللغة بذاتها هي كلية من المقولات والمفاهيم، وليست جملة من المفردات الخالية من المضمون، أي أن اللهجات الشعبية هي التعبير عن الحس المشترك والحس السليم. الدين الشعبي والنظام الداخلي للمعتقدات، الخرافات، والآراء، وطرق رؤية الأشياء، والعمل، تجتمع كلها تحت اسم "الثقافة الشعبية"، ولكن اللافت، أن هذه الثقافة لم تدخل بصراع مع الجهات الرسمية في قطر من خلال عمليات التحديث وإدخال المجتمع في علاقات مغايرة لناحية العيش والمعاش المختلفة عن الحياة السابقة.

الثقافة تعبير ذاتي – فردي أو جماعي – عن العالم، أي تعبير عن نمط تمثل وإدراك ذلك العالم من قبل الفرد والجماعة (قبيلة، طبقة، شعب… إلخ). وبهذا المعنى، تعيد الثقافة – في ذلك التعبير – بناء العالم على نحو مختلف عن الهيئة "الطبيعية" التي يوجد عليها خارج أي إدراك له. لكن الثقافة، إذ تعيد ذلك البناء من خلال عملية التعبير، أو الإنتاج الرمزي، تفعل ذلك على أنحاء مختلفة: على نحو مكتوب، وعلى نحو شفهي، صوتيّ وحركيّ. ليست الثقافة المكتوبة – بما فيها المعرفة النظرية والتجريبية– إلا لحظة بسيطة من لحظات التعبير الثقافي، تمكن تسميتها بلحظة التعبير عن الفاعلية المنطقية، أو العقلية، أو الاختبارية، للتمثل الإنساني للعالم. وهي إذ تظهر في صورة مكتوبة، تتخذ لغة معرفية ومفهومية خاصة بها، يستقل بها المجال المعرفي عن سواه من مجالات الثقافة المكتوبة كالأدب – مثلًا – بأجناسه التعبيرية المختلفة.

هناك غناء يسمى (اللعبوني) نسبة إلى شاعر اسمه محمد بن لعبون


الثقافة الشعبية مقابل الثقافة العالمة

الثقافة - أيضًا -هي التعبير الشفهي (غير المكتوب)، ممثلًا في أجناس مختلفة من الفنون، ومن التعبير الحركي الذي يتخذ الجسد مادة له في المقام الأول. ففي الغناء والأمثال والسير الشعبية، وفي النحت والفن التشكيلي، وفن العمارة والنقش على الخشب أو المعادن والجبص والرخام… إلخ. وفي الوشم ("النقش" على الجسد)، وفي التطريز والحياكة وسوى ذلك، نصوص من التعبير الثقافي الشفهي، لا تقل قيمة عن النصوص المكتوبة في مضمار التعبير عن نوازع الذات وحاجاتها الجمالية، وعن نوع تفاعلها مع العالم المحيط، بل نستطيع أن نرصد التجليات المختلفة لهذا التعبير الثقافي حتى في المأكل، والملبس، وطقوس العبادة، ومراسيم الاحتفالات والأعياد والمواسم والمآتم وغيرها، فيما يسمى بمنظومة العادات والتقاليد والمعتقدات. إنها جميعًا أشكال مختلفة من الإفصاح عن الذات وعن الوجدان الفردي والجمعي، وعلى صفحتها، تمكن قراءة المجتمع الذي تعبِّر عنه، وبنيته العقلية والتي من خلالها نقوم بضرب لفكرة العصبيات العرقية وتفوقها، بتعبير عالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس (1908-2009م)، لأن هذه الثقافة هي التعبير عن العقلية وشخصيتها، ففيها يخرج ما بداخل مستودع الذاكرة من معطيات قابلة للتحليل الاجتماعي.

لا تعني شفهية الثقافة الشعبية وتلقائيتها وقوعها في دائرة السطحية واللاعقلانية واللامنهجية، كما تدعي بعض الأجهزة الثقافية السائدة، إنها في حقيقة الأمر تعبير عميق عن تمثلات معقدة تنتجها الجماعة، تتوسل بواسطتها فهم الظواهر وإدراكها، ومحاولة التأثير عليها وتوجيهها، من منظورات أسطورية وخرافية وجمالية، ومعرفية أيضًا، سواء بواسطة وسائط شفهية أو بصرية أو كتابية.

تتسم الثقافة الشعبية بكونها لا تخضع للرقابة المؤسسية (ستتصادم مع الرقابة بالتأكيد)، بينما تخضع الثقافة العالمة لرقابة المؤسسة، بل لرقابة الأنا/ الوعي، بينما تفلت الثقافة الشعبية من أية رقابة، بما فيها الرقابة التي يفرضها الأنا/ الوعي على اللاشعور/ اللاوعي، على نحو ما يكشف التحليل النفسي الذي يرى "النكت" مجالًا يتحرر فيه اللاوعي من رقابة الوعي، وكثيرًا ما نعثر – بجانب النكت – على حكايات وأغانٍ تخترق المحظور في القيم السائدة، سواء على الصعيد الديني أو الجنسي أو السياسي. لقد كانت المحرمات والنواهي حاضرتين في كل العلاقات: الأسرية، والاجتماعية، والسياسية، وعلاقات العمل، والعلاقة بالكون وبالطبيعة، ومن ثم، أنتجت الثقافة الشعبية كمًّا نوعيًّا من المنتج الثقافي: قصةً ومثلًا ونكتةً وسيرةً… إلخ، للتعبير عن موقف الجماعات من العالم والحياة، إدراكًا، أو تفسيرًا أو تبريرًا أو سخريةً، حسب الموقف والسياق وطبيعة كل نوع ووظيفته، مما يجعل من الأنواع الأدبية الفولكلورية أنواعًا حتمية، لإحداث التوازن والمقاومة، في واقع تاريخي يقع داخل دائرة التسلط، والاختلال الاجتماعي.

الأغاني الشعبية

نأتي إلى الفنون الشعبية حتى نستطيع أن نتوفر على فهم كاشف لها، وما تحويه وتعكسه من مظاهر الحياة وتفاصيلها ويومياتها، لأنها الدال على روح الثقافة وأنماطها الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، من هنا تعد الموسيقى والغناء الشعبي التعبير الأقوى عن هذه الثقافة، فالإيقاع والغناء يأتي انسجامًا مع البنية المجتمعية، التي تستبطن أدواتها ومدلولاتها في الغناء والشعر والإيقاع والرقصات، لأنها التعبير عن الحياة ورؤية العالم والجغرافيا والحرف والصيد وما إلى هنالك من تفاصيل، فالفن يكون في أحيان عدة تعويضًا عن بؤس العالم ووضع الحقيقة وملامحها بشكل محسوس ومرئي، وهو تعبير عن الرغبة والحب والتواصل والإلفة والأهم عن قيم المجتمع وعاداته وتقاليده .

في هذه الفنون الشعبية كانت الآلات الموسيقية مرتبطة بالإيقاع والنقر، كإيقاعات البحر، وهي قديمة لأننا نجد أخبارها في كتب التراث، على سبيل المثال في رسائل إخوان الصفاء وغيرها، في الإشارة إلى الأبعاد الحماسية التي تلعبها لعمال السفن والصيادين، ودول الخليج وقطر تحديدًا بما أنها دولة بحرية فإنها تتمتع بهكذا نوع من الإيقاعات. من هنا نجد أن هناك نوعًا من الإيقاع البحري في دولة قطر ويُسمى (السامري)، وأغاني (الصو)، تستعمل فيها الطبول والطارة والمنحاز الخشبي، مع ضرب الأقدام على الأرض بشكل منسق لتنظيم الإيقاع. وهناك ما يقارب الستة وتسعين إيقاعًا، حسب النشاط والمناسبة ما بين البحر والبر منها ما يسمى (الدواري)، أو (السنكي)، (الحدادي)، (اليامي)، و(الخطفة)، وهذه الإيقاعات ذات نغمات متعددة، تستخدم فيها الطبول وأهمها (المرواس)، التي تختص بها صناعة تسمى (الترقيم) لشد الجلد حول الطوق الذي عادة ما يكون من قضيب الخيزران، وهذه القضبان من شجرة الدلفى تستخدم المرواس لغناء (الصوت)، الشامي والعربي والروماني والخيالي. ويرافق الصوت تصفيق منسق وهؤلاء المصفقون يشكلون حلقة حول العازفين يتراوح عددهم ما بين العشرة أشخاص ليصل إلى نحو الأربعين وما فوق مصفقًا. وهناك أنواع من التصفيق (التصفيق الكبير)، (البيذاني)، (الخب أو التخبيب) أو يسمى التنجيز، (طق الأصبع) وعادة ما يكون طق الإصبع بمصاحبة طرقعة اللسان.

يتألف المجتمع القطري من قبائل عربية من الجزيرة العربية، وتحديدًا بصورة خاصة من نجد، وكذلك من قبائل عربية انتقلت من فارس ومن الساحل الإيراني إلى الساحل القطري في رحلة العودة إلى وطنهم ثانية، وهؤلاء يطلق عليهم اسم (الهولة) أو الحولة، وبطبيعة الحال فإن هذه القبائل حملت معها فنونها وآدابها من الصحراء ومن الساحل البحري ما شكل غِنىً في المدلول الثقافي، ليعاد تشكيل هذه التعبيرات الموجودة في الشعر والرقص والغناء مع ما يتوافق مع البيئة القطرية، لهذا نجد في الأغنية الشعبية تنوعًا حسب كل مناسبة.

لذلك نجد أغاني لها علاقة بولادة الأطفال، وفترة الحمل، فينشد الناس على سبيل المثال:

هوّن الله عليها

مريم حويمل هوّن الله عليها

استر الله عليها

أيضًا من ملامح الأغنية الشعبية ما له علاقة بهدهدة الطفل (يا رب طول عمره يكبر ويفضي باله)، وكذلك الأغاني التي لها علاقة بالختان، وهذه المضامين تبين إلى حد كبير مدى الإهتمام بما له علاقة بالأطفال، وما يزرع في وعيهم منذ الصغر من خلال الكلمات المليئة بالمودة والألفة.

لدينا مظهر آخر من الأغنية الشعبية، وهي أغاني الرديح (يا باني النجمة بلا طناب).


من أهم الأغاني الشعبية التي لا بد من الوقوف عندها هي (العرضة)، وهي التي يؤديها الرجال عند مناسبات كالأعياد والزواج، والتي يؤدونها بمصاحبة السيوف والبنادق والتي يستعمل فيها الشعر النبطي، الذي يظهر الشجاعة والفروسية وهذا النوع هو الانسجام الكامل مع روح الثقافة العربية المتوارثة، في هذا النوع من الغناء الشعبي يقف الرجال صفين ويتوسطهم ضاربو الطبول والدفوف، ولها اسم آخر يطلق عليها (الرزيف) .

هناك نوع من الغناء يسمى (العاشوري) ربما هو نسبة إلى عاشوراء، يشترك فيه النساء والرجال، ويؤدى خصوصًا في حفلات الزواج.

أما فن الصوت فهو نوع ترجع أصوله إلى اليمن، حيث يستخدم فيه المرواس مع آلة العود، أما الشعر الذي يستخدم فيه فهو شعر فصيح، يؤدى هذا النوع من الغناء مع رقصات تسمى (الزخان).

وهناك غناء يسمى (السمرة)، يؤدى عادة في الليل وسهرات الليل. وهناك غناء (الفجري)، وله عدة إيقاعات: بحري، حديدي، عدساني، حساوي، المخلوفي... وأيضًا هناك غناء يسمى (اللعبوني) نسبة إلى شاعر اسمه محمد بن لعبون، ويطلق على هذا الغناء أيضًا (الخماري) لأنه يخامر العقول حسب المتوارث، ويرافق هذا الغناء رقصات خاصة بالنساء.

هناك نوع آخر من الغناء ويسمى (القادري)، وهو شبيه بفنون الزار ويشارك فيه النساء والرجال، وينسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني (شيل الله يا عبد القادر)، وهو من الفنون القديمة التي أتت من أفريقيا وفيه رقصات تستخدم فيها الطارات والطبول، وأحيانًا الطنبور وهي آلة شبيهة بآلة العود.

ولدينا فن (الأداء الحركي)، وهو الفن الشعبي لمنطقة الخليج عمومًا، حيث أن الحركات والإيقاعات التي تستخدم فيه تأتي منسجمة مع طبيعة الأرض، التي تتوسط الطبيعة الصحراوية والبحرية، والتي سمتها في أحيان كثيرة الخشونة والشدة المرتبطة بظروف الحياة ومنها: أغاني العرضة، أغاني المرادان، أغاني الفريسة، أغاني دق الحب، وأغاني البحر.

المناسبات المرتبطة بالغوص للصيادين

هناك نوع آخر من المناسبات وهي المرتبطة بالبعد الديني وهما عيدا الفطر والأضحى، حيث كان يتخذ فيهما شكلًا مميزًا؛ إضافة إلى التواصل والتهنئة بالمجالس وإقامة الفروض الدينية والتأكيد على المحبة وصلة الأرحام وإقامة الولائم وتوزيع الحلويات، كانت تقام احتفالات كـ(العرضة)، ويقوم الرجال بالرقص، وكانت النساء والفتيات يخرجن للاستمتاع برؤية الرجال وهم يرقصون، وكذلك فقد كانت النساء يحتفلن ويقدمن رقصة (المراداه)، وهي عبارة عن رقصة شعبية، كانت النساء فيها تقفن صفين متقابلين، بعد أن تتزيّن بأجمل الثياب والحلي والذهب، وتكون الأيدي والأقدام مزينة بالحناء، والشَّعر مصفّف بطريقة جميلة. وتتطيّب النساء بالعطور وتسمى (الرازجي) ويعلّق به المشموم (الريحان)، ويبدأ الغناء والرقص في باحة مع إيقاعات جميلة ومع انحناءات إلى الأمام والخلف وتُنشد الأغاني مثل:

يرحنى الفطام     يا خوى واخشمى    يرحنى الفطام

بحور الظلام    والحبر ودتنى     بحور الظلام 

ودلالة هذه الأغاني تبيّن إلى حد بعيد على ارتباط الفنون والمناسبات في المجتمع القطري وتأثر الفنون الشعبية بنشاط "الغوص"، لأن كلمات الأغنية تعني أن الغواص يشكو من ضغط "الفطام" على أنفه، وثقل الحجر على قدمه، والذي أخذه إلى مكان شديد الظلمة.

ومن أهم المناسبات الشعبية التي كان يحتفل بها المجتمع القطري، هو يوم (القفال)، المرتبط بالبعد الإنتاجي الاقتصادي، الذي كان يعيش عليه بنسبة كبيرة المجتمع، فإضافة إلى النشاط الزراعي والرعوي كان الغوص يعد من أهم الأنشطة الاقتصادية والذي كان يقام لأجله أهم الاحتفالات، ولهذا كانت فنونه مرتبطة به بشكل واضح، وكان القفال يعني نهاية الغوص الكبير، وكان يعتبر مهمًا، فهذا اليوم يشهد على عودة الرجال الغائبين منذ فترة من التعب والمخاطر، وكانت تقام الاحتفالات على الشاطئ، وتقدم خلالها الولائم ( كأنها أضاحي)، وتستعد النساء لهذا اليوم بشكل كبير من خلال ارتداء الملابس الجديدة والتزين بالحناء والعطور لاستقبال أزواجهن وأبنائهن وآبائهن، فقبل وصول السفن بعشرة أيام كانت النساء تتجمع كل يوم بعد صلاة المغرب، حيث كن يؤدين رقصة المراداه ويغنين بعض الأغاني مثل:

أم الحنايا يدفوها على السيف

كلها صبيان تجر المياديف

يا نواخذ أهم لا تصلب عليهم

ترى البحر بارد غصب عليهم

ترى حبال الغوص قطع أيديهم

تُحضّر أطعمة مثل (الحسو) و(العصيدة) عند الولادات


وهذه الكلمات تبين كيف كانت النسوة تطلبن من "النواخذا" أن يكون رحيمًا بالغواصين ولا يقسو عليهم، لأن العمل شاق جدًا. ففي يوم القفال كان معظم السكان يخرجون نساء ورجالًا، كبارًا وصغارًا، من بيوتهم لاستقبال العائدين من رحلة البحر الشاقة. ومن الاحتفالات التي تسبق يوم القفال ممارسة نوع من الفنون تسمى (لعبة البحر)، وهي رقصة وأغنية تبين قلق النساء على الغواصين من طول مدة المكوث في البحر، وفي هذه الرقصة التي تُؤدى مع الأغنية، وهي مرتبطة بالتصورات الشعبية كمحاولة من أجل إخافة النساء للبحر، من خلال إشعال النيران، وقذف البحر بالحجارة وهن يرددن:

توب توب يا بحر     شهرين والثالث دخل

توب توب يا بحر    ما تخاف من الله يا بحر

وكن يمارسن أشياء هي مرتبطة باعتقادات وتصورات أشبه بالطقوس، مثل رمي البحر بحجارة تجلب من المقابر وترمى على البحر، اعتقادًا منهن أن هذه العملية سوف تؤدي إلى إثارة البحر والعواصف، وبالتالي فإن ذلك سوف يسمح للسفن بالعودة بالغواصين إلى حين ظهور شراع أول سفينة، وهن يرددن:

يا حصاة المقبرة هاتي هوانا بغبرة

هذه العادات تُظهر إلى حد بعيد التصورات الشعبية التي قامت عليها الفنون والمرتبطة بالغوص، حيث تعتقد النساء أنها تقوم باستجداء البحر عبر هذه العملية حتى يرجع الأحبة سالمين. من هنا ارتباط المناسبات الدينية والاقتصادية وغيرهما بالنشاط الاقتصادي للغوص، أي إعادة تركيب للبنية الدلالية بما يتناسب مع طبيعة العيش.

الأعياد والمناسبات الشعبية

المناسبات التي كان المجتمع القطري يهتم لها ويقيم الاحتفالات لأجلها عديدة، منها ما له علاقة بمناسبات الولادات، حيث كانت الاحتفالات تقام في البيوت نظرًا لعدم وجود المستشفيات في ذلك الوقت، وكان أهل الوالد يحضرون الأطعمة بمناسبة قدوم حفيدهم، ولهذه الغاية كانت تُحضر أطعمة مثل (الحسو) و(العصيدة)، وتوزع على الجيران، وعادة ما يرد الجيران الوعاء، وبه سكر وبيض وطحين أو غيره. وكان الأب، عندما يبشّر بمولد الولد، يقوم بتقديم هدية البشارة إلى الشخص الذي بشّره، فتُقدّم الذبائح وتوزع على الجيران والفقراء. وإضافة إلى إقامة الولائم، يُقام احتفال بمناسبة حلاقة شعر رأس الطفل بعد الأربعين، وتُنثر الحلوى والمكسرات، حيث يقوم الأطفال بالتقاطها من الأرض، وهناك من يقوم بوزن شعر الطفل ومعادلته بالنقود التي توزع على الأطفال بأجواء من الفرح والاحتفال.

كذلك من المناسبات المرتبطة بالميلاد إقامة احتفالات (الختان)، أي تطهير الطفل، والتي تتم من سن الرابعة إلى السابعة، وفي بعض الأحيان كانت تتم بعد الولادة مباشرةً، كانت تجري عمليات الختان في نهاية فصل الربيع وبداية الصيف قبل الدخول في موسم الغوص الكبير وهو النشاط الاقتصادي الذي كانت تدور حوله معظم الأنماط الاجتماعية وتدور في أطره. وفي هذه الفترة، يكون الهواء حارًا وجافًا ويسمى (بالبارح)، لاعتقادهم بأن جرح الختان يندمل بسرعة في مثل هذا الجو، وبعد عملية الختان كانت تُطلق الأعيرة النارية احتفالًا، وكان أبناء الفريج (الحي) يشاركون بالاحتفالات بالإضافة إلى الأهل والأقارب وتوزع الحلويات، وتنشد الأغاني، وكانت تُنحر الذبائح وتقام الولائم.

    

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.