}

حول "فوضى المحتوى العربي" على مواقع التواصل الاجتماعي

مليحة مسلماني 7 مايو 2023
اجتماع حول "فوضى المحتوى العربي" على مواقع التواصل الاجتماعي
(Getty)
قدّمت مواقع التواصل الاجتماعي منصّات تمكّن من حرية التعبير للجميع، ليعبّروا عن آرائهم وأفكارهم وإبداعاتهم وتوجّهاتهم الفكرية والعقائدية والسياسية، غير أن هذه الحرية ـ شبه المطلقة ـ تسبّبت في ما يمكن تسميته بـ "فوضى المحتوى العربي"؛ فمقابل المحتوى التخصّصي الذي يقدّمه مختصّون في مجالات مختلفة،  كثيرًا ما يصطدم المستخدمون بمعلومات خاطئة، أو مضلّلة، أو منقوصة، يقدمها أفراد ليسوا متخصّصين، سواء في المجالات الطبية والصحية، أو النفسية، أو الاجتماعية، أو الدينية، أو الثقافية المعرفية، أو الإعلامية، وغيرها، إلى جانب المحتوى الذي يمكن وصفه بالصادم، والذي يتجاوز الأعراف والأخلاقيات العامة، وأيضًا ذلك الذي يحرّض على الكراهية، أو الطائفية، أو العنف بشكل عام.
وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي تعدّ من أقوى الوسائل المعاصرة التي تمكّن المستخدمين من الوصول إلى محتوى متنوع وغنيّ بالمعلومات في المجالات الحياتية كافة، إلا أنه من الصعب جدًا تحديد مدى جودة المحتوى الذي يتم تداوله على هذه المواقع، سواء من حيث مصداقية هذا المحتوى، أو من حيث تأثيراته السلبية، المعرفية والسلوكية، على الأفراد والمجتمعات.
تشير كلمة "فوضى" إلى حالة من عدم الانتظام، أو النظام، وفقدان نسق معيّن يهدف إلى تحقيق نتائج وأهداف مُرضية؛ ما ينطبق بطبيعة الحال على المحتوى العربي الذي يُطرح على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يأتي بشكل عشوائي وارتجالي ومن دون رقابة كافية، أو من دون رقابة أصلًا، إلا من بعض القيود القمعية التي تفرضها الأنظمة الديكتاتورية، وكتلك التي يفرضها موقع فيسبوك على المحتوى الفلسطيني متبعًا نهجًا واضحًا في انحيازه لدولة الاحتلال. وعدا ذلك، يمكن القول إنه لا توجد أية رقابة على المحتوى المقدّم على مواقع التواصل تستند إلى مرجعيات وأعراف وأخلاقيات إنسانية وحقوقية.
يزداد الأمر تعقيدًا وخطورة في ظلّ الاطلاع اليومي الذي يقوم به الفتيات والفتيان الصغار، وكذلك الأطفال، على المحتوى المقدّم على مواقع التواصل المختلفة، خاصة وأنه يصبح من الصعب السيطرة على استخدامهم لهذه المواقع، وتعرّضهم بالتالي لمحتوى صادم، أو غير أخلاقي، أو يحضّ على العنف والكراهية، ما قد يؤثر بالسلب على سلوكياتهم وقِيَمهم ومعارفهم.
من أجل الاقتراب من طبيعة هذه الفوضى المحيطة بالمحتوى العربي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديد مختلف الإشكاليات والتأثيرات التي قد يحدثها في التفكير والسلوك الجمعي، نستعرض هنا آراء باحثين ومختصين في مجالات ثقافية وإعلامية ونفسية وحقوقية.

تسونامي معلوماتي


يقول الأستاذ الدكتور محمد فوزي كنازة من الجزائر، وهو أستاذ نظريات الإعلام والاتصال في جامعة قسنطينة 3: إنّ المتصفح للمحتوى العربي لمواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة تصيبه الخيبة الفورية؛ على اعتبار أن صانع المحتوى في غالب الأحيان يكون من "عامّة الناس". حتى، و إن سلّمنا بصحافة المواطن، كتوجه جديد في ميدان الإعلام، إلاّ أن ظاهرة تشتت المرسل زادت في تعقيد المحتوى من الناحية النوعية. وكما يقول الكاتب والمثقف أمبرتو إيكو فإننا أصبحنا لا نفرق بين الغث والسمين في مجال المحتوى المعروض على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لأن كل شخص أصبح، من موقعه، ومهما كان موقعه في المجتمع، يصدر محتوى من دون مراعاة لأدنى شروط إنتاجه، سواء الفكرية، أو الثقافية والتخصصية. خير دليل على ذلك ما حدث في فترة جائحة كورونا، من تقديمٍ وعرضٍ لأفكار بالية وغير علمية في المجال الصحي حول طبيعة المرض وسبل الوقاية منه، وقد ثار حولها جدال ولغط واسع داخل المجتمع، نتج عنه في كثير من الأحيان معلومات وتعامل خاطئ مع المرض وأعراضه أودى بحياة عديد الأفراد جراء الاعتقاد بهذه المعلومات.
يضاف إلى ما سبق المحتويات الرديئة التي تلامس مجال العنف والجنس والدين والمرأة، وغيرها من الموضوعات، التي تلاقي رواجًا واستهلاكًا واسعًا داخل أوساط الشباب، في المجتمعات المتخلّفة بخاصة، والتي تجعل عقولهم أسيرة معتقدات مسمومة لا تمتّ للحقيقة والعالمية بأي صلة، بل تعمل على فصلهم وعزلهم عن سيرورة المنظومة الكونية، وتؤدي بهم في النهاية إلى الانحراف والتطرف. وما تشهده بلداننا العربية من ظواهر عنف وتنام لها ما هي إلا دليل قاطع على أن محرّكها ودعامتها توجد في مثل هكذا مواقع اجتماعية، بالإضافة إلى مؤسسات تنشئة اجتماعية أخرى لا تقل أهمية عن المواقع الإلكترونية.




لقد حذّر كثير من الباحثين والمستشعرين بالخطر الداهم من هذا التسونامي المعلوماتي غير المؤطّر، والذي لا يستند إلى أي معيار في النشر، على العكس مما كان معمولًا به في الدوائر الانتاجية الأخرى، كالكتاب والمقال والحصص التلفزيونية، وغيرها من أساسيات مجال النشر الواسع، والتي تستند أساسًا إلى اعتراف الأقران في مجال البحث العلمي والثقافي، وفي التعاطي مع المعلومة والتخصص، وحتى في الغاية المتوخاة من نشر المعلومة ومدى فائدتها على المجتمع، لأنه بهذه الفسيفساء المعلوماتيّة الهشّة سنضيِّع شبابنا، بل وأطفالنا، عماد المستقبل.

غياب الوعي وسيطرة الغريزة


يقدّم الاختصاصي النفسي الفلسطيني، سائد السرساوي، رؤية سيكولوجية للتفاعلات الاجتماعية على مواقع التواصل، وتوصيفًا لعمليات الإدراك فيها، قائلًا: تضفي دراستي لعلم النفس رؤية سيكولوجية للعديد من القضايا والمشكلات التي أدرسها في حياتي اليومية. ومن هذه القضايا وسائل التواصل الاجتماعي التي أرى نفسي فردًا مشاركًا فيها. وكثيرة هي الأسباب والعوامل التي تدفع الفرد إلى المشاركة في هذه المواقع. وهنالك عدد من الدراسات والأبحاث تناولت أسباب ذلك بشيء من التفصيل؛ منها أسباب تعود إلى احتياجات نفسية، مثل تعزيز الذات، ومنها أسباب اجتماعية مثل تحقيق الترابط الاجتماعي والوطني، وغيرها. وتتعدّد أشكال المشاركة بين صناعة محتوى وكتابة منشور، أو مشاركة منشورات آخرين، أو الاكتفاء بالتعليق، أو الإعجاب، أو المتابعة بصمت. كما تنخرط معظم الفئات الاجتماعية والعمرية في عملية المشاركة على هذه المواقع.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا يتمحور حول الدور الذي تلعبه هذه المواقع في تشكيل السلوك الفردي والاجتماعي؛ خاصة وأن العقل البشري يتأثر بكثير من المحفّزات الخارجية التي تدفعه إلى اتخاذ قرارات تحدّد نمط الحياة اليومية. ويعمل العقل البشري ضمن عمليتين من الإدراك: إدراك سريع، وآخر بطيء؛ يتعامل الإدراك السريع مع الملاحظات اللاواعية البديهية، بينما يتعامل الإدراك البطيء مع الملاحظات الواعية والمنطقية الناتجة أساسًا عن المهارات المكتسبة من تجاربنا الحياتية. يحدث الإدراك السريع بشكل تلقائي، بينما يحتاج الإدراك البطيء إلى كثير من الاهتمام والتركيز. ويتميز الإدراك السريع بـ"السهولة المعرفية"، بحيث يشعر العقل أن الأمور على ما يرام، كما يحدث عند التصفح السريع للمنشورات والأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، فنكون في حالة من الارتياح والاسترخاء، لأنها غالبًا ما تكون منشورات وصور سهلة الفهم، ولا تحتاج إلى تحليل ووقت، أو جهد كبير للوقوف عندها والتفكير في ما إذا كانت تستحق الاهتمام أم لا.
تعمل عملية الإدراك البطيء على العكس من ذلك، وهي التي تكون عند قراءة كتاب على سبيل المثال، أو عند خوض نقاش يتطلب بناء الملاحظات الواعية لتجنّب أكبر قدر من الأخطاء، وهذا يستغرق وقتًا أطول، ومزيدًا من الجهد والتركيز. وبالعودة إلى مواقع التواصل، وموقع فيسبوك على سبيل المثال، سنجد أن كثيرًا من مستخدميه يمرّون بشكل سريع على الأخبار المعقّدة، والمنشورات التي يصعب تحليلها وفهمها، أي أنهم يفضّلون الاعتماد على الإدراك السريع، في حين نجد أفرادًا آخرين يفضّلون الإدراك البطيء، وبذل بعض الجهد والوقت لقراءة الخبر وتحليله، ومن ثمّ فهمه وتكوين رأي تجاهه، ومشاركة هذا الرأي مع الآخرين.
تكمن المشكلة في الإدراك السريع لما يُنشر على وسائل التواصل، من صور، أو عبارات بسيطة، تحفّز اللاوعي بشكل غريزي فطري وجذّاب، يؤثر في تشكيل سلوكيات الناس بطريقة لا منطقية، أو غير واعية. ولنا أن نتخيل حجم المشكلات النفسية والاجتماعية الناتجة عن غياب الوعي المنطقي، وسيطرة الغريزة، على سبيل المثال، مما يؤدي ظهور المقاطع الجنسية، أو الصور، أو المنشورات ذات المحتوى الجنسي أمام الأطفال، إلى استفاقة جنسية مبكرة تُحدِث خللًا في التوازن الطبيعي للطفل. كما يؤدي ظهور مقاطع، أو منشورات، تدعو إلى الكراهية والعنف، إلى استثارة مشاعر العدوانية، وزيادة التطرف. وهنالك كثير من الأمثلة على المنشورات التي تتبع الجانب الغريزي في الإنسان، وتتجاهل معارفه الفكرية والحضارية.

بين الحماية والقمع


يذكر المحامي المصري وليد نصر حلولًا عملية وقانونية للحدّ من الآثار السلبية لفوضى المحتوى على مواقع التواصل، كما يتعرض إلى أشكال تدخّل السلطة لفرض الرقابة على هذا المحتوى، واستغلالها لهذا التدخل بهدف قمع المعارضين. يقول نصر: كثيرًا ما أصادف معلومات خاطئة وخادعة على مواقع التواصل، هذه المعلومات لا ينشرها غير المختصين فحسب، بل أجدها أيضًا صادرة عن مختصّين في المجال القانوني. وبناء على تجربتي في المشاركة في مجموعات (جروبات) المحامين على مواقع التواصل، يمكنني القول إنه يتم تقديم محتوى خاص بالقوانين والقضايا يحتوي معلومات خاطئة ينشرها محامون للأسف، وإذا كان هذا الأمر المؤسف يحدث في مجموعات المحامين، فمن المؤكد أنه يحدث في مجموعات مهنية واختصاصية أخرى على هذه المواقع.




وكثيرًا ما تُنشر تلك المعلومات الخاطئة، سواء كانت من قبل مختصين، أو غير مختصين، بأسلوب يوحي بصدق المعلومة، التي تُقدَّم وكأنها جزء من الحل. وعلى القلّة الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم أن يصحّحوا ما يصادفهم من معلومات خاطئة، وهذا ما أحاول فعله. كذلك يمكن التنبيه، وبشكل دائم، سواء في المناهج والمؤسسات التعليمية، أو في وسائل الإعلام، إلى أن محتوى صفحات التواصل الاجتماعي ليس مصدرًا موثوقًا للمعلومات، وأنه يجب على الإنسان أن يبحث عن المعلومة الحقيقية في مصادر أخرى، كالصحف ذات المصداقية العالية، أو في المراجع والمواقع المتخصصة.
في ما يتعلق بالمحتوى البذيء والصادم، مثل وجود كلمات خادشة للحياء، أو فيها سبّ وقذف، أو تحرش جنسي، أو محتوى يدعو إلى الكراهية والعنف، فهو مما يعاقب عليه القانون، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى السلطات للحصول على حقّه من المعتدي. أما إذا كانت الجرائم المرتكبة ليست من جرائم الشكوى (وجرائم الشكوى هي التي لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناءً على شكوى شفهية أو كتابية من قبل المجني عليه، مثل جرائم السبّ والقذف)، فيمكن لأي إنسان في تلك الحالة أن يبلغ السلطات بها، حيث تنص المادة 25 من قانون الإجراءت الجنائية المصرية، مثلًا، على أن "لكل مَن عَلِم بوقوع جريمة، يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة، أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها". وهو أمر من السهل القيام به على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل وضع تنبيه، أوmention، لصفحة النيابة العامة المصرية، أو وزارة الداخلية المصرية في التعليقات على المحتوى، وهذا يعد بمثابة بلاغ عن الجريمة.
لكن يجب الانتباه إلى أن السلطة تستغل أحيانًا العقوبات المنصوص عليها في بعض القوانين ليتم الاعتداء على حرية الرأي والتعبير، تلك الحرية المنصوص عليها في الدستور والقوانين المصرية، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي كثير من العهود الدولية ذات الصلة، والتي وقّعت عليها مصر، وأصبحت بمثابة جزء من القوانين الداخلية بها. ويتم الاعتداء على حرية الرأي والتعبير والحقوق المدنية والسياسية عمومًا، بهدف ضرب معارضي النظام، أو لتحقيق مكاسب سياسية، أو لفرض رؤية محافظة على المجتمع من قبل بعض القائمين على السلطة، تحت ما يسمى بحماية قيم الأسرة المصرية، وهو مصطلح فضفاض تم استخدامه في السنوات الأخيرة في حالات عديدة، من بينها ما عُرف بقضية فتيات التيك توك، حيث تم اعتقال عدد من الفتيات بسبب تقديمهم محتوى ادّعى القائمون على الأجهزة الأمنية أنه يعتدي على قيم الأسرة المصرية.
من بين الحلول التي يمكن ذكرها في هذا السياق برامج الحماية الموجود على أجهزة الهاتف، والتي تمكّن الأهل، عبر تفعيلها، من حماية أطفالهم من المحتوى غير المرغوب به. وأرى أنه من الأفضل تجنيب الأطفال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حتى بلوغهم عمرًا مناسبًا. وأتمنى أن يشعر أكبر عدد ممكن من الناس بالمسؤولية، سواء تجاه ما يقدموه على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تجاه ما يشاهدوه من تجاوزات، أو جرائم ترتكب عليها، إذ عليهم أن لا يتهاونوا في منعها، أو التبليغ عنها. أما ما يحدث من تجاوز للسلطة في اعتدائها على حرية الرأي والتعبير، فالحل يكمن في تحقيق التحول الديمقراطي في مصر والوطن العربي.

مساحة تراهن على المؤقّت


أخيرًا، يقول الكاتب والمترجم الفلسطيني السوري، محمود الصباغ: يتم النظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب طابعها شديد العمومية، على المستوى الشخصي، من منظار حكم القيمة، أي بمقادير إيجابية وسلبية على حد سواء؛ فهي من ناحية فرصة ثمينة لإيصال صوت من ليس لديهم مفاتيح واقعية مع الجهات المعنية، كما أنه ينطبق عليها، من ناحية أخرى، ما يُستشهد به من قول أمبرتو إيكو، بأن أدوات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر "منحت حق الكلام لجيوش من الحمقى روّاد البارات الذين يبدؤون بالثرثرة بلا توقف بعد أول كأس نبيذ، من دون أن يشكلوا ضررًا على أحد، وكان يتم إسكاتهم فورًا عند الضرورة... أما الآن، فصار يحقّ لهم الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، الأمر أشبه بغزو البلهاء".
أتعامل، شخصيًا، مع فيسبوك منذ عام 2012، ورغم بعض الفوائد والمكاسب إلا أنه يبقى، في التصور النهائي، نشاط يراهن على المؤقت، وغير قابل للتنبؤ به وبمصيره. وإذًا، لا مكانة فيه تُرتقى، ولا غاية تُنتقى، ولا منفعة تُرتجى، ولا إعجاب يغني، ولا مجاملة تشفي، ولا محاباة تحيي. فهو، على كثرة فوائده، ليس بالمكان المثالي للتحصيل المعرفي، ولا للمجد الشخصي (لمن يبحث عنه).
وقد بدأت ألاحظ منذ مدة كيف تحول عدد من الأصدقاء، وأنا مثلهم بطريقة ما، في هذا الواقع الافتراضي إلى المشاهدة والمراقبة والقليل من التفاعل. وقد لا يقرأ كثيرون ممن هم في قائمة الأصدقاء ما أكتب، بعضه، أو جلّه، أو حتى كلّه، مثلما أفعل أنا بدوري أيضًا، ولعل هذا يبدو طبيعيًا لاختلاف الأذواق والأمزجة، ودرجة تقبّل الكتابة وجودتها وموضوعها، وأهمية وإلحاح المواضيع المكتوبة، ولانهماكنا في أعمالنا ومشاغلنا اليومية. ومن المفترض أن لا يسبب هذا حرجًا، أو انزعاجًا، ولا يثير، في المقابل، ضغينة، ولا يحرّك النفوس نحو مطارح غير محبّبة، مع الاحترام وحفظ مساحة الودّ للجميع؛ لا سيما أولئك الذين نختلف معهم في بعض المسائل والمواقف ووجهات النظر.
وما يشفع لي، مثلما يشفع لغيري، في الاستمرار، بل الإصرار على الكتابة، رغبتي في أن يعرف من لا يعرفني كيف أفكر، فليست غايتي إقناع غيري بفكرتي. لقد انتهى الزمن الذي كان كل واحد منا يحلم بقدرته على تغيير العالم. من هذا المنطلق، ومما سبق، أتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك تحديدًا، باعتباره بابا دوّارا لعوالمي الشخصية، وحديقة خلفية لما راكمته ـ من حسن حظي ـ من قراءات متنوعة عبر سنين طويلة، ولا أنظر له كميدان تنافسي، أو منبر سجالي، ولا كحلبة صراع فكري، ولا منصة جدل، ولا ركن تثبيت مواقف، بل مساحة خفيفة ننشط بها عقولنا، ونفتح صناديق أفكارنا المنسية، لنعيد ترتيبها وتنسيقها، فنضيف لها ما هو جديد وممتع ومفيد، ونطرح ما هو غير صالح.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.