}

الحروب والثورات والفن التشكيلي: هل يمكن رسم وردة؟

سارة عابدين 12 أبريل 2019
تشكيل الحروب والثورات والفن التشكيلي: هل يمكن رسم وردة؟
(سلوى رشاد)
بعكس ما هو شائع عن تراجع الفنون في أوقات الحروب والثورات، يؤكد مؤرخو الفن التشكيلي على ازدهار الفنون بأنواعها المختلفة في تلك الأوقات، حيث ترتفع دافعية الفنان للتعبير عن نفسه، ويبحث عن طرق جديدة للمقاومة عن طريق الفن.
حول تأثير الحروب والثورات على الفن التشكيلي يقول الدكتور هشام المعداوي، عميد كلية الفنون الجميلة بالأقصر، إن الدراسات والمراجع تكشف تأثير الحروب والثورات على حركة الفن التشكيلي، وإن إختلفت المعطيات بإختلاف العصر. وفي العصور القديمة كانت الحروب والثورات تصنع دافعية لدى الفنان للإبداع من خلال أطروحات دعائية للحروب تمجد الحرب وتكرس للانتصارات الحربية، كما في الممالك القديمة في عصور الفن المصري القديم والفنون الأخرى في بلاد ما بين النهرين والفن الإغريقي والروماني. وهو ما امتد في العصور الحديثة في بعض الدول التي تتبنى سياسات عسكرية وتخضع لحكم الفرد الحاكم مثل كوريا الشمالية التي ما زالت الحروب موضوعاً مفضلاً لفنانيها التشكيليين.
ومع تغيّر الأوضاع في العالم الحديث وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإحساس الخراب في العالم تغيرت قناعات الفنان التشكيلي بالحروب ولم تعد هناك نفس المساحة التي كان
الفن التشكيلي يفردها للحروب والثورات وتراجع ما يعرف بفن الدولة أو حشد الفن من أجل ترسيخ مفاهيم دعائية سياسية وأصبح التعبير عن الثورة أو الحرب يتم من خلال فردية الفنان فقط بحيث لم يعد له نفس التاثير القديم.
الفنانة العراقية المقيمة بالسويد روناك عزيز تقول إنها عاشت لسنوات طويلة في بغداد بالعراق، عاصرت حروبا متعددة منذ طفولتها، بدءا بالحرب العراقية- الإيرانية، ثم حرب الخليج، وسقوط نظام الحكم في العراق، وسقوط تمثال صدام حسين في 4 مارس/ آذار 2002.
تؤكد عزيز أن الحرب لها تأثير مباشر وكبير على الفن والأدب والحياة بكل تفاصيلها، لذلك تظهر آثار الحروب في أعمال الفنانين العراقيين بشكل عام، منهم من استخدم بقايا ومخلفات الحروب، أو الطلقات الفارغة، ومنهم من رسم تفاصيل الحروب وأهوالها، لأن الفن مثل المرآة، يعكس ما حوله، ويسمح للفنان بالتعبير بالطريقة التي تناسبه، بشكل تعبيري، أو رمزي أو حتى واقعي، لذا لوحات الفنانين الذين يعيشون في أجواء الحروب مثل العراقيين أو السوريين، تظهر فيها المعاناة والصراعات والتساؤلات التي تدور بدواخلهم.
عزيز تعيش حاليا في السويد، لكنها ما زالت تحمل صراعاتها معها، وتقول إن الفنانين السويديين لا يرسمون أبدا مثل العراقيين مثلا، بل يرسمون مناظر طبيعية رائقة وزهورا بألوان مائية هادئة، ولا تتشبع لوحاتهم بالمآسي والصراعات، بعكس الفنان العراقي الذي لا يمكنه أبدا رسم مثل هذا النوع من اللوحات.

المرأة هي من تدفع ثمن الحروب
تتحدث عزيز عن فنها بشكل شخصي وتقول إن المرأة والإنسان هما محور أعمالها الفنية، لأنها ترى أن المرأة هي من تدفع ثمن الحروب وويلاتها بشكل كبير، وتتعرض للعنف القسري باسم الدين والمجتمع والعادات، لذلك تركز عزيز الضوء على المرأة ونضالها في الحياة، لأن المعاناة لا تنتهي حتى مع الانتقال من بلد لآخر.  تقول عزيز "الحروب كالوشم، لا تمحى من ذاكرة الفنان ونفسه". لكنها ترى الفن أداة عظيمة للتعبير، تساعد على تحرر المشاعر السيئة، وفي الوقت نفسه تنظر إلى الفن كمحنة يمكن أن تتضاعف عندما يواكب الفنان الحروب والموت والأطفال المشردين بالشوارع، لذلك لا يمكن لفنان عاش الحرب وويلاتها أن يرسم فقط وردة.
يقول الفنان التشكيلي السوري مجد كردية إن الفنان ابن زمانه ومكانه، ولا يمكن فهم أي عمل فني دون تحديد مكانه وطبيعة الزمن الذي صنع فيه. ولا يمكن لأي شخص فنان أو غير فنان أن يعزل نفسه عن محيطه خاصة في زمننا هذا.
يرى كردية أن تأثير الحروب على الفن له شقان، الشق الأول هو تحول الفنون إلى موضوع هامشي وغير مهم، وتتم محاربتها لأسباب سياسية أو دينية، ومن جهة أخرى تبقى الفنون من أهم الأدوات التي تمنع الإنسان من السقوط في حفرة التوحش، وهي الخيط الرفيع الذي يربط الإنسان بإنسانيته.

محاربة التوحّش
بالرغم من أن الحروب والثورات أعطت الفنان قيمة أسمى لمهمته في الحياة، إلا أن هناك بعضاً ممن حوّل الفن إلى تجارة للأشلاء ومشاهد الموت، حيث أصبح الفن عبارة عن نشرة

أخبار، وأصبح الفنان حشرة طفيلية تعتاش على جراح الآخرين، وتحول الفن إلى وسيلة لإقناع الجماهير بجماليات العنف. لذا يرى كردية أن الوقت ما زال مبكرا للحكم على تأثير الحروب والثورات الحالية على الفن التشكيلي المعاصر.
في نهاية الأمر يرى كردية أن الفنانين يصعب تجميعهم مثل القطيع، لأن لكل منهم ظروفه وحساسياته، لكنه بشكل شخصي يعمل دائما على محاربة التوحش، وحوّل أعماله الفنية إلى قصص مصورة أو لوحات مكتوبة. ويذكر أن معرضه الأول بعد الحرب كان بعنوان "الأرض لازمها كوي"، والمعرض الثاني كان بعنوان "سرقة الأحزان". وهو يتكلم عن الحرب وعن المأساة بشكل غير مباشر، عن طريق مهاجمة الحروب، بالأفكار الفنية العابرة للزمان والمكان، ويبتعد دائما عن شيطنة الآخر، ويرى أن أي دعوة لشيطنة الآخر هي دعوة جديدة للقتل.
يتكلم كردية عن الحروب والموت المجاني، وعن النزوح والظلم، بشكل غير مباشر ودون أن يستغل جراح الآخرين، ويرى أن الفن ليس هدفه أن يجد حلولا. ويرى أن الفنان في هذا الزمن يشبه عازفا يعزف بمنتصف المعركة، قد يضطر أحيانا إلى رفع الصوت بشكل مبالغ فيه حتى يحاول التفوق على صوت المدفع.

الكاميرا والتوثيق
الفنانة التشكيلية والمصورة الفوتوغرافية المصرية سلوى رشاد تذكر أنها كانت منقطعة عن المرأة بمفهوم أكثر اتساعا هي الشاغل الأهم لرشاد، وهي أساس التكوين الفني، وحاملة القرابين. المرأة هي الوعاء الذي صبت فيه كل الإساءة والدمار والألم، وكانت ترغب في ربط المتلقي بذاكرة الحروب من خلال الصور الفوتوغرافية التي تخص سورية والعراق وفيتنام.الرسم لفترة طويلة قبل ثورة 25 يناير 2011، بالرغم من أن الرسم هو دراستها وهوايتها واهتمامها الأساسي، لكنها انقطعت عنه لفترات طويلة، وكانت أكثر تركيزاً في الفوتوغرافيا. وفي أثناء ثورة 25 يناير كانت الكاميرا هي الوسيلة التوثيقية التي تصاحب الجموع في كل المناسبات، خاصة بعد تحول الصور إلى التقنيات الرقمية، ما جعلها أسهل في التناقل، بالإضافة إلى الغرافيتي الذي يصاحب كل الثورات كحالة إعلان عن الرفض والثورة على الأوضاع.

تقول رشاد إنه بعد الثورة أصبح عندها تساؤل شخصي عن الفن الخاص بها، وفكرت في الفوتوغرافيا بشكل فني، وكيف يمكنها أن تجد مكانها الخاص الذي يربط بين الفوتوغرافيا من جهة

وبين اللون والخط والرسم من جهة أخرى، وتحيل ذلك إلى الثورة التي جعلتها كفنانة تختبر نفسها في أماكن جديدة لم تعرفها من قبل.
تضيف رشاد أنها في عام 2017 قررت تكوين ورشة فنية تفاعلية، مع أصدقاء لها لتجاوز المشاعر المرتبكة، والوضع الثقافي الساكن في الإسكندرية. وبالفعل بدأت الورشة التفاعلية بطرحها لنص من كتاب الباحثة كلاريسا بينكولا، وكانت النتيجة هي معرض الخبيئة الجماعي.

التشكيل والحروب والثورات
الفنان التشكيلي والشاعر الليبي علي حورية يقول إن ازدهار حركات الفن التشكيلي عبر العصور كان ملازما للحروب والثورات، ولم تكن تلك الأحداث بمثابة تعزيز لتجارب الفنانين فحسب، بل كانت سبباً رئيسياً في إخراج كوادر فنية جديدة للمعترك الفني، ولعل هذه العلاقة الطردية بين ازدهار الفن وبين الحروب معروفة الدلالة والمصدر، لأن الفن بوصفه طريقة استحضار للذاكرة الجمعية، يجد المناخ الخصب لحالة الاستثارة التي تنتج العمل الفني في حالات الغضب والفقد والحزن والدهشة وتهيج غريزة الانتقام والانتصار.
أما عن تجربته الخاصة فيقول حورية إن فترة الحرب أسهمت في صقل تجربته التشكيلية، وأسهمت في غزارة إنتاجه، وجعلته يبحث في أدوات وتقنيات جديدة لم يعرفها من قبل، ولم يكن ليتعاطاها بشكلها الجديد، لولا ظرف الحرب.
يضيف حورية أن أبرز ما لاحظه في اتجاهه الجديد هو اتجاهه إلى منحى تعبيري أو تعبيري وحشي، حيث كانت كل الأعمال التي رسمت في فترة الحرب تتضح فيها سمات الوحشية، والألوان القانية، وتوظيف الهياكل الكبيرة، والبورتريهات المشوهة، والخطوط الحادة، وعرضت هذه الأعمال في معرضين مستقلين.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.